icon
التغطية الحية

النظام يُخيط أفواه منتقديه قبل إعادة "انتخاب" بشار الأسد

2021.02.07 | 03:57 دمشق

120930813_869920323540094_7018282344604770454_n.jpg
إسطنبول - تيم الحاج
+A
حجم الخط
-A

يقف شاب في مقتبل العمر أمام أحد الأفران المزدحمة في العاصمة السورية دمشق محاولاً  كما المئات من حوله الحصول على بضعة أرغفة، لكن الحظ لم يسعفه، فالطابور يمتد على مد النظر، وكي لا يتأخر على رب العمل الذي أرسله لهذه المهمة، قرر الشاب تصوير مشهد الازدحام أمام الفرن وإرساله إلى مُشغّله كي يبرر له سبب تأخره، لكنه لم يتمكن من إكمال ما سعى إليه، فقد أحاط به مجموعة من رجالات المخابرات وأخذوه إلى أحد الفروع الأمنية بتهمة إرسال "صور تضعف هيبة الدولة وسيادتها إلى جهات معادية".

هذا ما أخبرنا به مصدر خاص من داخل العاصمة دمشق، والذي أكد أن الشاب كُتب له عمر جديد بعد أن تمكن من إقناع محتجزيه بغرض التصوير، فأطلقوا سراحه لاحقاً مطلع شهر شباط الحالي.

تعكس هذه الحادثة وعشرات من مثيلاتها جواً عاماً من الاحتراز الذي باتت أجهزة نظام الأسد تعمل عليه، للتخفيف من الصورة المعتمة والمأساوية للواقع المعيشي المزري الذي يعيشه السكان في مناطق سيطرة نظام الأسد.

اقرأ أيضاً: حيتان الأسد.. وجوه الفساد الاقتصادي في سوريا (1)

"جرائم المعلوماتية".. حجة نظام الأسد لإسكات المُنتقدين

لا تعد العلاقة المتشنجة بين نظام الأسد وكاشفي الفساد وناقلي الصورة الحقيقة للوضع المعيشي في سوريا جديدة، فقد كان قانون "تنظيم الإعلام الإلكتروني" رقم 26 الصادر عام 2011، أولى الخطوات التي اتخذها النظام للحد من حرية النشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وتعتبر "الجرائم المعلوماتية" من الجرائم المستحدثة في القضاء السوري، وبات النظام منذ سنوات يتشدد فيها، خاصة بعد أن بدأ بعض الإعلاميين والناشطين بانتقاد المسؤولين عبر صفحاتهم، وقد تجاوز الأمر لمعاقبة حتى الفنانيين المكثرين في ولائهم كـ مصطفى الخاني الذي كتب في 2017 منشوراً في صفحته ينتقد فيه ممارسات سفير نظام الأسد السابق لدى الأمم المتحدة، بشار الجعفري.

وحوكم الخاني، حينئذ بتهم معلّبة، من قبيل انتقاده مسؤولاً ونيله من "هيبة الدولة وتعكيراً لصفاء الشعب".

وفي آذار 2018، توجّه نظام الأسد إلى التشدد في محاسبة الناشطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بعد أن أقرّ مجلس وزراء النظام، حينئذ، مشروع قانون يعاقب على "الجريمة المعلوماتية".

121016247_869900633542063_4328981065204499718_n.jpg

ونص مشروع القرار على إحداث نيابة عامة وقضاة تحقيق إضافة لمحاكم جزائية مختصة بهذا النوع من الجرائم، بداية وجنايات، وبحسب هذا القانون تخضع قرارات محكمة بداية الجزاء المختصة بالجرائم المعلوماتية للاستئناف، ويكون قرار محكمة الاستئناف مبرماً في الجرائم التي لا تتجاوز عقوبتها الغرامة، أما الجرائم الأشد فيكون قرار محكمة الاستئناف قابلاً للطعن بالنقض.

كما شددت وزارة عدل النظام على اختيار القضاة ممن لديهم دراية بهذه الجرائم، وتدريبهم لينظروا فيها.

اقرأ أيضاً: "واوية" حالة عامة.. تعرّف إلى أهم أسباب الفشل المؤسساتي بسوريا

تهيئة الظروف لإعادة انتخاب الأسد

تعمل منصات إعلامية عبر مواقع التواصل الاجتماعي تابعة لنظام الأسد على الترويج لـ "الانتخابات الرئاسية" المقبلة في سوريا، وبدا واضحاً النشاط الذي تقوم به الحسابات التابعة لفروع "حزب البعث" في عدة محافظات، إذ يبدو أن تعميمات وصلت للوقوف مع بشار الأسد الذي ينافس نفسه حتى الساعة على كرسي الرئاسة.

وحتى تكتمل مهمة الترويج لبشار الأسد، كان لا بد من ضخ معلومات تظهر الحياة على أنها وردية وأن المواطنين ممتنون للقيادة الحكيمة، يقابل ذلك إسكات كل الأصوات التي تتحدث عن مشاق الحياة في ظل مؤسسات وسيطرة نظام الأسد، حتى وإن كان المنتقد من المقربين والمؤيدين.

وقد بدا ذلك واضحاً من خلال حملة الاعتقالات الواسعة، مطلع شباط الحالي، التي شملت مذيعة في تلفزيون النظام الرسمي، هالة الجرف، والتي طالت أيضاً مجموعة من الناشطين الذين يعرفون بنشاطهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

وبررت وزارة داخلية النظام اعتقالهم استناداً إلى قانون "الجرائم المعلوماتية"، ومن أبرز الموقوفين أيضاً يونس سليمان، الذي ينشط في صفحة "مواطنون مع وقف التنفيذ"، والمفتشة في "الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش" فريال جحجاح، وفرح خازم وهي طالبة في السنة الثانية في كلية الصيدلة.

ووفق صحيفة "الشرق الأوسط" فإن سبب اعتقال الجرف يعود لتعاملها مع صفحة "نور حلب" التي تهتم بفضح ملفات الفساد، وهذا ما أكده رئيس "اتحاد الصحافيين في دمشق"، موسى عبد النور، الذي عزا سبب توقيف الجرف إلى أسباب متعلقة بمخالفات في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، دون أن يذكر تفاصيل إضافية.

وسبق حملة الاعتقال هذه، زيادة في ضخ التهديدات التي تسوقها وسائل إعلام نظام الأسد، لنشر الخوف في نفوس من ينشر معلومات "تمس سيادة الدولة"، كان آخرها ما نشرته جريدة "الوطن" المؤيدة، قبل أيام، حيث كتبت "كل معلومة ترسلها للخارج خطرها ليس فقط بملاحقتك داخليا بجرائم المعلومات، ‏وإنما خطرها الحقيقي وجود اسمك ومعلوماتك في جدول منظمات خارجي، قد ‏يستغلك بأي لحظة وابتزازك بأي موضوع وحتى قد تصل للامور الشخصية ‏والعائلية. فأنت تضع قدمك ضمن مستنقع لن تخرج منه".

وفي كانون الثاني الفائت،  نشر فرع "مكافحة الجرائم المعلوماتية" في سوريا حصيلة لعدد الضبوط المسجلة في أقسام مكافحة الجريمة لعام 2020، حيث قال رئيس فرع مكافحة الجرائم المعلوماتية في إدارة الأمن الجنائي، لؤي شاليش، إنها وصلت إلى 2334 ضبطاً، وأضاف شاليش أن الجرائم الأكثر وقوعاً في مجال الجرائم المعلوماتية في سوريا هي جرائم السب والشتم عبر الشبكة والتشهير، موضحاً أن نسبتها وصلت إلى 70% من إجمالي الضبوط المنظمة.

صوت المنتقدين يعلو

يعرف نظام الأسد أن الواقع المعيشي المزري الذي يقاسي منه الناس في مناطقه سيعطيهم جرعة زائدة من السخط عليه وعلى مؤسساته، وتدفعهم للنيل من الجميع وانتقاد الكبير والصغير من مسؤوليه عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد باتت هناك صفحات وحسابات مشهورة في شتى المحافظات كـ دمشق وحلب واللاذقية وطرطوس وحماة ودير الزور وغيرها تنقل حقيقة معاناة الناس أمام أزمات متعاظمة كـ الخبز والوقود والسكن والمواصلات وتدني الأجور وتضخم العملة والتعليم، التي يحاول إعلام نظام الأسد جاهداً تكذيبها ويسعى لتزييف الوقائع.

كما باتت هذه الحسابات تنتقد بشكل لاذع الوزراء والمسؤولين، ووصل بها الأمر لنشر ملفات فساد مستفحلة.

وكان موقع تلفزيون سوريا نشر معلومات حصرية نهاية عام 2020، عن اعتقال صاحب حساب على موقع فيس بوك، ينشر معلومات مفصلة على الفساد المستشري في مدينة دير الزور، وكشفت المعلومات قيام محافظ دير الزور السابق، عبد المجيد الكواكبي، بتشكيل مجموعات من المتكسبين الذين يعملون لحسابه، إلى جانب عشرات المسؤولين في مؤسسات النظام.

ولا تقتصر حالات الفساد على دير الزور فمعظم مناطق سيطرة نظام الأسد ينخرها الفساد، الذي ينعكس سلباً على الوضع المعيشي المتردي للسكان.
وخلقت هذه الحالة موجة من المنتقدين من المؤيدين للنظام على مواقع التواصل، وكانت وزارة العدل في حكومة نظام الأسد أوضحت عام 2018، أن عدد "الجرائم المعلوماتية" (في إشارة للمنتقدين) المحالة إلى القضاء من قبل الفرع في وزارة الداخلية، يزداد يوماً بعد يوم، في محاولة لشرعنة تنفيذ الأحكام بحقهم.

ووفق وزارة الداخلية لحكومة النظام، فإن "الجريمة المعلوماتية" التي ترتكب باستخدام الأجهزة الحاسوبية، أو الشبكة، أو تقع على الأنظمة المعلوماتية، أو الشبكة، بمعنى أن أجهزة الحاسوب والأنظمة البرمجية، الحاسوبية والشبكات، هي أداة الجريمة، ويمكن أن تكون محل الجريمة.

اقرأ أيضاً: حساب فيس بوك يكشف فساد مسؤولين في دير الزور وأجهزة الأمن تستنفر.

وتشرح الوزراة "الجريمة المعلوماتية" على الشكل الآتي "التغيير غير المشروع لمحتوى بيانات أحد المواقع الإلكترونية، والدخول غير المشروع إلى حاسوب، أو منظومة معلوماتية، أو موقع إلكتروني، وشغل اسم موقع إلكتروني، دون علم صاحبه والمنع  قصداً من الدخول إلى منظمومة معلوماتية، أو إلى موقع إلكتروني، وتصميم البرمجيات الخبيثة، بقصد الإضرار بالأنظمة المعلوماتية، أو الشبكات، وإرسال بريد إلى الغير إذا كان المتلقي لا يستطيع إيقافه، أو كان تسلّمه يرتب عليه نفقات، وقدح وذم شخصيات عامة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو التعدي على خصوصياتهم، بنشر معلومات، حتى ولو كانت صحيحة، والتصرفات غير المشروعة التي تقع على بطاقة المسبوقة الدفع، مثل التزوير، أو السرقة".