النظام السوري في الجامعة العربية: وجهات نظر متعددة

2023.05.14 | 06:04 دمشق

النظام السوري في الجامعة العربية: وجهات نظر متعددة
+A
حجم الخط
-A

لم يكن قرار جامعة الدول العربية بالموافقة على استئناف وفود النظام السوري المشاركة في اجتماعاتها مفاجئا تماما، فقد سُبق بالكثير من الإرهاصات التي تمهد له، لكن السرعة في حرق المراحل فاجأت البعض ودفعت الكثير من المحللين للتخبط في تفسير ما يحصل وتعددت وجهات النظر من قبل الذين أدلوا بدلوهم حول هذه القضية.

بالمجمل، وقعت أغلب الأحكام المتفائلة تحت تأثير التحيز العاطفي، حيث يميل الشخص للاعتقاد بما يطمئنه رغم وجود الأدلة على ما يثبت خطأ تلك المعتقدات. فالذين آمنوا بمقولة "إن الثورات لا تهزم" (رغم أن الكثير من الثورات عبر التاريخ هزمت)، والذين قالوا بأن النظام السوري يستحيل إعادة تأهيله؛ يحاولون بشتى الطرق والوسائل تفسير ما يحدث بأنه بداية النهاية للنظام السوري، فحسب هؤلاء كانت الموافقة على إيقاف تجميد عضوية النظام في الجامعة العربية مشروطة، وأن هذه الشروط لا تعدو عن كونها تطبيق للقرار 2254 بأسلوب مغاير، وبالتالي لا خوف من استعادة النظام السوري لمقعده في جامعة الدول العربية فهو مدعو لما يشبه المحكمة التي سوف تبت في أمره.

تقول وجهة النظر الأخرى: إن إعادة النظام إلى جامعة الدول العربية غير كاف لتعويمه، فهناك أطراف أخرى موجودة بجيوشها على الأرض السورية يجب النظر إلى مواقفها ومدى ثقلها بعين الاعتبار

تقول وجهة نظر ثانية: إن عرض المشهد بهذا الشكل يبدو طريفا ومستغربا، فهو يفترض أن التقارب السعودي – الإيراني تطرق إلى الكثير من قضايا الخلاف بين الدولتين باستثناء القضية السورية. وبالأصح: جاء بناء على رغبة ورجاء إيراني بأن أوقفوا ضغوطكم علينا مقابل وابل من المحفزات أهمها: إيقاف الحرب في اليمن، والتخلي عن النظام السوري. وبالطبع لأن هذا الافتراض لا يقبله عاقل لا بد من العودة إلى بعض التصريحات التي رافقت الإعلان عن الاتفاق السعودي – الإيراني برعاية صينية، وخاصة ذلك التصريح الذي تحدث عن فترة اختبار تجريبية تمتد لشهرين. وتشير فترة الاختبار في أحد وجوهها إلى سقف زمني التزم به أحد الأطراف بأن ينجز مشروع عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، كما تفسر الجهود الحثيثة والخطى المتسارعة لإنجاز هذه المهمة. وعليه يمكن تفسير الشروط التي وضعتها الجامعة العربية بأنها جاءت لعدة أسباب أهمها:

  1. محاولة للتغطية على صورة المنهزم.
  2. محاولة للتغطية والتمويه على جريمة أخلاقية.
  3. محاولة لإرضاء بعض الأطراف الإقليمية والدولية التي تعترض على فكرة التطبيع المجاني.
  4. إظهار المساعدات التي ستقدم للنظام السوري على أنها مساعدات إنسانية وليست إتاوات.
  5. تقييد النظام السوري ببعض القيود التي تحد من إمكانياته بالانتقام مستقبلا.

تقول وجهة النظر الأخرى: إن إعادة النظام إلى جامعة الدول العربية غير كاف لتعويمه، فهناك أطراف أخرى موجودة بجيوشها على الأرض السورية يجب النظر إلى مواقفها ومدى ثقلها بعين الاعتبار، وهناك عقوبات دولية سياسية واقتصادية و"فيتو" غربي بخصوص إعادة الإعمار. لذلك، فإن كل ما يحصل مجرد عبث ولعب في الوقت الضائع بانتظار ما سوف تؤول إليه البيئة الدولية بعد نهاية الحرب الأوكرانية، وهو أيضا عبارة عن محاولة من إيران للاصطياد في الماء العكر نتيجة لانشغال الغرب في تلك الحرب، ومحاولة من روسيا للتظاهر بمظهر اللاعب الدولي المتماسك رغم انخراطه في حرب غير محسوبة العواقب أكلت الأخضر واليابس من الموارد والطاقات الروسية.

رغم أن وجهة النظر الأخيرة أكثر توازنا، إلا أن الركون لفكرة أن ما حصل لا يعتد به مناف للصواب، فالنظام السوري الذي يجيد التلاعب بمهارة قل نظيرها يمكنه الحصول على الكثير من المكاسب مقابل خطوات شكلية لا تغني ولا تسمن من جوع. فعلى سبيل المثال: سيكون المطلب الأول للنظام السوري من خلال مفاوضات خطوة مقابل خطوة أن تقوم الدول المطبعة بتسليم بعض المطلوبين أو كم أفواههم كحد أدن وإغلاق وسائل الإعلام في وجوههم تحت بند الاحترام المتبادل الذي لوح به منذ اليوم الأول، وهو مطلب بسيط في عرف الأنظمة العربية. كذلك يمكن للنظام أن يحصل مسبقا على بعض المساعدات الاقتصادية التي تخفف من ضائقته. والأهم أنه يكون قد أحدث خرقا في عزلته السياسية، إذ لا يمكن تصور إعادة طرده من الجامعة العربية إن تعثرت المفاوضات.

يحاول الظهور بمظهر المكافح لتصنيع المخدرات والإتجار بها، ولكنه يحتاج إلى الدعم لذلك فعلى الولايات المتحدة أن تساعد النظام السوري في عملية المكافحة

من جهة أخرى، يبدو أن النظام السوري يتمسكن قليلا مضمرا بعض النوايا الخبيثة، فهو استطاع أن يحشر في وثيقة عمان بندا يتحدث عن مساعدته في إخراج القوات غير الشرعية من الأراضي السورية، وهو ما يعني أنه استقطب جبهة واسعة تدعمه في هذا المطلب الموجه لكل من الولايات المتحدة وتركيا حصرا. كما أنه من خلال السماح للأردن بقصف مواقع لإنتاج المخدرات يحاول أن يفرغ قانون "الكبتاغون" من مضمونه قبل أن يصبح نافذا؛ بمعنى أنه يحاول الظهور بمظهر المكافح لتصنيع المخدرات والإتجار بها، ولكنه يحتاج الدعم لذلك فعلى الولايات المتحدة أن تساعد النظام السوري في عملية المكافحة، وليس اتهامه زورا وبهتانا بأنه الراعي لصناعة وتجارة "الكبتاغون".

مهما كانت تفضيلات المطبعين ونوازعهم لا بد من القول لهم: هناك مناسبات تكون فيها كل المبررات وقاحة. أما السوريون فلا يمكنهم قلب الطاولة أو التخفيف من الخسائر كحد أدنى سوى بتنظيم أنفسهم، وإلا فالشرق والغرب لن يستطيعوا نصرة قضيتهم مهما كان خصمهم قبيحا.