النازحون العراقيون والسوريون وجهان لمأساة واحدة!

2019.01.11 | 23:01 دمشق

+A
حجم الخط
-A

النزوح، أو التهجير من النتائج الطبيعية للبيئات غير الآمنة، وبالذات في أوقات الحروب وانتشار السلاح خارج إطار الدولة، وتغوّل قوى الشر والإرهاب في أرجاء البلاد.

هنالك الكثير من النعم التي – ربما- لا نعرف قيمتها مع حركة الحياة غير المتوازنة، ومنها الأمان والمسكن والصحة والدفء والطعام والشراب وغيرها من النعم التي تملأ جزئيات حياتنا، لكن في أجواء الرعب والتهجير والمرض والبرد والجوع والعطش وغيرها من صور الفقدان، حينها يعرف الإنسان قيمة تلك النعم التي كان فيها قبل أن ينكرها، أو يقلل من شأنها!

العراقيون والسوريون عانوا من صور متشابهة من حيث فقدان الأمن وانتشار قوى الإرهاب مما دفع الملايين منهم للبحث عن ملاذات آمنة، ومع ضيق ذات اليد اضطر الملايين منهم للعيش في معسكرات اللجوء والنزوح العائدة للأمم المتحدة وبعض دول الجوار والمنظمات الإنسانية العربية والأجنبية.

بدأت معاناة جديدة للنازحين في خيامهم التي لا تقي من برد الشتاء، ولا من حر الصيف

اليوم - ومع موجة الثلوج الذي بدأت تضرب بعض دول المنطقة ومنها سوريا والأردن ولبنان- بدأت معاناة جديدة للنازحين في خيامهم التي لا تقي من برد الشتاء، ولا من حر الصيف، فكيف سيكون حالهم مع هذه الثلوج التي تجمد دماء النازحين في عروقها، وهم الذين لا يمتلكون المواد الكافية لمواجهة هذا الزائر الأبيض المميت!

ومنذ صباح الأحد الماضي تضرب عاصفة تسمى (نورما لبنان) مخيم عرسال للاجئين السوريين في لبنان، ومن المتوقع أن تستمر لغاية يوم الخميس القادم، وستكون سرعة الرياح خلالها بين 70 و90 كلم بالساعة، وتصل درجات الحرارة إلى 10 تحت الصفر، وذلك في وقت تعاني فيه مخيمات عرسال وغيرها من انعدام موارد التدفئة وبقائهم تحت خيام ضعيفة!

وبمناسبة العام الجديد نشرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" دراسة مشتركة عن أحوال اللاجئين السوريين في لبنان خلال العام 2018، وخلصت الدراسة إلى نتائج صادمة، ومنها أن:

- 69 في المائة من اللاجئين السوريين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر.

- 51 في المائة دون سلة الحد الأدنى. 

- 80 في المائة من الأطفال من ذوي الإعاقة ينتمون إلى عائلات تعيش تحت خط الفقر.

- ازداد متوسط الديون لكل عائلة بشكل ثابت على مر السنين - من 800 دولار أمريكي في عام 2016، إلى أكثر من 1000 دولار في عام 2018.

- ٧٠ بالمائة من الأطفال فقط التحقوا بمدارس، وأن 5 في المائة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و17 سنة يعملون.

 - 34 % في حالة انعدام أمن غذائي تتراوح بين متوسط إلى شديد. 

- 34 في المائة يعيشون في منشآت غير سكنية مثل المحلات والخيام والحظائر.

وفي بداية العام الحالي قالت منظمة اليونيسف إن" الفيضانات اجتاحت المنطقة في 26 من كانون الأول، تاركة آثارها المدمرة على يقرب من 10,000 طفل في كل من أطمة وقاح ودير بلوط والباب وجسر الشغور، شمال غرب سوريا، وأن تعرض الأطفال لظروف الشتاء القاسية ودرجات الحرارة المتدنيّة، تجعل حياتهم معلقة بخيط رفيع". مؤكدة ارتفاع عدد الأطفال المتضررين في حال استمر القتال!

وهذا الحال ثابت في غالبية المخيمات الأخرى للسوريين في عموم معسكرات النزوح الداخلي!

حدوث عودة عكسية لآلاف النازحين من مناطق سكناهم إلى مخيمات النزوح مرة أخرى في مناطق مختلفة من العراق

أما في العراق فقد أكد ممثل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العراق (برونو جدو)، منتصف أيلول/ سبتمبر الماضي "حدوث عودة عكسية لآلاف النازحين من مناطق سكناهم إلى مخيمات النزوح مرة أخرى في مناطق مختلفة من العراق، وأن هناك نحو مليون وتسعمئة ألف نازح لن يتمكن الكثير منهم من العودة إلى ديارهم في وقت قريب، ويجب توفير المساعدات لهم".

وفي نهاية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، نزحت نحو سبعة آلاف أسرة من قريتي (الجرناف، والخضروية) إلى ناحية (القيارة) جنوبي الموصل، جراء السيول والأمطار التي اجتاحت مناطقهم.

وفي نهاية العام الماضي أكد (حسن السبعاوي) عضو مجلس محافظة الموصل أن" السيول ومياه الأمطار غمرت ستة آلاف خيمة ضمن مراكز النازحين من المحافظة، ودمرت مراكز إيواء نحو (200) ألف نازح، فيما شردت سبعة آلاف عائلة في ناحية (القيارة) جنوبي المدينة أيضاً".

وفي العاشر من كانون الأول/ ديسمبر الماضي أكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، أن" أكثر من (151) ألف طفل عراقي نازح مهددون بالبرد، وتتعرض حياتهم للخطر بسبب التجمد وانخفاض درجات الحرارة والفيضانات التي اكتسحت أجزاء كبيرة من البلاد، وأن معظم العائلات النازحة تعيش تحت خط الفقر في مساكن متداعية تفتقر إلى التدفئة، أو في مخيمات لا تقيهم من البرد بشكل كاف"!

هذه الصور المؤلمة وغيرها في عدة محافظات عراقية تؤكد أن التقصير بحق النازحين هو السمة الأبرز سواء من طرف حكومة بغداد أو من المنظمات الدولية والإنسانية!

هذه الحقائق الدامغة والمتشابهة والكاشفة لأحوال النازحين في العراق وسوريا تؤكد حقيقة واحدة وهي أن النازحين العراقيين والسوريين هما وجهان لمأساة واحدة من القتل والإرهاب والإهمال!

من يريد أن يبني الدول عليه أن يبني الإنسان لا أن يقتله ويهجره ويدمر مستقبله!