"النظام يفرض رؤيته" ما شاء الله!

2019.07.15 | 00:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

في زمن لا مكان فيه للحق، أو للقانون، أو لاحترام الحياة الآدمية؛ في زمن تسوده القوةُ منطقاً، والقتل شريعةً، والكذب منهجاً؛ يتحول باعة الأوطان إلى حماةٍ للسيادة، والمتعاملين مع العدو محتل الأرض إلى مقاومين وممانعٍين، والذين يستمرون في السلطة بفعل المحتل إلى أصحاب رؤيةٍ يفرضونها على المجتمع الدولي وأممه المتحدة. مناسبة هذا الكلام قول النظام في دمشق بأنه "فَرَضَ رؤيته" بخصوص كل ما يتعلق باللجنة الدستورية، عند استقباله الأخير للمبعوث الدولي لسوريا " غيير بيدرسن".

أي فرض للرؤية هذا، عندما تكون /القواعد الإجرائية/ الناظمة لعمل هذه اللجنة - بما في ذلك رئاستها المشتركة بين المعارضة والنظام، ونسبة التصويت، والجدول الزمني، والأثلاث الثلاثة، والخمسة عشر عضوا من كل ثلث لكتابة دستور جديد؛ قد تم رضوخ النظام لها مسبقاً؟!  ذلك لم يكن باختيار النظام؛ وإنما بفعل روسي مأزوم، وتحت ضغط دولي ولَّده فشل روسي نابع من عجز روسي بإنتاج أي خرق سياسي على الساحة السورية.

وفِي هذا السياق لن يفيد النظام -الباقي مؤقتاً بفعل الاحتلال- رفضه لرعاية الأمم المتحدة للعملية السياسية. وما قوله بأن العملية سورية وبرعاية سورية، إلا تحصيل حاصل. الأمم المتحدة - من جانبها - لا تقول غير ذلك، والمعارضة أيضاً لا تقول غير ذلك؛ ولكن "الرعاية السورية" حسب فهم نظام الاستبداد تعني إشراف مخابراته على هذه العملية؛ أما الأمم المتحدة والمعارضة فتقولان بإشراف دولي يهيئ بيئة آمنة محايدة نزيهة سليمة؛ وذلك كي تكون العملية سورية صحيحة يمارس السوري، الذي هاجسه بلده، حقّه في تقرير مصير بلده وحياته، لا مخابرات النظام وعصاباته، التي هاجسها كرسي الدم. 

من هنا، وبسبب ذلك، يسعى النظام إلى عرقلة أي ملمح للعملية السياسية، كخلقه لمشكلة الأسماء وغيرها. وإن حدث وعبَّر عن إيجابية تجاه تلك العملية، فيكون حصراً بسبب الضغط الذي تمارسه حاميته الأساسية، روسيا المأزومة بدورها. وهذا بالضبط ما كان وراء زيارة مبعوث بوتين الخاص "لافرنتيف" ومعاون وزير الخارجية الروسي إلى دمشق. لقد كانا هناك لتثبيت ما خرج به المبعوث الدولي "بيدرسن" من إيجابية، وللمساعدة في الإبقاء على بعض ماء الوجه الذي ادّْعاه النظام عندما قال بأنه "فرض رؤيته".

ليس غريباً على هكذا عصابة، أن تقول بأنها "فرضت رؤيتها"

ليس غريباً على من ادعى "النصر" وأن الأمور "طبيعية"!؛ وعلى من قال "خلصت"!؛ وعلى من جَلَبَ الإرهاب، وادّعى أنه يحاربه؛ وعلى من جلب كل أصناف الاحتلالات، ليبقى؛ وعلى من يدّعي محاربة إسرائيل، ويستمر بفعلها؛ وعلى من ادعى بأن الأطفال، الذين قضوا بالسلاح الكيماوي، قد جلبهم الإرهابيون من الساحل السوري.. ليس غريباً على هكذا عصابة، أن تقول بأنها "فرضت رؤيتها".

الآن ستخرج اللجنة إلى النور؛ ومؤكد أن النظام سيسعى إلى عرقلتها وتعطيلها في كل ما يقوم به. وسيفعل ذلك لأنها من المؤكد لن تكون كما يدّعي لـ"مناقشة الدستور". من جانب آخر، مَن قال أساساً إن اللجنة هي الحل في سوريا؟! لقد كان لدى سوريا "دستور"؛ ولكن، هل احترم نظام الاستبداد هذا الدستور؟! وهل كانت "دساتير سوريا الأسد " أساساً إلا تفصيلاً على مقاس دكتاتورية الفرد وسلطاته شبه الإلهية؟!

الزمن لا يقف؛ وسوريا لا يمكن أن تعود إلى ما قبل 2011. إن آخر ما يمكن أن يحتويه دستور لسوريا، هو تثبيت لمنظومة أرادت ذبح سوريا كي تبقى في كرسي الدم؛ كما يتصوّر النظام. على منظومة الاستبداد أن تفكّر بنصف سكان سوريا الذين تبعثروا في أربع أصقاع الأرض، وبنصف آخر على ضفته يعيش الخوف والرعب والعوز والإهانة والجراح التي لا تندمل، وبمقاومة عرّفَتْهُ بقيمته المهترئة في الشمال الغربي السوري؛ وبمناطق سُميّت "مصالحات" تنتظر لحظة الانقضاض على مَن أهانها وأوجعها، وبحصار خانق له ولِمَن يشاركه بقتل السوريين؛ وبإعادة إعمار أو عودة لاجئين لن تتم طالما كان إجرامه هو السائد، وبمصالح دول كانت مسؤولة عن بقائه كل هذه السنين؛ والأكثر من كل شيء بملفات توثِّق إجرامه تتراكم يوماً بعد يوم، وبلجان تحقيق لن تترك قراراً بالاعتداء على السوريين أو فعلاً إجرامياً إلا وستضمنه في تلك الملفات.

رغم أن فكرة اللجنة الدستورية كانت روسية أساساً، وجزءاً من المحاولات التكتيكية الروسية لإجهاض عملية الانتقال السياسي؛ فإن روسيا لا بد أن تجد نفسها وقد دخلت عبر هذه البوابة -التي تواطأت في تغطية عرقلة النظام لها- ستدخل مختارة أو مضطرةً إلى مسار يفضي بالضرورة إلى انتقال سياسي في سوريا؛ وأنها إن لم تفعل ذلك فستجد نفسها تغوص في مزيد من الاستنزاف والغرق في القضية السورية. إنها تحمي نظاماً استبدادياً منفصماً عن الواقع يغطي هزائمه في كل شيء- والأخلاقية على رأسها- بمنظومة من الكذب والتزييف والخبث لا مثيل ولا سابقة لها. قال "فرض رؤية" قال !!!!