النظام السوري وإيران والصراع على ملكية لبنان

2019.01.18 | 00:01 دمشق

+A
حجم الخط
-A

كشفت الألغام التي كانت قد وضعت في وجه القمة الاقتصادية العربية منذ لحظة الإعلان عن عقدها في بيروت عن نزاع حاد حول طبيعة الدور المرتبط بها. جماعة النظام السوري في لبنان الذين مثلهم رئيس المجلس النيابي نبيه بري  كانوا يريدون بوضوح أن تكون قمة إنعاش النظام والاعتراف به وإعادته إلى الجامعة العربية، وقد سلكوا في سبيل تحقيق هذا الهدف سبيل ربط السماح بانعقاد القمة بضرورة مشاركة النظام فيها.

كان هذا السياق مرتبطا بإشارات انفتاح عربي وخليجي على النظام لم تلبث أن لجمت بإشارة أميركية واضحة توالت على إثرها وبعدها الاعتذارات العامة عن حضور القمة.

مع هذا المناخ بدا المشهد العام وكأنه يطلق إشارات متناقضة، فالنظام السوري كان يريد للقمة أن تنعقد وأن تشكل مدخلا لإعادة تعويمه، وإيران كانت تريد للقمة أن تنعقد بشكل يبدو فيه الأمر وكأن النظام العربي يعترف بسلطتها على لبنان، وأن عملية إحياء النظام والاعتراف به إنما تأتي في إطار تأكيد وصايتها على القرار اللبناني، أو كظل من ظلالها.

لم تلتق حسابات الحليفين اللدودين، فالنظام السوري يعتمد حاليا على سياق شرعنة روسية عربية مرعية أميركيا، تدرج عملية إحيائه في إطار مشروع الحرب على إيران، كما أن روسيا بعد أن أوكل اليها أمر ترتيب شؤون النفوذ في سوريا تعمل على تعويم النظام بشكل خاص انطلاقا من لبنان.

من هنا يمكن النظر إلى تعطيل القمة العربية، وإلى فرض انعقادها بشكل هزيل على أنه عنوان المواجهة

اللجم الأميركي لعملية تعويم الأسد مرتبطا بإطار الحرب المفتوحة ضد إيران

المباشر الأول بين روسيا الوصية على النظام السوري وبين إيران، لأن نجاح القمة واتساع رقعة المشاركين فيها كان من شأنه أن يدفع في اتجاه تمكين الإطار الروسي للحل في سوريا وتسهيل شؤون ملف إعادة الاعمار الذي يزداد تعقيدا.

من ناحية أخرى كان اللجم الاميركي لعملية تعويم الأسد مرتبطا بإطار الحرب المفتوحة ضد إيران، والتحضيرات للقمة الدولية التي أعلن عن عقدها في بولندا في 13 و14 شباط القادم تحت عناوين تركز على الدور الإيراني المهدد للاستقرار في المنطقة، وعلى دورها في رعاية  الإرهاب والتطرف، كما تعنى بالحد من طموحاتها الصاروخية، ولجم التهديدات التي تمثلها المجموعات المرتبطة بها التي تعمل بشكل سري،إضافة إلى منعها من من تهديد التجارة البحرية.

وربما يكون لافتا أن الرد الايراني على هذا السياق التصعيدي الأميركي الذي يفتح جبهة دولية ضد إيران كان عبر التهديد بوقف فعاليات عرض الأفلام البولندية في إيران. هذا ما وضع في التداول، ولكن الإطار الفعلي للرد كان عبر تعطيل فعالية القمة الاقتصادية في لبنان.

مفاعيل الصراع السوري الإيراني على الوصاية على لبنان تجلت كذلك في لقاء بكركي الماروني الذي عقد مؤخرا، فقد اختصر المشهد الذي خرج عنه بالسجال الذي دار بين النائب العوني زياد أسود ورئيس حزب المردة سليمان فرنجية حول أحقية امتلاك الثلث المعطل في الحكومة القادمة. فرنجية اعتبر أن لهذا اللقاء أهداف أخرى لا يندرج الدفاع عن الثلث العوني المعطل في عدادها، في حين اعتبر اسود أن هذا الثلث حق لتياره.

لم يكن هذا السجال سوى استكمال لمعركة الرئاسة والتي تتخذ شيئا فشيئا عناوين ترتبط بصراع الوصايات، فحزب الله الذي كان فضل عون على فرنجية في الرئاسة وعطل البلد لسنتين من أجل إيصاله، كان يسعى إلى رسم ملامح مرحلة قادمة تكون فيها الرئاسة إيرانية الهوى، في إطار مشروع سيطرة يهدف الى الإمساك بمفاصل القرار اللبناني من خلال السيطرة على البنى المؤسسة للنظام.

اختيار عون للرئاسة لاقى أصداء إيرانية شديدة الترحيب حينها، وها هو جبران باسيل يطرح نفسه حاليا كوريث شرعي لعون لناحية التأكيد على استمرار الطابع الإيراني للرئاسة، في حين أن فرنجية حليف النظام السوري والمقرب كذلك من حزب الله يطرح نفسه للرئاسة من خلال عنوان آخر لا يبدو منسجما مع مآلات المشروع الايراني في لبنان.

 خرج هذا اللقاء في بيانه بخطاب أكد فيه على رفض فرض هوية للبنان تتناقض مع حقيقته، وشدد على أهمية الحفاظ على علاقات لبنان العربية والدولية، وضرورة احترام الدستور

عنوان السيطرة الإيرانية كما يتضح لا يقوم على التمسك ببنية النظام اللبناني والهيمنة عليه

وتطبيقه، ومنع الانقلاب على الدولة والسطو على قرارها، والدعوة إلى الإسراع في تشكيل حكومة. كل هذه العناوين تتناقض مع مشهدية الوصاية الإيرانية الذي بات واضحا أنها لم تعد معنية بالقبض على ناصية الحكم في لبنان من خلال النظام اللبناني، وتاليا فإنها ليست معنية بعناوين المعركة الرئاسية بقدر عنايتها بمناخات التفكيك التي تبثها.

 عنوان السيطرة الإيرانية كما يتضح لا يقوم على التمسك ببنية النظام اللبناني والهيمنة عليه مع المحافظة عليها، ولكن على هدم هذه البنية تماما، وإقامة صرح الوصاية الإيرانية العامة على أنقاضها.

المضحك المبكي أن عنوان الهيمنة السورية المرعي روسيا يغري اللبنانيين عموما بعنوان سيطرة يبقي على هذا النظام ويسيطر عليه من داخل بناه الفاسدة المتآكلة، وهكذا فإن ما يطرح على اللبنانيين هو الاختيار بين الفوضى الإيرانية التامة وبين نظام اللانظام السوري الروسي.