icon
التغطية الحية

النظام يلاحق شركات الصرافة في حلب.. و"المفتي" يدعو لدعم الليرة

2021.03.08 | 05:53 دمشق

hlb_1.jpg
حلب - خالد الخطيب
+A
حجم الخط
-A

وقوع حلب على تماس مباشر مع مناطق سيطرة المعارضة السورية وقوات سوريا الديموقراطية "قسد" شمال غربي سوريا جعلها محط أنظار النظام الذي يبحث عن مخرج للأزمة الاقتصادية التي يعيشها، فالمنطقتان الخارجتان عن سيطرته شكلتا سوقاً مفتوحة أكثر حيوية من ناحية تداول البضائع والعملات، ومنهما يتدفق جزء من الأموال والبضائع إلى حلب، التي باتت أيضاً بوابة للتدفق العكسي للبضائع والليرة القادمة من مختلف المحافظات التي يسيطر عليها النظام.

الحملة الأمنية

شهدت حلب حملة أمنية مكثفة قامت بها الفروع الأمنية التابعة للنظام مستهدفة الشركات الرئيسية العاملة في قطاع الصرافة والحوالات المالية، واعتقلت دوريات مشتركة تابعة لفرعي "الأمن العسكري" و"أمن الدولة" أكثر من 20 شخصاً يعملون في القطاع، وصادرت الدوريات مبالغ مالية ضخمة (بالليرة السورية والدولار الأميركي) خلال عمليات الدهم على مقار ومكاتب الشركات ومنازل عدد من العاملين والمالكين في أحياء الفرقان وباب الفرج وسيف الدولة والشهباء والجميلية والمشهد.

وشملت الحملة الأمنية عدداً من شركات الشحن التي تنقل البضائع القادمة من مناطق سيطرة المعارضة و"قسد" عبر ممرات التهريب والممرات الرسمية، وذلك لأنها تنشط إلى جانب عملها الأصلي في قطاع الصرافة وتحويل ونقل العملات بين مختلف مناطق السيطرة شمال غربي سوريا، ومنها نحو باقي محافظات الداخل السوري الذي يسيطر عليه نظام الأسد.

مصدر محلي يعمل في قطاع الصرافة والحوالات في حلب (رفض الكشف عن هويته لدواع أمنية) قال لموقع تلفزيون سوريا: "تحوز شركات الشحن ومجموعات (تجار العملة) على نسبة كبيرة من أعمال القطاع وقسم كبير من هؤلاء يتبعون للميليشيات العشائرية والإيرانية في حلب، وقسم كبير من هؤلاء يتمتعون بما يشبه الحصانة، بحيث لا يمكن لأي جهة أمنية اعتقالهم أو مصادرة أموالهم إلا إذا كان هناك تنسيق أمني مع الجهة المسلحة التي تدعمهم، في حين تهيمن شركات الصرافة والحوالات المالية الكبيرة على ما تبقى من أعمال القطاع التي يزيد عددها على 15 شركة في حلب، من أهمها، الهرم والأدهم والفؤاد ومايا وشام وزمزم والنضال والثقة والفاضل والمتحدة والديار آراك وتواصل وغيرها".

وأوضح المصدر، أن "الحملة الأمنية استهدفت الشركات والشخصيات الأكثر نشاطاً في مجال التحويل والصرافة، وبدا أنها اعتمدت على بنك معلومات معد مسبقاً من قبل الفروع الأمنية بالتعاون مع المخبرين وأعضاء في الفرق والشعب التابعة لحزب البعث والتي تنشط بكثافة وبشكل غير مسبوق في مختلف أحياء المدينة والريف".

وحول الآثار التي خلفتها الحملة الأمنية على قطاع الصرافة والحوالات المالية في حلب، أكد المصدر "أن الكثير من شركات التحويل ومكاتب الصرافة أوقفت عملها بشكل مؤقت إلى حين انتهاء الحملة ولذا تضررت أعداد كبيرة من العائلات التي تعتمد في معيشتها على ما يأتيها من حوالات مالية من الخارج ومن مناطق المعارضة وقسد (أبناء وأقارب)، أما ما تبقى من شركات ومكاتب عاملة فقد رفعت أجور الحوالات إلى الضعف، ويتم غالباً تسليم الحوالات بصعوبة، وعن طريق شبكة من المعارف والشخصيات الثقات، وباتباع طرق تمويه عديدة خوفاً من الملاحقة الأمنية والمخبرين".

وزير الاقتصاد والمالية في "الحكومة المؤقتة"، الدكتور عبد الحكيم المصري، قال لموقع تلفزيون سوريا: "كنا نتوقع حدوث مثل هذه الحملات من قبل النظام على قطاع الحوالات المالية منذ أن سن النظام تشريعات وقوانين تمنع التداول بالعملات الأجنبية في العام 2020، وظهور الحملة في حلب متعلق بالانهيار التاريخي والسريع لليرة السورية أمام الدولار الأميركي وباقي العملات الأجنبية، يريد النظام من خلالها سرقة القطع الأجنبي المتوافر في السوق السوداء والتي تعد الأكبر في حلب، والمبررات لفعل ذلك جاهزة لدى النظام، تعامل غير مشروع".

وأوضح الدكتور المصري، أن "السوريين في حلب وفي مختلف المحافظات التي يسيطر عليها النظام سيقع على عاتقهم الجزء الأكبر من التأثير السلبي الذي خلقته الحملة الأمنية، إيقاف التحويلات المالية والتضييق على الشركات يعني بالضرورة زيادة في مأساة ومعاناة السوريين، لأن قسماً كبيراً منهم باتوا اليوم يعتمدون بشكل رئيسي على الحوالات المالية التي تأتيهم من الخارج لتغطية مصاريف المعيشة، فالراتب الشهري لم يعد يكفي لأسبوع واحد".

عكام يدعم الحملة

يبدو أن الحملة الأمنية على شركات الصرافة والحوالات المالية في حلب ليست تصرفاً أمنياً خاصاً بالفروع الأمنية، بل هي أقرب إلى الحملة الرسمية المنظمة (توجه حكومي) يزعم النظام من خلاله أنه يعمل على حماية الليرة ويوقف انهيارها المتسارع، وقد بدأ الاستعانة بشخصيات دينية مؤثرة للترويج لمزاعمه وهي أيضاً محاولة لتهدئة الشارع الغاضب.

مفتي حلب التابع للنظام، الشيخ محمود عكام، كتب في موقعه الرسمي مقالاً بعنوان "احموا الليرة يا أبناء سوريا"، جاء فيها: "هي عملة الوطن، وهي شريان اقتصاده وتوءم معاملاته التجارية والصناعية والعمل على حمايتها عمل على حماية الوطن، وهل الوطن إلا الدين والاقتصاد والتربية والاجتماع والسياسة النظيفة".

وتابع: "أناشدكم ضمائركم يا أيها القادرون على حماية الليرة السورية مِن مسؤولين وتجار وصناعيين وسياسيين وأحزاب ومجموعات ومغتربين، ولتعلموا جميعاً أنكم مسؤولون أمام الله وأمامَ الأجيال وأمام التاريخ وأمامَ الضمير العام الذي يمثله الضعفاء والمستضعفون، وسيعلم الذين ظَلموا الليرةَ – مَن – كانوا أي منقلب ينقلبون".

الباحث الاقتصادي يونس كريم قال لموقع تلفزيون سوريا: "إن اختيار النظام لحلب لكي يروج من خلالها لمزاعم حماية الليرة من الانهيار يرجع إلى الثقل المالي والاقتصادي الذي تمثله في الوقت الحالي، كما أن تركز الحملة الأمنية للنظام ضد شركات التحويل والصرافة في حلب هو بسبب عدة عوامل، من أهمها: وجود الدولار وبكميات كبيرة على اعتبار أن حلب نقطة الارتكاز والتواصل مع الباب ومناطق سيطرة المعارضة السورية في ريف حلب، ومنبج الواقعة تحت سيطرة قسد، ولذا فإن المنطقة (مثلث حلب الباب منبج) تتشكل فيما بينها أكبر التحويلات المالية والتجارية في سوريا".

وأضاف كريم: "قد تؤدي السياسة المستمرة في غض الطرف عن التعاملات بالدولار في مناطق سيطرة النظام إلى التقليل من حجم التعامل بالليرة، وهذا يؤدي إلى تكبد الليرة خسائر كبيرة لذلك يقوم بين الحين والآخر بحملات أمنية يجمع من خلالها كميات من الدولار ويضبط سوق المضاربة بالشكل الذي يخدم مصالحه".

أسباب الحملة

تشهد الليرة السورية تدهوراً متسارعاً منذ بداية عام 2020، وازداد هذا التدهور في العام الحالي لتبلغ الليرة مستويات متدنية قياسية، وترافق هذا التدهور بحملات أمنية على شركات الصرافة في المحافظات السورية عموماً وفي حلب على وجه التحديد، فما العلاقة بين تدهور الليرة وبين الملاحقة الأمنية لشركات الصرافة.

الباحث في الاقتصاد السياسي، يحيى السيد عمر يرى أن "الجهات الاقتصادية في حكومة النظام تتهم شركات الصرافة بالعمل على إضعاف الليرة السورية وذلك من خلال المضاربات، ومن جهة أخرى تنكر هذه الجهات الأسباب الذاتية لهذا التدهور، ففي معظم تصريحات المركزي السوري توعد للمضاربين بالملاحقة الاقتصادية والأمنية".

وأضاف السيد عمر لموقع تلفزيون سوريا: "يهدف النظام من خلال ملاحقة شركات الصرافة الرسمية وغير الرسمية إلى مصادرة ما تملكه من الدولار، وذلك بهدف دعم الخزانة السورية الخاوية، وهذا الأمر يوضح بأن مصادر الدولار لحكومة النظام قد استنزفت، ولم يبق أمامها إلا مصادرة أموال الأفراد والشركات".

وأشار السيد عمر، إلى أن "البعض قد يعتقد بأن الملاحقات الأمنية لشركات الصرافة هي فعل أمني مستقل لا يعبر عن توجه رسمي، ولكن في الواقع هذا الأمر هو من صلب السياسات الحكومية للنظام، فالمركزي السوري يقول صراحة إنه سيلاحق من يسميهم المتلاعبين بالليرة. كما أن موقع وزارة الداخلية في حكومة النظام يصدر تقارير حول إلقاء القبض على أشخاص يتعاملون بغير الليرة السورية، ولذلك فإن هذه السياسات هي رسمية بامتياز".

وعن أثر الملاحقة الأمنية في مستقبل الليرة السورية أوضح السيد عمر أن "الملاحقة الأمنية لشركات الصرافة في سوريا تشكل عاملاً ضاغطاً على قيمتها، فهي ستسبب زيادة في شح الدولار في السوق، بسبب ذلك ستنخفض قيمة الليرة ويرتفع الدولار، من ناحية أخرى تسبب هذه الممارسات دفع الناس إلى اتباع طرق تمويه وتخفي لتحويل الدولار. وأضاف: "تسعى حكومة النظام لإجبار الناس على تحويل الحوالات الخارجية من خلال شركات محددة تسيطر عليها، وهذه الشركات تعتمد سعر الصرف الرسمي 1256 ليرة، في حين يبلغ سعر الدولار الحقيقي ما يقارب 4,000 ليرة، ممّا يشكل خسارة كبيرة للناس وربحاً للنظام، فهذا الأمر في الواقع ما هو إلا سرقة لأموال الناس".

وأكد السيد عمر، أن "معدل الفقر في سوريا بلغ مستويات قياسية وذلك بسبب تدني قيمة الليرة وسياسات النظام المالية والاقتصادية، وبسبب ذلك عمد الناس في عموم سوريا إلى أساليب متعددة لتدبر أمورهم، فمن الملاحظ انتشار مواقع على وسائل التواصل الاجتماعي في سوريا تختص ببيع المواد المستعملة. فمعظم الناس بدأت ببيع ما تستطيع الاستغناء عنه لتدبر أمورها، ومن المتوقع أن تستمر الليرة السورية في التدهور، وأي تحسن سيكون تحسناً مؤقتاً يعقبه انهيار جديد، إلا إذا تم التوصل إلى حل سياسي في سوريا والذي سينعكس إيجاباً على الواقع الاقتصادي، ولكن هذا الأمر مستبعد في المدى المنظور، فعلى ما يبدو لا أفق قريباً لأي حل سياسي في سوريا".