النظام يستنسخ تسويات درعا لبقية سوريا

2021.11.09 | 05:09 دمشق

2020-06-16-17.15.29.jpg
+A
حجم الخط
-A

بعد ما اعتبر من جانب أوساط نظام الأسد وحليفه الروسي بمنزلة نجاح لخططهم في محافظة درعا جنوبي سوريا بشأن فرض "التسويات" التي شملت تقريبا مجمل مدن وبلدات المحافظة، باستثناء واحدة أو اثنتين يسيطر عليهما "اللواء الثامن" التابع للفيلق الخامس المدعوم من روسيا، يسعى النظام كما يبدو إلى تعميم هذه التجربة على مناطق أخرى لا يمسك بها عسكريا أو أمنيا بشكل جيد نتيجة انشغاله عنها خلال السنوات الماضية.

وبالفعل، بعد أيام قليلة من إتمام عمليات التسوية في درعا، بادر النظام الى إعادة توزيع قواته وأجهزته الأمنية في المحافظة ليكون الريف الغربي من نصيب الأمن العسكري والريف الشرقي للمخابرات الجوية، والشمالي لأمن الدولة، بينما تولى الأمن السياسي الإشراف على معبر نصيب الحدودي مع الأردن، كون عناصره يتبعون لوزارة الداخلية، ما يتيح للنظام إظهار السيطرة على المعبر وبوابته الرئيسية نحو الأردن والخليج، بواجهة مدنية وليست أمنية.

غير أن جزءا من القوات والقوى الأمنية التي سحبها النظام من درعا توجهت إلى حدود محافظة السويداء المجاورة، حيث لا ينظر النظام بارتياح إلى الوضع فيها، ويعتبر أنها ما زالت غير ممسوكة أمنيا، على النحو الذي كانت عليه قبل عام 2011. وتشير المعلومات إلى أن أرتالا تتبع لـ "الفرقة 15" انسحبت من مدينة درعا، وعادت إلى مواقعها في السويداء، في حين دخلت آليات عسكرية تابعة لـ "الفوج 404" محافظة السويداء عبر طريق دمشق - السويداء وعبر الريف الغربي عن طريق بلدة بصر الحرير ازرع السويداء وتمركزت في قيادة "القوات الخاصة" بمنطقة المقوس شمالي السويداء.

ومن المعروف أنه تشكلت في المحافظة خلال السنوات الماضية العديد من الميليشيات والمجموعات المسلحة التي تدير بعضها أجهزة النظام الأمنية بهدف إثارة الاضطرابات داخل المحافظة ومع جيرانها من المواطنين البدو أو أهالي درعا، بينما تمثل مجموعات أخرى تحديا لسلطة النظام، ونشأت نتيجة الفراغ الأمني المتعمد من جانب النظام بهدف حماية المدنيين أو منع سوقهم للخدمة العسكرية في قوات النظام.

النظام لا ينوي نشر حواجز جديدة في السويداء خلال المرحلة الحالية، بل تعزيز جميع الحواجز الموجودة، إضافة إلى نشر دوريات مشتركة بين أجهزة المخابرات وقوى الأمن الداخلي والدفاع الوطني

والذريعة التي يستعد النظام كما يبدو للدخول أمنيا من خلالها إلى محافظة السويداء هي مكافحة ظاهرة السيارات المسروقة وعصابات الخطف، حيث تشير المعطيات إلى وجود الآلاف من تلك السيارات في المحافظة معظمها مصدره لبنان وتستخدم بشكل رئيسي من جانب المجموعات المسلحة في المحافظة التي بات بعضها يعمل لحسابه برغم تبعيتها الأصلية لأجهزة النظام الأمنية. ووفق شبكات محلية، فإن النظام لا ينوي نشر حواجز جديدة في السويداء خلال المرحلة الحالية، بل تعزيز جميع الحواجز الموجودة، إضافة إلى نشر دوريات مشتركة بين أجهزة المخابرات وقوى الأمن الداخلي والدفاع الوطني مع وجود قوة مؤازرة للجيش في الثكنات العسكرية في حال الحاجة.

ومع ورود هذه الأنباء حول نيات النظام الأمنية تجاه المحافظة، تجولت مواكب مسلحة في شوارع المدينة على متن السيارات المسروقة أو التي لا تحمل أوراقا رسمية، وسط غياب لأجهزة النظام الأمنية، في حين لم تتضح بعد الخطط النهائية للنظام تجاه المحافظة، وهل سيحاول في مرحلة لاحقة استنساخ تجربة التسويات في درعا بالرهان على التذمر الشعبي بين الأهالي من حالة الفلتان الأمني وتفشي أعمال الخطف والسرقة، فضلا عن تدهور الأوضاع المعيشية، كما في سائر البلاد، أم سيترك الوضع إلى مزيد من التدهور ليكون هو في النهاية المخلص، ويأتي تدخله كاستجابة لطلبات الأهالي.

وإضافة إلى محافظة السويداء، تعزز قوات النظام من حضورها في مناطق الشرق السوري الخاضعة لسيطرة قوات "قسد" مستغلة مخاوف الأخيرة من عملية عسكرية تلوح بها تركيا في مناطق شمال شرقي سوريا، وسط تسريبات عن حصول بعض التقدم في المفاوضات التي تجري بين النظام وقسد لتقاسم النفوذ والثروات في تلك المناطق الغنية بالنفط والغاز والمياه.

وتشير الأنباء إلى أن النظام أرسل تعزيزات لمواقعه في محيط مدينة عين عيسى وأطراف مدينة تل أبيض شمالي الرقة، وعلى الطريق الواصل من منطقة العريمة إلى معبر عون الدادات على طول خط نهر الساجور شمالي مدينة منبج، في حين عقدت اجتماعات بين ممثلي النظام وقيادات من "قسد"، وسط معلومات عن نية الطرفين إجراء مناورات عسكرية مشتركة على غرار المناورات التي جرت الأسبوع الماضي في تل تمر شمال غربي الحسكة وعين عيسى شمالي الرقة بمشاركة قوات روسية.

وسبق أن تحدثت مصادر كردية عن اتفاق يجري العمل عليه بين الجانبين يقضي بانسحاب جزئي لـ"قسد" لمسافة 30 كم، تنفيذاً لاتفاق سابق بين روسيا وتركيا عام 2019، لعدم إعطاء تركيا ذريعة للدخول في عملية عسكرية جديدة شمال شرقي سوريا. كما صرح أكثر من مسؤول كردي بأن حزب الاتحاد الديمقراطي بصدد تسليم بعض المناطق الخاضعة لسيطرته للنظام السوري برعاية روسية.

وتسير بعض المعطيات إلى أن الحوار الذي يجري بين النظام و"قسد" ومن خلفها حزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د) الذي يديرها فعليا، يستهدف إمكانية إعادة النظام إلى مدينة الطبقة غربي الرقة، وإجراء تسوية على شكل التسويات في درعا لعناصر المجلس العسكري في الطبقة التابع لقسد. وكذلك في مدينة منبج، مع عودة أجهزة النظام الأمنية، برغم معارضة مجلسي منبج والطبقة العسكريين لمثل هذا الطرح ورفضهما الدخول في عمليات تسوية مع النظام. غير أن هذين المجلسين لا يملكان فعليا سلطة رفض أي اتفاقات يتم التوصل إليها بين النظام وقيادة (ب ي د) التي ترتبط بصلات قديمة ووثيقة مع النظام.

رهان النظام على "التسويات" بعد نجاحها في درعا، هو ثمرة تفكير مشترك مع روسيا بغية تحقيق الأهداف ذاتها بوسائل غير عسكرية

وإضافة إلى محاولات النظام للإفادة من حالة "الهلع" لدى قيادة قسد من العملية العسكرية التركية المرتقبة، بغية تعزيز حضوره في مناطق شرق الفرات التي لا يخفي رغبته في استعادتها عاجلا بوصفها الشريان الاقتصادي لاقتصاده المتداعي، يعمل أيضا على تعزيز حضوره في المناطق الخاضعة لسيطرته في محافظة دير الزور، حيث أعلن أمين فرع حزب البعث في المحافظة أن النظام سيبدأ اعتبارا من منتصف الشهر الجاري في إجراء تسويات في المحافظة تشمل جميع المطلوبين سواء الفارين من الخدمة العسكرية والاحتياطية، أو المتخلفين عن الخدمة الإلزامية وغيرهم. ومن المقرر أن تنطلق هذه التسويات في مدينة دير الزور، لتنتقل بعدها إلى الريف الغربي، ثم إلى مدينتي البوكمال والميادين وأريافهما، وصولاً للريف الشمالي.

ويبدو أن رهان النظام على "التسويات" بعد نجاحها في درعا، هو ثمرة تفكير مشترك مع روسيا بغية تحقيق الأهداف ذاتها بوسائل غير عسكرية، بعد أن أنهكت الحرب خلال السنوات الماضية الأهالي وحتى القوى المسلحة المحلية، وانتشرت الفوضى وكثرت المرجعيات، ما هيأ الفرصة للنظام ليتقدم ويطرح نفسه كقوة شرعية أصلية قادرة على سد الفراغات الأمنية والاقتصادية والخدمية.

والواقع أن التسويات وفق النموذج الذي طبق في درعا، أتاحت للنظام تحقيق عدة أهداف مبدئية، منها جمع أكبر ما يمكن من السلاح المحلي، وتحديث قاعدة بياناته عن حاملي السلاح والمطلوبين للنظام، وتكريس نفسه كمصدر للشرعية ومنح صكوك الغفران لكل من عارضه ذات يوم.