icon
التغطية الحية

"المولويّة" وحضورها في الفنون التشكيلية للمستشرقين والسوريين

2022.01.17 | 10:34 دمشق

mwlwyt12.jpg
دراويش المولوية (كاليا وول آرت)
+A
حجم الخط
-A

يُصنف الباحثون "المولوية" ضمنَ المذاهب الصوفيّة، وينسبونها للشاعر الصوفي جلال الدين الرومي المتوفى في مدينة قونية التركية عام 1283م وهي طقس من طقوس الذكر التي تقوم على الموسيقا والغناء والحركة الدائرية التي تؤديها مجموعة من الناس.

انتشرت المولوية في الدول العربية والإسلاميّة انطلاقاً من تركيا، وعُرفت في سوريا خصوصاً في حلب ودمشق وما زالَ هناك من يمارسها حتى اليوم، بل أضحَت نوعاً من الفلكلور الذي تقدمه الفرق المختصة على مسارحها وبعض مسارح العالم.

قواعد الدوران في المولوية

تتمثّل المولويّة في الدوران الذي يتدرج بالسرعة، في محاولة من الذي يؤديه للتقرّب أكثر من الخالق. وللمولويّة قواعد ووسائل يشير إليها الشيخ عبد الغني النابلسي في كتابه (العقود اللؤلؤية في طريق السادة المولويّة) مؤكداً أنّه لا يجوز أن يقترن مجلس المولوية بشيء من المنكرات، والمقصود منها فقط هو مجرد السماع ترويحاً للقلوب، وتنشيطاً للسلوك، باستعمال الناي والدفوف وما إليها.

تتألف حلقة ذكر المولويّة من رئيس لها هو المنشد الذي يقوم بانتقاء الموشحات والقدود ويرتبها بحيث تتم عملية الارتقاء تدريجياً، بالمقامات الموسيقيّة، وتسريع الإيقاع في نهاية كل فصل، يساعده في ذلك مجموعة من المنشدين الذين يجب أن يتمتعوا هم أيضاً بأصوات جميلة، يتوزعون على يمين الرئيس ويساره، ويعرفون باسم (الأجنحة) يُضاف إليهم مجموعة أخرى من المنشدين يُطلق عليهم اسم (المعاونين).

 

 

يبدأ الدوران في حلقة الذكر المولويّة مع عزف الناي ويكون في البداية بطيء الحركة، ويتسارع بالتدريج حتى يصل إلى ذروته برفقة الناي الذي ينتقل هو الآخر، من نغمة إلى أخرى، وبشكل تصاعدي ترافقه الدفوف وتواكبه في عملية الانتقال من إيقاع إلى آخر.

هذه الإيقاعات يتلقفها درويش المولويّة ويزداد دورانه مع ازديادها حتى يصل به الوجد إلى الذروة، برفقة الموسيقا والإنشاد. ويستمر في العادة هذا الدوران ساعة أو أكثر دون توقف أو اصطدام الذين يؤدونها بعضهم ببعض.

وللدوران طريقتان: الأولى ثابتة، وهي صعبة وتتطلب الدقة، حيث يضع الدرويش مسماراً بين إصبعين من أصابع قدمه اليسرى ليضمن دورانه في مكانه، اما الطريقة الثانية  فهي متحركة حيث يدور الدرويش ضمن دائرة الحلقة ويدور فيها.

زيّ دراويش المولوية

لدراويش المولويّة لباس خاص مؤلف من (قنباز) أو (دشداشة) بلون أبيض تعلوها سترة قصيرة تصل إلى الزنار العريض المحيط بخصر الدرويش والطربوش المستقر على الرأس، وقد يرتدي تحت هذه الثياب سروالاً طويلاً. ومع الحركة المتصاعدة للدرويش ينفرش ثوبه ليتحول إلى دائرة أو ما يشبه الصحن المخروطي الشكل.

المولوية في فنون المستشرقين

أثارت طقوس المولويّة ودراويشها الفنانين التشكيليين العرب والأجانب فرصدوها في العديد من الأعمال الفنية المسطحة ( الرسوم واللوحات) والمجسمة ( المنحوتات والمجسمات).

وكغيرها من الموضوعات ذات السمة الشرقية والتراثية اللصيقة بالعالم الإسلامي، لفتت المولويّة اهتمام الفنانين الأوروبيين المستشرقين فوضعوا لها وحولها العديد من اللوحات، منها لوحة زيتية شهيرة للفنان (جان ليون جيروم) تحمل اسم (المولويّة) مؤرخة في عام 1895، وتمثل اللوحة مشهداً من طقوس المولويّة التي ربما أتيح للفنان رؤيتها أثناء زيارة له لإحدى الدول الإسلاميّة أو رسمها نقلاً عن صور.

 

جيروم- المولوية.jpg
جيروم- المولوية

 

اقتصرت اللوحة على درويش واحد وعدد من المنشدين والمرددين والموسيقيين الذين اصطفّوا في نسق أفقي شغلَ نصف اللوحة السفلي، تدل حركاتهم ووضعية أفواههم على أنهم في حالة إنشاد، أما الدرويش فقد توسطهم. لجأ الفنان إلى اعتماد الألوان الغامقة في معالجته الشخوص والأرضية وباقي عناصر التكوين الشريطي الأفقي وهي من البني والأسود والأحمر والقليل من الأخضر، ولكي يبرز كتلة التكوين عالجَ الخلفيّة المؤلّفة من تشكيلات معمارية توحي بأنها مأخوذة من داخل أحد المساجد باللون الأبيض المشوب بلون سكري شفيف، أشار من خلاله إلى هيكلية هذه التشكيلات والتفصيلات المعمارية الداخلية وبعض الأدوات التي توحي بأنواع من الأسلحة التي كانت تستخدم في تلك الأيام وهي عناصر تزيينية تم تعليقها على الجدار ضمن تجويف يوحي بالمحراب.

المولوية في أعمال الفنانين السوريين.. الخانجي أنموذجاً

يصعب كثيراً الإحاطة بكل النتاجات الفنية التشكيلية االتي تناولت طقوس المولويّة ودراويشها سواء العالمية أو العربية لأنها متعددة متشعبة ومتنوعة الأساليب والصياغات والتقنيات.

لكن هناك عدداً من الفنانين الذين أوقفوا كامل تجربتهم الفنيّة على هذا الموضوع فتناولوه من زوايا مختلفة وبرؤى وأساليب ارتبطت بهم دون غيرهم.

من هؤلاء الفنان التشكيلي السوري عبد المحسن خانجي من مواليد حلب 1950 درس الاختصاص التربوي ومارس الفن التشكيلي بشكل ذاتي وقد أسس صالة عرض للفن التشكيلي في حلب عام 1990 دعاها (الخانجي) أقام فيها العديد من المعارض الفردية والجماعية له ولفنانين سوريين وعرب كثر.

رصد بأعماله الدراويش برؤية واقعية تعبيرية وبأكثر من وضعية وحالة وحركة، وقد تنوعت عناصر لوحته واختلفت من عمل لآخر، فقد أخذ درويش المولوية مفرداً، في وضعية الحركة أو جالساً مع دفهِ أو ضمنَ تجمعات، معتمداً الألوان الزيتية وألوان الأكليريك الناشفة، وعلى الصياغة الواقعية المبسطة والمختزلة عبر أسلوبين رئيسين، اعتمد في الأول (التبقيع) اللوني الخشن المرصوف بإحساس انطباعي حيث اللمسة تُجاور الأخرى واعتمد في الثاني التبقيع اللوني متماهي اللمسة بما يجاورها من لمسات لونية أخرى، حيث تشكل هذه اللمسات مجتمعة مساحات واسعة مؤلفة من تدرجات لون واحد أو لونين (أصفر وأبيض، أزرق وأبيض، أخضر وأبيض، بني وأبيض) مزاوجاً فيها بين الحار والبارد، الفاتح والغامق، تاركاً  للون مهمة تحديد هيكلية عناصر وأشكال اللوحة أو يقوم بتحديدها بخط أحمر قوي، الأمر الذي جعل الرسم يطغى على اللون.

 

مولوية- الخانجي.jpg
الخانجي- المولوية

 

حاول الفنان عبد المحسن خانجي مقاربة تجربة الفنان التشكيلي السوري لؤي كيالي الذي خلق بلوحاته مساحات لونية شفافة هادئة بسيطة مُشكّلة من لون واحد أو لونين مع تدرجاتهما وفصل العناصر عن الخلفية لتحديد هيكليتها بخط انسيابي واضح وقوي دلّ على تفوقه كرسام ومشكل غرافيكي ممتاز، لكن الخانجي لم يتمكن من مماثلتها كقيمة تشكيلية، وهذه الرغبة في مقاربة جوانيّة الوجد الصوفي لدراويش المولوية تشكيلياً اشتغل الخانجي عليها كثيراً ونجح في بعضها وجافاه النجاح ببعضها الآخر، وهو أمر طبيعي بالنسبة لصعوبة الموضوع وعمقه فهو كما يفعل الخطاط عندما يسطر آيات القرآن الكريم أو فنان النمنمة والأيقونة حينَ يقوم بتحضير نفسه وأدوات تعبيره للتواصل عبرَ الفن مع الخالق والفوز بمرضاته.

 

خانجي- مولوية.jpg
المولوية- معرض الخانجي