"المنية ولا الدنية" ربيع كرامة الشعوب

2022.04.01 | 06:43 دمشق

2022-03-15t140504z_597600982_rc213t9znhdu_rtrmadp_3_syria-anniversary-protests.jpg
+A
حجم الخط
-A

يُذكّر بيان صدر عن قيادات مقاتلة في الجيش الحر في حوران خلال معارك حزيران تموز 2018 بالأهداف الأساسية التي انطلقت لأجلها الثورة السورية من درعا. كانت الفكرة الأساسية في البيان أن هؤلاء المقاتلين لن يستسلموا ولن يفاوضوا الروس الذين يريدون استسلام الثوار الكامل، وأن الثوار المقاتلين يفضلون الموت بشرف وكرامة على الاستسلام.
هذا الموقف التي تظهر فيه حرية الإنسان بأعظم تجلياتها ملتصقة بشعوره بكرامته البشرية مفضلاً الموت بشرف وحرية على العيش برضوخ واستعباد وذل، يذكرنا باللحظة الأولى لتفجر البركان الشعبي العربي من تونس.. فلقد تفجر الشعور بالكرامة عند المواطن العربي البوعزيزي، هذا الشاب الذي أهانته صفعة شرطية تونسية، خارقة خطاً أحمر اجتماعياً ونفسياً عند كل عربي، بل عند كل شرقي .. أقدم على إحراق جسده لينقذ كرامته، فالموت _ المنية، ولا الإهانة _ الدنية...
كذلك فتظاهرة سوق الحريقة بدمشق، العفوية تماماً، التي سبقت الثورة السورية بشهر واحد، تدخل ضمن هذا السياق، فلقد كانت تظاهرة كرامة، تظاهرة الكرامة الأولى في سوريا بعد عهد طال مع الخنوع، فلولا أن شرطياً اعتدى بالضرب على ابن صاحب محل في تلك السوق لما كانت تلك التظاهرة التي نادى شبابها لأول مرة ربما خلال نصف قرن: "الشعب السوري ما بينهان"، لتكسر جدار الخوف لأول مرة في تاريخ جمهورية الرعب. 
تظاهرة سوق الحريقة كانت احتجاجا ودفاعا جماعيا عن كرامة شاب سوري بل كانت دفاعا عن كرامة كل شاب ورجل شهد الحادثة. 
لقد كانت لحظة تفجر فيها الشعور بالكرامة بعد أن عاش السوريون أربعين عاما تحت خط المهادنة والمسايرة وخداع الذات، عاشوا أربعة عقود تحت عسف الاستبداد والقهر مُذَلين مهانين منهوبين حتى لم يعد أمامهم أي خيار، سوى خياري الموت أحياء أو الثورة، ولو أدت بهم إلى الموت.
صحيح أننا كسوريين بعد عقد من الثورة والحرب التي كلّفت الشعب مئات آلاف الضحايا وملايين المهجرين والنازحين لم نحصل على الحرية التي أردناها، وصحيح أننا كلاجئين خسرنا وطننا، إلى حين، لكنا فزنا بالأرقى والأجمل، فزنا بالكرامة والحرية ولو خارج بلادنا، لقد فزنا بإنسانيتنا المغدورة المهدورة عقوداً على مرأى ومسمع من العالم الغربي الحر. 

صحيح أننا كسوريين بعد عقد من الثورة والحرب التي كلّفت الشعب مئات آلاف الضحايا وملايين المهجرين والنازحين لم نحصل على الحرية التي أردناها، وصحيح أننا كلاجئين خسرنا وطننا، إلى حين، لكنا فزنا بالأرقى والأجمل

بالطبع لا يستطيع الأسديون أن يتخيلوا ملايين السوريين وقد ظفروا "بالأَجمَلين" الكرامة والحرية، وفوق ذلك أفلتوا من الذل والإهانة كما أفلتوا من العقاب موتاً، فغادروا البلاد إلى غير رجعة قريبة، في أضخم ترانسفير بشري في هذا القرن.. في حين لا يزال ملايين من السوريين لا حولَ لهم ولا قوة يعانون الخوف والذل وعناء شهادة الزور صامتين، أو عناء الصمت عن الحقيقة، وهم، لو أتيح لهم، لهاجروا من البلاد في ترانسفير لا يبقى بعده فيها أحد، إلا بشار وزوجته.. فحتى أولاد "الرئيس والرئيسة" سيفضلون الهرَب على البقاء!
بدكم حريّي؟ لا معقولية نظام القهر :
"بدكم حريّي؟ "من ينسى هذه العبارة الاستنكارية التي كان يوجهها جنود وشبيحة الجيش الأسدي للمتظاهرين السوريين الذين أُجبروا على افتراش إسفلت الشارع، في حين يقف أو يمشي بعض هؤلاء الشبيحة فوق أجسادهم؟
إن هذا المشهد وحده كان كفيلاً بأن يفجر احتجاجات في كل مدن سورية والبلاد العربية، وفي جميع عواصم الغرب الحر لو كان ذلك الغرب يملك ذرة من حرية وضمير.
وليس مشهد المتظاهرين والشبيحة هو المستفز فقط بل إن سؤال "بدكم حريّي؟" هو الأكثر استفزازا؟
فماذا يمكن لأي بشريّ أن يجيب عن سؤال كهذا؟
وهل يوجد عاقل في العالم يخطر في باله أن يسأل سؤالا كهذا؟ فضلا عن أن يجيب عنه؟
هو سؤال لا يسأله إلا مخبول أو مجنون أو إنسان في نوبة سكر أو واقع تحت تأثير مخدر .
فأن تسأل إنسانا "بدك حريّي؟" كأنما أنت تعتبره سلفاً غير إنسان، تعتبره في درجة أقل منك، بل ربما تعدُّه في درجة العجماوات.
لأن الإنسان ببساطة يولد حرا ويعيش كذلك، فالحرية له مثل التنفس والأوكسجين. فهل يعقل أن نسأل إنسانا ما "هل تريد أوكسجين؟" وهل يعقل أن تسأل جماعة بشرية "بدكم هواء؟ بدكم ماء؟ "
تشبه الحرية مظاهر الطبيعة، فهي مثل المطر والريح والحرارة، لا يمكن لأحد أن يسجنها أو يحتكرها لنفسه دوناً عن بقية البشر ..
إنها هبة إلهية لا يمكن لأحد مهما كان أن يمنعها عن السوريين نصف قرن من دون أن ينال عقابا شديدا، حتى لو كانت تدعمه إيران وروسيا وأنظمة الفساد والتبعية العربية، فهذا العقاب هو أيضا رد فعل طبيعي من الطبيعة على من أعاق حركتها، فلا يمكن لقوة بشرية مهما كانت أن تعرقل القانون الطبيعي ثم تنجو من العقاب..
نعم، بسبب امتهان كرامة الإنسان في هذا العالم العربي ولا معقولية النظام العربي بقيادة النظام الأسدي، قامت ثورات الربيع العربي التي يمكن أن نسميها بحق "ثورات ربيع الكرامة".. تلك التي استعادت ولو لشهور الحرية المسلوبة من الشعوب العربية، فإذ بها تسجيلُ موقفٍ للتاريخ سيبقى في ذاكرة الأنظمة العربية لعقود مقبلة.
ومثلها مثل أخواتها العربيات، لم تخرج الثورة السورية لتنتقم من أشخاص بعينهم، ولكن لتحقق أغراضاً محددة، من جملتها العدالة والكرامة والتحرر من القهر والعبودية.
فلا يوجد انتقام في العالم يمكن أن يشفي صدور ملايين السوريين، الذين اعتقلوا أو عذبوا أو فقدوا أحبتهم أو بيوتهم وأعمالهم أو هُجّروا من أرضهم.
والانتقام الوحيد الحقيقي من هذا النظام الأخطبوطي، الذي يشفي غليل الشعب السوري الضحية، هو إسقاطه، وإسقاط كل استطالاته ومفاعيله.
نعم نريد حرية، نريد الحرية، وستعلمون أيها الطغاة إلى أي جحيم تنقلبون..