icon
التغطية الحية

النظام والدول المضيفة تطالب السوريين بالعودة.. فما رأي اللاجئين؟

2020.12.25 | 19:32 دمشق

thumbs_b_c_ac075122ac5cc71fbc34bfe609c82550.jpg
لاجئون سوريون في لبنان (وكالة الأناضول)
واشنطن بوست- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

مع اقتراب الشتاء واشتداد جائحة كوفيد-19 في عموم الشرق الأوسط، يواجه اللاجئون السوريون مخاطر موازية تتمثل بالبرد القارص وتفشي فيروس كورونا في مجتمعات اللجوء، فضلاً عن الضائقة الاقتصادية بسبب انتشار حالة الإغلاق. واليوم، وبعد مرور عقد من الزمان على الحرب تقريباً، أصبح أكثر من 5.5 ملايين سوري يعيشون كلاجئين في دول الجوار، وعلى رأسها تركيا ولبنان والأردن والعراق.

ويتعرض هؤلاء اللاجئون لتحديات جمة، تشمل القيود القاسية التي تحد من قدرتهم على العمل بصورة قانونية، والعوائق المالية والسياسية التي تحول دون حصولهم إلى وضع الإقامة بشكل قانوني، إلى جانب وجود عدد ضئيل من فرص إعادة التوطين في بلد ثالث. وفي عام 2020، تسببت الجائحة وما رافقها من إغلاق متقطع في زيادة وضع الأزمات الاقتصادية سوءاً لدى كل من الأردن ولبنان، مما صعب بشكل أكبر على اللاجئين العمل بشكل رسمي أو الحصول على مصدر رزق بشكل غير رسمي حتى يتمكنوا من دفع إيجار بيوتهم وتأمين حاجاتهم الأساسية.

ولكن هل يرغب السوريون بالعودة إلى وطنهم في الوقت الذي تدفعهم فيه كثير من حكومات الدول المضيفة على العودة؟ إن البيانات التي توصل إليها التحقيق الذي أجريناه يمكن أن تساعد في شرح سبب رفض كثير من اللاجئين العودة إلى ديارهم.

اللاجئون يتعرضون لضغوطات حتى يعودوا إلى سوريا

بالرغم من أن كثيرا من الحكومات تؤمن بأن الوضع في سوريا مايزال غير آمن، إلا أن فرع مخابرات الأمن العام بلبنان قام بتنظيم رحلات إعادة للسوريين طيلة مدة العام. إذ لطالما شددت السلطات اللبنانية على ضرورة عودة السوريين بشكل فوري، وأنحت باللائمة على اللاجئين بسبب البطالة والتضخم، وعدم قدرة الخدمات العامة على تلبية الاحتياجات لأنها تحملت فوق طاقتها، وكذلك بسبب التوتر العميق على المستوى الاجتماعي. أما في الأردن، فقد تكررت حالات طرد سوريين إلى مخيم لجوء في أرض قفر تقع بين الأردن وسوريا.

وبما أن سوريا تتلهف لعودة اللاجئين، لذا فقد أقامت مؤتمراً تدعمه روسيا خلال الشهر الماضي لمناقشة هذه القضية، حضره مسؤولون من العراق ولبنان، بالرغم من مقاطعة جل الدول الغربية والإقليمية لهذا المؤتمر. وخلاله، هاجمت الحكومة السورية وحلفاؤها الغرب بسبب العقوبات الاقتصادية وعدم تقديم الدعم اللازم لإعادة الإعمار، حيث اعتبرت بأن هذه السياسات تحرم السوريين من العودة. بينما اعتبر بعض المحللين هذا المؤتمر بمثابة استعراض سياسي لا يهدف لمساعدة السوريين على العودة إلى بلدهم.

وفي دول مضيفة مثل لبنان، تواصل بعض الأحزاب السياسية دفع اللاجئين للعودة إلى ديارهم، ولطالما اتهمت هذه الأحزاب نفسها اللاجئين البالغ عددهم مليون سوري تقريباً في لبنان بالتسبب بكثير من المشكلات لهذا البلد، إذ إنها تتخذ هذا الموقف فقط لتصرف الأنظار عن فشل الحكومة ولتبرر مطالبتها بالحصول على مزيد من المساعدات الدولية.

ما الذي يريده اللاجئون؟

يشترط قانون اللجوء الدولي أن تتم أي عودة بشكل آمن وطوعي وأن تكون كريمة ودائمة، إذن ما الذي يفكر به اللاجئون السوريون تجاه فكرة العودة إلى الوطن؟ لقد ركزت جل النقاشات التي تدور حول العودة حتى اليوم على المصالح السياسية، دون التطرق إلى وجهة النظر الناقدة التي يعرب عنها اللاجئون السوريون أنفسهم.

ولنفهم كيف يفكر اللاجئون السوريون حيال العودة لبلدهم، أجرينا استطلاعاً محلياً، اعتمد على مقابلات مباشرة مع أكثر من 3000 أسرة سورية لاجئة في لبنان وذلك خلال الفترة الواقعة ما بين شهري آب وتشرين الأول من العام 2019. فكشفت تلك الدراسة بأنه في الوقت الذي أعرب فيه 5% فقط من اللاجئين عن رغبتهم بالعودة في غضون سنة، تتمنى غالبية اللاجئين (63%) أن تعود إلى البلد في وقت ما.

كما سعينا لاكتشاف الأمور التي تؤثر على قرار العودة بالنسبة لهؤلاء الأشخاص، إذ إن كثيرا من حكومات الدول التي تستضيف لاجئين في مختلف بقاع العالم تقيد حق اللاجئين بالعمل وتصعب عليهم الحصول على وضع إقامة قانونية مع حماية كاملة بموجب القانون. وتستند بعض تلك الإجراءات على الفكرة التي تنتشر على نطاق واسع والتي ترى أنه في حال وجد اللاجئون بأن الحياة في الدولة المضيفة صعبة، عندها سيزيد احتمال عودتهم إلى بلادهم. وللتأكد من صحة هذه النظرية الخفية، قمنا بتحليل بيانات شريحة واسعة من اللاجئين السوريين في لبنان، بالإضافة إلى النتائج التي خلصت إليها تجربة قمنا بها ضمن ذلك الاستطلاع، فوجدنا ما يلي:

اللاجئون يهتمون بشكل كبير بالوضع في سوريا

خلصت دراستنا إلى أن الأوضاع في سوريا تمثل أهم العوامل التي تؤثر على قرار العودة، وليست الأوضاع في لبنان تلك الدولة التي تستضيف هؤلاء اللاجئين. إذ إن ما يهم الأشخاص الذين خضعوا لهذه الدراسة هو أمانهم الشخصي وأمن المنطقة التي تعتبر مسقط رأسهم. أي أن السوريين لا يراعون فقط خطر الاضطهاد الذي تمارسه حكومة الأسد، ويشمل ذلك حالات الإخفاء القسري، والاعتقالات العشوائية، بل أيضاً يهتمون بمسألة التجنيد الإجباري ضمن صفوف الجيش، والظروف الاقتصادية الخانقة، وعدم توفر الخدمات العامة.

كما أن السوريين الذين تحدثوا عن معاناتهم في ظل ظروف لبنان الصعبة، والتي تشمل عدم توفر عمل، وظروف سكن متقلقلة، وعدم توفر ما يكفي من المساعدات الإنسانية، وانتشار العنصرية ضدهم على نطاق واسع، من غير المرجح أن يقولوا إنهم يخططون للعودة إلى بلدهم، بيد أن قرار مواصلة العيش في المنفى صعب أيضاً، لكنه على مايبدو الخيار الأوضح بالنسبة لغالبية السوريين الذين يعيشون في لبنان، والذين لا يرغبون بالعودة إلى بلدهم قبل تحسن الظروف في سوريا بشكل ملموس، فقد ذكرت لنا امرأة سورية من حلب وقالت: "بلدي تعاني من حرب، ولهذا لا يمكننا العودة، ولكن هنا (أي في لبنان) لا يمكننا أن نعيش".

السياسات التي تهدف للضغط على اللاجئين حتى يعودوا في وقت أبكر من غير المحتمل أن تجدي نفعاً

إن هذه النتائج تعكس بأن الجهود المبذولة للضغط على اللاجئين السوريين حتى يعودوا إلى بلدهم في وقت أبكر من غير المرجح لها أن تجدي نفعاً، وتشمل تلك المساعي الخطوات التي قام بها النظام السوري مؤخراً مع داعميه، وعلى رأسهم روسيا، لاستغلال قضية العودة واستخدامها كورقة للمساومة والضغط على المانحين الغربيين لرفع العقوبات الاقتصادية وتقديم مساعدات إعادة الإعمار لسوريا قبل أن تصبح عودة اللاجئين ممكنة.

لقد تعرضت الدول المجاورة لسوريا إلى سياسة كبرى وتحديات سياسية على مدى عقد من الزمان تقريباً من استضافتهم لملايين اللاجئين على أراضيهم، وقد زادت الجائحة من الضغوطات الاقتصادية على تلك الدول. بيد أن خطة إدارة بايدن تقوم على زيادة عدد اللاجئين الذين ستتم إعادة توطينهم في الولايات المتحدة بصورة سنوية بما قد يساعد على تخفيف تلك الضغوطات، إلا أن إعادة توطين ما يصل إلى 125 ألف لاجئ سنوياً لا يمثل إلا نسبة ضئيلة من العدد الكبير للاجئين السوريين.

وبالنسبة لتوقعات عام 2021، قد يواصل اللاجئون مع المجتمعات المحلية في الدول المضيفة اعتمادهم على المنظمات الإنسانية للحصول على المساعدات. إذ بوسع المساعدات النقدية والمشاريع التنموية توفير فرص عمل دائمة لمجتمع اللاجئين وللمجتمع المضيف، وهذا قد يسهم في الحد من التوتر القائم بين هذين المجتمعين. وكما أظهرت نتائج البحث الذي أجريناه، فإن السياسات التي تضيق أمور العيش على اللاجئين، أو تشجع اللاجئين على العودة حسب رأي تلك الدول، معظمها ليس له تأثير فعلي في دفع اللاجئين على العودة إلى وطنهم.

المصدر: واشنطن بوست