الهزيمة العربية ليست قدراً.. الفرصة مع السعودية

2021.02.25 | 00:27 دمشق

2021-02-16t195625z_781647090_rc2vtl9hvxxd_rtrmadp_3_mideast-usa-biden.jpg
+A
حجم الخط
-A

لا بوادر أو مؤشرات إيجابية تأتي من الولايات المتحدة الأميركية إزاء الوضع العربي عموماً. كانت القراءة الأولية لمرحلة ما بعد تسلم الرئيس الأميركي جو بايدن مقاليد الحكم، تنحو باتجاه التوازن المنطقي الذي قد تستعيده واشنطن مع عودة الديمقراطيين، مع رهان على عدم تكرار أخطاء باراك أوباما، لكن على ما يبدو أن هذا التفاؤل لم يعد موضع التوفر. قرأت بعض الدول العربية ودول المنطقة مسبقاً المتاعب والمصاعب التي ستفرضها الإدارة الأميركية الجديدة.

المملكة العربية السعودية، مصر، تركيا، وغيرها من الدولة قرأت الطالع السلبي لتوجهات إدارة جو بايدن في منطقة الشرق الأوسط، وسط عدم إبداء أي اهتمام حقيقي فيها. بفعل عدم اهتمام الإدارة الأميركية بشؤون المنطقة، فإن ذلك سيتيح أمام قوى أخرى لتعبئة الفراغ.

إسرائيل حاضرة وموجودة بمشروعها الاستراتيجي، إيران استفادت من حقبة أوباما وحققت أهدافا توسعية من مشروعها، لفرنسا طموح في تجديد نفوذها، يرتكز على الالتقاء مع الإيرانيين والأميركيين والإسرائيليين، ولو كان على حساب العرب، بالرغم من محاولات فرنسية مستمرة لاسترضاء دول الخليج عبر استخدام لهجة عالية النبرة تجاه طهران ومشروعها النووي أو صواريخها البالستية، لكنه موقف غير قابل للتغيير في الموازين الاستراتيجية. روسيا لديها حضورها ودورها الآخذ في التوسع في سوريا ومنها باتجاه لبنان، عبر التنسيق مع إيران وإسرائيل، والاستفادة من الابتعاد الأميركي عن الاهتمام بالمنطقة وملفاتها.

 كل هذه المشاريع تتعارض مع طموحات وتوجهات شعوب المنطقة، بما فيها الشعوب التي سحقت من قبل الأنظمة، أو أنظمة أخرى لم تسحق شعوبها لكنها أيضاً كانت على طرف نقيض مع الربيع العربي وثوراته. في هذه المعركة لم تعد الحرب بين شعب ثائر ونظام، بالرغم من أحقيته، لكن الأولوية هي لمواجهة مشاريع خارجية تستهدف دول المنطقة برمّتها، وضربها بهدف تصغيرها، أو جعلها كيانات متضاربة ومتصارعة في تناقضاتها الدينية والمذهبية والثقافية والعرقية. على غرار ما جرى في سوريا، العراق، اليمن، وصراع الوجود الذي تعيشه القضية الفلسطينية، وهو قابل لأن يتوسع أكثر في لبنان، وحتى داخل المملكة العربية السعودية، أو حتى تركيا.

المملكة العربية السعودية، مصر، تركيا، وغيرها من الدولة قرأت الطالع السلبي لتوجهات إدارة جو بايدن في منطقة الشرق الأوسط، وسط عدم إبداء أي اهتمام حقيقي فيها

جيواستراتيجياً، لا بد من وضع السعودية، مصر، وتركيا في خانة الدول المتضررة من هذه المشاريع، بناء على تجارب وشواهد سابقة وحاضرة. جانب من هذا التحسب هو الذي دفع دول الخليج إلى أخذ خيار المصالحة الخليجية، والاتجاه إلى تحسين العلاقات بينها وبين تركيا. خاصة أن جو بايدن، والذي يطلق إشارات سلبية باتجاه دول المنطقة، وسط حماسة الواضح للذهاب إلى إعادة توقيع الاتفاق النووي مع إيران، تتملكه رغبة وحماسة واسعة جداً في تجزئة المجزء مما تبقى من دول وكيانات وطنية في هذه المنطقة، وهو الذي كان عرّاباً لنموذج تقسيم العراق، وعلى مرأى عينيه كان يتم تمزيق سوريا وتهجير أهلها. في ظل فقدان أي أفق لأي مشروع عربي حقيقي يتصدى لكل هذه المحاولات والمشاريع الواضحة المعالم والدوافع.

 في جانب من المذكرات التي نشرتها جريدة إندبندنت عربية عن الأمير بندر بن سلطان، يذكر المسؤول السعودي البارز عن الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، قوله لأوباما:" لم أتوقع أن أعيش هذا العمر لأرى رئيساً للولايات المتحدة يكذب علي". كانت هذه أبرز الإشارات عن ما عانته السعودية مع أميركا أوباما، وقابل لأن يتكرر مع بايدن. وفي محاكاة تاريخية للنوستالجيا العربية، لا بد من استذكار الخبث الغربي مع الشريف حسين والثورة العربية. وهو مسار لا يزال بالاتجاه في كل المحطات التاريخية والتحولات الاستراتيجية التي حصلت.

الواقع لا ينبئ بخير ولا بإيجابية، الخيار المتاح الوحيد، هو اتخاذ قرار عربي متقدم واستراتيجي في إعادة تكوين مشروع واضح المعالم، تتماهى فيه الشعوب مع دولها، لمواجهة أي تحولات ستفرضها الإدارة الأميركية الجديدة، وحدها المملكة العربية السعودية قادرة على اتخاذ مثل هذه الخطوة، بالتواصل مع كل الدول العربية أولاً، ومع تركيا وغيرها من القوى الإقليمية أو الدولية. لا يقوم هذا المشروع على قاعدة العداء لأي طرف، إنما لردّ الاعتداء. وفي ذلك دعوة صريحة وجدية لمناقشة عقلانية لوقائع السياسة القائمة حالياً، والتي تظهر بوضوح لا لبس فيه خسارة عربية من المحيط إلى الخليج.

أفشلت المملكة العربية السعودية تاريخياً كثيرا من المحاولات التي هدفت إلى ضربها وإضعافها، منذ تداعيات الثورة الإسلامية في إيران على حادثة الحرم مع حالة جهيمان العتيبي والتي نجحت السعودية في التصدي لمشروع كان الهدف منه تغيير وجه دول الخليج والمنطقة. صمدت، كما فعلت في لبنان ما بعد الاجتياح الإسرائيلي، والذي كاد ينتج عنه أول تحالف للأقليات بمعناه السياسي والاستراتيجي داخل مقومات وبنى إحدى الدول العربية، في تلك الفترة كان حافظ الأسد وبموافقة إسرائيلية ودولية، يعمل على تعزيز تحالف بين الدروز والشيعة والمسيحيين في لبنان من خلال ما عرف بالاتفاق الثلاثي، وكان الهدف منه استبعاد السنّة وضربهم، كما عاد وحصل فيما بعد العام 2001 ولا يزال مستمراً إلى اليوم، وأبرز تجلياته ما حصل في سوريا بعهد أوباما. نجحت السعودية في إجهاض الاتفاق الثلاثي، وعملت على إبرام اتفاق جديد هو اتفاق الطائف، الذي عزز دورها في المنطقة ودور وموقع السنية السياسية، والتي دفعت فيما بعد ثمناً مضاعفاً مع اجتياح العراق واغتيال ياسر عرفات واغتيال رفيق الحريري.

 كذلك نجحت السعودية في إنتاج رؤية لحل القضية الفلسطينية على قاعدة حل الدولتين، وذلك في قمة بيروت بالعام 2002، بناء على مبادرة الملك عبد الله والتي سميت بالمبادرة العربية للسلام، ولكن ما جرى فيما بعد وصولاً إلى اليوم كان هدفه الردّ على هذا الدور السعودي والإجماع العربي. في تداعيات مرحلة ما بعد هذه الأحداث، دخل الإيراني إلى المنطقة، كانت ساحات الصراع الأولى هي العراق ولبنان، أخطأت السعودية بالانسحاب وإدارة الظهر وفق سياسة تجلّت لاحقاً بقاعدة "السعودية أولاً". لكنها قاعدة لن تدوم، بناء على قراءة واقعية للأحداث التاريخية، لأن خسارة لبنان، بعد العراق، وخسارة سوريا فيما بعد والانسحاب منها، أوصلت إيران إلى اليمن وفتح معركة استراتيجية على تماس مع الأمن القومي السعودي والعربي، وبحال عدم استعادة السعودية لسياسة شرق أوسطية وعربية واضحة المعالم، فإن المعركة لن تتوقف عند حدود اليمن، وللمسؤولين الإيرانيين تصريحات كثيرة حول استهدافهم للسعودية ودورها ورمزيتها، وصولاً إلى طرح إنشاء "إدارة إسلامية مشتركة للحرم المكي وشؤون الحج." وهذا يوضح حقيقة المشروع الإيراني، الهدف هو مكة. ولا بد من حمايتها إلا بمشروع كامل المعالم تحتضن فيه السعودية كل الحواضر العربية، من خلال العودة إلى لبنان وسوريا والعراق وغيرها من الدول العربية والإقليمية.

لا خيار أمام السعودية إلا بالعمل على وضع برنامج سياسي، لا ينطلق من نظرة الاهتمام بالشؤون السعودية فقط، لأنها ستكون مستهدفة، بينما بإمكانها إبعاد مواقع النزال عنها والعودة إلى خلق توازن في المنطقة ككل، لذلك طريق وحيد يتوازى مع المصالحات السياسية بين الدول، ويحتضن الشعوب العربية، عبر تنظيم وعقد مؤتمرات لفئات شعبية واجتماعية متعددة الانتماءات والمشارب والثقافات، والأهم احتضان المعارضات العربية كلها، من المعارضة اللبنانية إلى العراقية والسورية، تزامناً مع عقد اتفاقات استراتيجية مع الدول لتشكيل قوة أمر واقع تفرض توازنات جديدة، ساحة النزال الأساسية لا بد أن تكون سوريا، في إعادة جمع صفوف المعارضة وتعزيز قدراتها وتوحيدها، على أن يمتد المشروع باتجاه دول أخرى، لم يعد من مجال لا للانتظار ولا للتفرج على الغرق في الاستسلام للهزائم.