الهروب إلى الأمام.. هل يشعل الحرس الثوري الإيراني المنطقة كلها؟

2019.11.23 | 18:01 دمشق

1001.jpg
+A
حجم الخط
-A

من ينظر إلى منطقة الشرق الأوسط اليوم، لن يرى إلا النار التي تشتعل على امتداد بلدانه: من الساحل الشرقي للمتوسط غرباً وصولاً إلى الخليج العربي شرقاً، ومن أفغانستان شمالاً حتى اليمن جنوباً... إنها منطقة تغلي، ويعلو فيها صوت الحرب على كل الأصوات، بما فيها أصوات عشرات ملايين المدنيين الذين تفتك بهم هذه الحروب.

في كل هذه الحروب تحضر إيران كقاسم مشترك على امتداد هذه المساحة الشاسعة كلها، وبدقة أكبر: يحضر ما يدعى بالحرس الثوري الإيراني كطرف رئيسي في كل الساحات المشتعلة.

لم يطمئن آية الله خميني، العائد من منفاه إلى إيران1979، إلى الدور الذي لعبه الجيش الإيراني في مجريات الثورة الإيرانية؛ فقد وقف- ذاك الجيش الذي بناه الشاه- على الحياد خلال مجريات الثورة؛ الأمر الذي أقلق الخميني، وفاقم خوفه من احتمال الانقلاب عليه؛ فأصدر مرسوماً بعد أشهر من عودته، بصفته قائد الثورة: الأمر بتأسيس الحرس الثوري الذي ستكون مهمته حماية النظام، على أن تبقى مهمة حماية البلاد والأمن الداخلي للجيش.

الإيمان: كان هو الشرط الأساس الذي يجب أن يحققه المنتسب إلى هذا الجسد الوليد، الإيمان

لقد تأسس الحرس الثوري الإيراني كدولة موازية للدولة في إيران، دولة لا تخضع لمؤسسات الدولة السياسية والعسكرية

بالولي الفقيه والطاعة التامة له. وقد كان من الطبيعي -في ظل تبعية هذا الجسد للسلطة الدينية- أن تتولى تلك السلطة شؤون إدارته، وتعيين قادته، ووضع خطط عمله.

باختصار: لقد تأسس الحرس الثوري الإيراني كدولة موازية للدولة في إيران، دولة لا تخضع لمؤسسات الدولة السياسية والعسكرية، وهي دولة لها ميزانيتها المستقلة ومرجعيتها الخاصة، وأساليب عملها وأهدافها التي تحددها المرجعية الدينية ممثلة بوليها الفقيه.

بغض النظر عن حيثيات المرسوم الذي أعلن نشوء الحرس الثوري، وحدد مهامه، فإن ما يميز هذا الحرس، هو اشتغاله على وظيفتين رئيستين، هما:

  1. حماية نظام الملالي في إيران.
  2. تصدير ثورتهم الإيرانية إلى الخارج.

ثم إن ما يميز بنية هذا التشكيل، هو تغلغله في معظم مفاصل الدولة والمجتمع، حتى بات من الصعب اقتلاعه، هذه البنية التي تحمل خصوصية معقدة، تتجلى في إنشاء علاقة هجينة خاصة، تربط المدنيين بآلية عمل عسكرية؛ الأمر الذي يمكن رؤيته بوضوح في بنية ما يسمى بقوات الباسيج في إيران، وفي ميليشيا حزب الله اللبنانية، وفيما حاوله قاسم سليماني في سوريا عند تأسيسه ما سمي بقوات الدفاع الوطني.

يختلف الأمر في المركز الذي يحتاج إلى ما هو أكبر من بنية ميليشاوية فقط، فقد تم تأسيس ما يسمى اليوم بفيلق القدس، هذا الفيلق الذي يقوده قاسم سليماني، والذي تخصص بإدارة العلاقة بين المركز (الولي الفقيه) وبين الساحات الخارجية: لبنان، وقطاع غزة، وسوريا، والعراق، واليمن، والبحرين، والسعودية، وأفغانستان...إلخ.

يضم هذا الفيلق نخبة الحرس الثوري الإيراني، وهو الذي يرسم العلاقة السياسية مع الدول التي يعمل فيها، وهو الذي يحدد سفراء إيران فيها، وهو من يرسم علاقات إيران الاقتصادية بهذه الدول. إن ما يميز الحرس الثوري الإيراني، هو أنه يسيطر على قطاعات اقتصادية واسعة في إيران: له مصانعه ومنشآته العسكرية الخاصة، وله أيضاً مشترياته الواسعة الخاصة من سوق السلاح (تعتبر روسيا المصدر الأهم لسلاح الحرس الثوري الإيراني).

إن ما يحدث اليوم من رفض دولي للدور الذي يقوم به الحرس الثوري في الخارج، والذي تصاعد بانضمام موجة شعبية رافضة لهذا الدور أيضاً، وضع السياسة الإيرانية أمام معضلة لن يسهل حلها، مالم تتواطأ أطراف كثيرة داخلية وخارجية على حلها، خصوصاً أن الدولة الإيرانية الرسمية ليست صاحبة القرار في رسم علاقات هذه الفيلق وسياسته الخارجية؛ الأمر الذي يمكّن الحرس الثوري من فرض طريقة المواجهة التي يريدها على كامل الدولة الإيرانية، تماماً كما يفعل حزب الله في لبنان، عندما يجعل الدولة اللبنانية واجهة له يديرها من الخلف كيف يشاء.

هكذا، لا يمكن للحرس الثوري أن يستجيب لمطالب الشعوب الثائرة في إيران ولبنان والعراق، ولا أن يستجيب لمطالب الجهات الدولية التي ترى في تحجيمه مصلحة لها؛ فهذه البنى الفاشية العقائدية لا يمكنها خوض السبل السياسية المعروفة

إن القائمين على سياسة الحرس الثوري الإيراني الخارجية يدركون عمق أزمتهم، التي امتدت على مساحة عدة بلدان

في حل الأزمات، ولا تحتمل بنيتها أي تغيير نوعي، ولا تقديم أي تنازلات حقيقية؛ الأمر الذي يحتم عليها اختيار الصمت مؤقتاً، أو الاندفاع عبر الحروب إلى الأمام.

إن القائمين على سياسة الحرس الثوري الإيراني الخارجية يدركون عمق أزمتهم، التي امتدت على مساحة عدة بلدان، وهم يدركون أيضاً أن هزيمتهم في أي ساحة من هذه الساحات هي بداية النهاية لهم، وأن أي هزيمة في أي منها لا بد ستقود إلى الهزيمة الكاملة؛ من هنا يأتي الحرس الثوري إلى قرار سحق المتظاهرين في العراق وفي طهران بلا رحمة مهما يكن الثمن، ومن هنا قد يأتي التخوف من إقدام حزب الله على خطوة شبيهة بما فعله في 7 أيار، مع أن هذه المرة ستفضي بالضرورة إلى احتلال كامل لبنان، بما فيه الدولة بكل أوجهها، وإلى فرض وصايته الكاملة المعلنة عليه.

لم تعد خافية على أحد، تلك السيناريوهات التي تسبق إجهاض الحراك في أي ساحة: ستنشأ جهات متطرفة، يتولى الحرس الثوري ذاته تشكيلها، ثم تبدأ المعركة مع هذه الجهات المتطرفة تحت ذريعة محاربة الإرهاب، وفي سياق المعركة مع الإرهاب المزعوم يتم سحق الحراك بلا رحمة وبمنتهى الوحشية.

ولن يهتم المجتمع الدولي كثيراً لمناظر العنف الفظيعة التي ستتناقلها وكالات الأنباء؛ فالقناع الذي سيتجمل به هذه المجتمع معد وجاهز وصالح للاستعمال: إنه قناع محاربة الإرهاب. وهو، أي المجتمع الدولي العتيد هذا، لا يريد لهذه الشعوب أن تنتصر في حراكها، وسيتواطأ لحسابات مصلحية ضيقة آنية؛ لكي تدفع الشعوب التي تحاول أن تجد لها فسحة من حياة كريمة وحرة ثمناً باهظاً، لإرغامها على العودة إلى بيت الطاعة.

ثمة أمل وحيد يمكنه أن يفشل معركة الحرس الثوري الإيراني لوأد حراك الساحات المشتعلة، إنه يكمن في وعي شعوب هذه البلدان حقيقة الدور الذي يلعبه الحرس الثوري، خاصة أن تجربة الثورة السورية تتوالى فصولها المرعبة أمام أعين الجميع.

لا أمل في أن يستيقظ إحساس بالمسؤولية لدى قيادة الميليشيات التي تتبع الحرس الثوري حيال شعوبها؛ فهذه القيادات لا تهمها شعوبها أبداً؛ لأن ما يهمها، هو: تأليه الولي الفقيه. من هنا يجب العمل على قواعد هذه الميليشيات ومحاولة خلخلة بنيتها من الداخل... إنها مسؤولية كل أطياف المجتمع السياسية والثقافية والإعلامية؛ ففي استمرار سيطرة رأس هذا الأخطبوط على بقية أذرعه، دمارٌ مرعبٌ سيجتاح هذه المنطقة كلها.