المهجرون.. وعودتهم "الطوعية" المزعومة

2018.08.09 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

من المؤكد أن ربع السوريين، أي حوالي (6,5) ملايين، هُجروا خارج سورية منذ بداية الانتفاضة، وتوزعوا على مختلف بقاع الأرض، أكثرهم في تركيا، ما يقارب (3,5) مليون، تليها الأردن ولبنان والعراق ومصر وأوروبا، وأسوأ الظروف تلك التي يعيشها المهجرون في لبنان مع رئاسة عون العنصرية، الوجه القبيح لحزب الله الطائفي الذي شارك في تهجيرهم وقهرهم، تنفيذاً لسياسات إيرانية بعيدة المدى في سورية.

المهجرون داخلياً لا يقلون عمن هم في الخارج إلا قليلاً، وقد تجمعوا مؤخراً في محافظة إدلب ومناطق الريف الشمالي والشرقي من محافظة حلب، أي في تلك المناطق الخاضعة للنفوذ التركي بموجب اتفاقات خفض التصعيد الموقعة في آستانا، بين الدول الضامنة الثلاث (روسيا وتركيا وإيران).

جاءت مبادرة روسيا بوتين من خلال وزارة الدفاع، بتأسيس مكاتب لإعادة اللاجئين (رغم أن صفة اللجوء لا تنطبق إلا على قلة من المهجرين) تتوزع في مختلف الدول التي يتواجدون فيها، بعد تغييرات عسكرية وسياسية فرضها التدخل الروسي المباشر في أيلول 2015، نتيجة لاستخدامه الوحشي لمختلف صنوف الأسلحة، ومن جهة ثانية نتيجة لغياب استراتيجية أميركية وغربية من جهة أخرى، وتركيزها على محاربة داعش، والتعاون الرخو مع "المنافس" الروسي على أمل الحد من النفوذ الإيراني.

فمن إجماع الدول الغربية التي كانت تطالب برحيل الأسد كونه أساس المشكلة، إلى التنديد بأعماله الوحشية،

يدرك بوتين جيداً، وهو المتمرس في دوائر دبلوماسية المخابرات، أن قضية اللاجئين قد تكون من أهم القضايا التي تدفع بالدول المضيفة والمجتمع الدولي نحو التفكير بإيجاد حل للوضع في سورية.

وصولاً إلى اعتبار المعارضة ليست أقل سوءاً من النظام كما قال ترامب: "الأسد ضار، وربما [المعارضة] يمكن أن تكون أسوأ"، لينتهوا بالتوافق مع بوتين الذي قال: "إنه لخطأ هائل رفض التعاون مع الحكومة السورية وقواتها المسلحة التي تحارب الإرهاب بهدوء".

يدرك بوتين جيداً، وهو المتمرس في دوائر دبلوماسية المخابرات، أن قضية اللاجئين قد تكون من أهم القضايا التي تدفع بالدول المضيفة والمجتمع الدولي نحو التفكير بإيجاد حل للوضع في سورية، كون ذلك الوجود المكثف للسوريين، في بعض الدول المجاورة والأوروبية، قد يشكل مشكلة اجتماعية وثقافية، ناهيك عن العبء الاقتصادي.

كما دعم بوتين اليمين المتطرف الأوروبي الذي استغل موجة اللاجئين لعام 2015 القادمة من سورية، لإثارة النزعة الشعبوية المعادية للمهاجرين والتي تحرض على كراهية الأجانب. هذا اليمين الذي اتخذ منها ذريعة للتعصب ضد المسلمين، فتحول من حركات هامشية ليحصل على أصوات تؤهله للدخول إلى أروقة السلطة، في الولايات المتحدة (ترامب) وأجزاء من أوروبا (هنغاريا، بولونيا، هولندا، النمسا، ألمانيا).

لذلك بدأ بوتين طرح مشروعه بتأسيس مكاتب لعودة اللاجئين، التي ستوزع على أماكن وجودهم، وقد لاقى هذا الأمر ترحيباً مباشراً من لبنان، وهو البلد الذي كان فعلياً قد باشر في ترحيل البعض منهم. وبدرجة أقلّ في الأردن، تماشياً مع طرح الأمم المتحدة الذي ينص على أن تكون العودة طوعية، وطوعية عودة السوريين من تلك الدول تشبه الطوعية التي يقبل بها العامل ظروفَ الشغل والأجر الذي يقدمه ربّ عمله، وهو لا يملك فرصة أخرى لكسب معيشته (لك الخيار، وكامل الحرية أن ترفض أو تقبل، لكن تذكر أن السكين على رقبتك ما لم تقبل!)

لا شك أن كثيراً من اللاجئين يودون العودة إلى وطنهم الذي خرجوا منه عنوة، بعد زوال الأسباب التي دعتهم إلى النزوح، وهنا يكمن الفرق الحقيقي بين موقف السوريين وثورتهم، والموقف الذي فرضه بوتين بقوة طائراته وصواريخه، والإيرانيون بعنف وبشاعة ميليشياتهم، بين الموقف الذي يعدّ النظام وقوات مخابراته وسياساته التمييزية سبباً للثورة، وقصفه واعتقاله للناس بدعم من حلفائه سبباً للتهجير، وموقف النظام وداعميه: روسيا وإيران، الذين يعدّون أن سبب التهجير هم القوى "الإرهابية"، في منطق معكوس ومضادٍ للوقائع.

إن من أهم ما يمنع عودة المهجرين، قضية الاعتقال والتصفية في المعتقلات، وهو الأمر الذي نشهده يومياً من عمليات اعتقال للشباب في المناطق التي جرت فيها تسوية بضمانة روسية، ناهيك عن القوائم التي تُسلّم بأسماء معتقلين قتلتهم قوات الأمن، من دون أي ردة فعل جدية من الدول الفاعلة (مجلس الأمن)، فكيف لهذا العالم أن يضمن سلامة وأمن العائدين! الأمر الذي يبدو شبه مستحيل، طبقاً للظروف والوقائع على الأرض والمواقف الدولية اللاحقة.

أما النظام، فالمرجح أنه لا يهتم لعودة المهجرين إلا من زاوية أن يرفدوا أجهزته القمعية بالقوى البشرية،

إن استمرار بقاء سلطة الأسد وأجهزته الأمنية، واستهتارها الكامل بالمجتمع الدولي، ينسف كلياً العودة الطوعية للمهجرين، ويجعلها في حال حدوثها، كعودة قسرية، انتهاكاً واضحاً لمواثيق الأمم المتحدة.

وتصفية من يعدّه معارضاً، أو غير صالح في تشكيلته للمجتمع المتجانس الذي ينشده مع إيران، في إعادة ترتيبه الاجتماعي الجديد.

إن استمرار بقاء سلطة الأسد وأجهزته الأمنية، واستهتارها الكامل بالمجتمع الدولي، ينسف كلياً العودة الطوعية للمهجرين، ويجعلها في حال حدوثها، كعودة قسرية، انتهاكاً واضحاً لمواثيق الأمم المتحدة، وتشاركاً مع نظام الأسد في جرائمه، حيث يكشف جهاراً عن نواياه في استمرار عمليات القتل (تصريح الأسد عن نيته في الهجوم على إدلب: إما الاستسلام أو الهجوم).

ناهيك عن الظروف الاقتصادية التي تعيشها سورية، والدمار الذي ألحقته الطائرات الروسية والبراميل والصواريخ بعيدة المدى بالبنى التحتية، وبمنازل المدنيين، وعزوف غالبية الدول عن المشاركة في إعادة الإعمار، ما لم تتحقق بعض الشروط.

وعلى ذلك؛ فإن إجبار الناس على العودة، على الطريقة الروسية واللبنانية، لا يعني إلا أمراً واحداً هو زج هؤلاء البشر في محرقة الأسد، في معتقلاته التي لا حدود للتعذيب والقهر فيها. أما العودة الآمنة فلن تتم، من دون الدخول في عملية انتقال سياسي حقيقي بضمانات دولية ملزمة.