الهاربون.. والحنين للعبودية

2018.08.08 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لم تكن روسيا غبية ولا خارجة على المنطق، عندما أسست مركز استقبال اللاجئين، الهادف إلى إعادة ملايين السوريين من بلدان الشتات في الجوار وأوروبا إلى "حضن الوطن"، ليتبعها نظام الأسد ويؤسس - أمس الأول- "هيئة تنسيق عودة اللاجئين"، بعد حراك روسي بدا جدياً اشتغلت عليه وزارتا الخارجية والدفاع الروسيتين بتواصل حثيث وفعال مع الأردن ولبنان وتركيا، حيث ثقل اللاجئين الأكبر، ومع أوروبا التي ضاقت باللاجئين سياساتها وسياسيّوها، وصار اللجوء المؤشر الرئيس الذي يُقصي ويُدني، ويرفع ويخفض أحزاباً وشخصياتٍ في أي انتخابات أوروبية.

روسيا والنظام، تعلمان ما تعلمه المعارضة ولكن تخفيه حتى عن نفسها، وما إن اقتربت لحظة الحقيقة الفاجعة، حتى أخذت تحذر وتنذر،

ذُهلت حدَّ الفجيعة، عندما سمعت وتيقّنتُ أن قلة من الحاصلين على الجنسية التركية الاستثنائية مؤخراً، رفضوا ممارسة حقهم الانتخابي في الانتخابات التركية منذ شهرين، خوف أن يصل ذلك إلى مسامع مخابرات النظام ويؤثر لاحقاً عليهم عندما يعودون إلى "حضن الوطن"!.

ولكن.. هيهات أن يسمع الهاربون، الذين حسبتهم المعارضة – زرواً- عليها، وقيّدتهم في سجلاتها، وهم براءٌ من كل موقف، لا يرون إلا أنفسهم، ولا يسمعون إلا صوت مصلحتهم، وبناء عليها يؤسسون موقفهم من النظام والمعارضة والوطن، وحتى الله!.

ذُهلت حدَّ الفجيعة، عندما سمعت وتيقّنتُ أن قلة من الحاصلين على الجنسية التركية الاستثنائية مؤخراً، رفضوا ممارسة حقهم الانتخابي في الانتخابات التركية منذ شهرين، خوف أن يصل ذلك إلى مسامع مخابرات النظام ويؤثر لاحقاً عليهم عندما يعودون إلى "حضن الوطن"!.. وسُمعتْ سيدة ليست أمية ولا عجوزا، بل مديرة معهد تعليمي، تقول في مجمع: "يا ريت يتصالح أردوغان وبشار لنقدر نطلع ونفوت براحتنا على سوريا"!!.. أما "العم أبو محمد" فعبّر عن رأيه بالوضع الراهن في حماة بعد عودته من إجازة العيد، بأنَّ فيها "محافظاً أعدل من عمر"!!.. ولأنني سأستهلك إشارات التعجب جميعها، سأكتفي بهذه الشواهد التي تعرفون الكثير منها، وتواجهون كل يومٍ من هذه الأيام خاصة، ما يكسر الخاطر ويفتر العزيمة ويبدد كل أمل.

إلا أن نظرة فاحصة متروية موضوعية، ستبدد التشاؤم وتعيدنا إلى دائرة الأمل والرضا، فهؤلاء الملايين، إما هاربٌ بنفسه وأولاده من جحيم الحرب (وهذا حق لا يناقش فيه عادل)، أو ليهرّب أولاده من الخدمة في جيش الأسد والموت مجاناً فداء كرسيه، أو لاجئ اقتصادي إلى أوروبا تحديداً، أو ثائر ضاقت به البلاد واضطر كارهاً للخروج، أو أخرجه نظام الأسد غصباً، وما زال يعيش ثورته بكل شكل ممكن، وهذه هي الفئة التي يجب أن نعدّها وحسب، أما الأعداد التي دخلت السجلات من طريق الخطأ، فإنها ستخرج عاجلاً أم آجلاً، فور توفر نصف الأسباب الموضوعية للعودة، وهو ما تلعب عليه روسيا، وبعدها - وبإيحاء منها- نظام الأسد، وسيكون كافياً جداً لإعادة هؤلاء تكثيف الضغط في بلدان اللجوء (اقتصادياً وأمنياً)، وبعض الإغراءات (الاقتصادية والأمنية) في الداخل، أما حكم الأسد وآله ونظامه،

هؤلاء التائقون للعبودية في "حضن الوطن"، لم ولن يكونوا عابئين بالشهداء ولا المعوّقين ولا بثلاثة ملايين طفل حُرموا من التعليم ولا بآلاف قُتلوا تحت التعذيب.

فلم يكن في يوم من الأيام يشكل أدنى عقبة أو ثقل على كاهل هؤلاء، ولعل في جملتهم الشهيرة "كنا عايشين" خير دليل على استمرائهم العبودية الإنسانية مقابل بعض حريات اجتماعية ومكاسب شخصية تقع في الهامش المسموح الضيق الذي حشر فيه الأسد السوريين أجمعين.

هؤلاء التائقون للعبودية في "حضن الوطن"، لم ولن يكونوا عابئين بالشهداء ولا المعوّقين ولا بثلاثة ملايين طفل حُرموا من التعليم ولا بآلاف قُتلوا تحت التعذيب، إنهم لا يرون ما نرى ولا يسمعون ما نسمع، وإذا قيل لهم إن جميل الحسن توعّد العائدين، فإنهم أيضاً لن يكترثوا لأنهم "ما عليهم شي" وفق ما يقولون بلا خجل وبكل تفاخر!!..

وقصارى القول: فإن الثورة لن تخسر بعودة هؤلاء إلى مراكع عبوديتهم، لكن النظام ومشغّليه سيربحون، فإعادة الإعمار تحتاج أيدٍ رخيصة، والانتخابات المزمعة تحتاج أصواتاً ونفوساً رخيصة، إلا أنها – وللأسف- تُحسب وفق النظام الرياضي في الصناديق، لا وفق نظام الكبرياء!.