تعيش المنطقة ترقباً كبيراً عقب دخول المنطقة مرحلة انتظار لانعكاسات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، على ضوء الاتفاق الكبير الحاصل برعاية أميركية – فرنسية، والأهم وسط تفاهمات أميركية – إيرانية قبيل وصول الرئيس الأميركي دونالد ترمب للبيت الأبيض، وما يعنيه من تحديات محتملة للأطراف الإقليمية والدولية.
ولم يكن مفاجئاً ما نشرته صحيفة "واشنطن بوست" نقلاً عن مسؤول في إدارة الرئيس جو بايدن، بأن واشنطن وطهران تبادلتا عبر وسيط إقليمي رسائل بنحو منتظم قبل التوصل الى اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان. ولم يكن أيضاً محض مصادفة أن تعلن الحكومة الإيرانية وتزامناً مع الإعلان عن وقف النار، استعدادها للتفاوض مع واشنطن ودول الغرب، ولو أنها بقيت معطوفة على شرط موافقة المرشد الأعلى علي خامنئي.
وقبيل وقف إطلاق النار، كان مثيراً للاهتمام التصريح الذي أدلى به علي لاريجاني مستشار مرشد الثورة الإيرانية، وعضو "مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران"، بقوله إنه حمل رسالة إلى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ورئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، خلال زيارته الأخيرة إلى دمشق وبيروت، مشيراً إلى أنه سيترك لهما الإجابة عن مضمونها.
بالتوازي كان لافتاً تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحديثه من خارج السياق في كلمته المخصصة لسكان الشمال الإسرائيلي فقد وجه رسالة حازمة إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد قائلا "إنه يلعب بالنار"، الأمر الذي سبب أزمة في تفسير التهديد، ليترجم بالغارات الإسرائيلية العنيفة على المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان، ما جعل جميع المعابر الحدودية خارج الخدمة، فيما يشبه الرسالة الملحقة للرسالة التحذيرية والتي كررها نتنياهو في مقابلته على القناة الإسرائيلية.
وبالعودة لمضمون رسالة لاريجاني للأسد وبري، كان لافتاً ما أعلنته الصحف الأميركية أن مضمون الرسائل مختلفة بين بيروت ودمشق، وتكتفي المعطيات الواردة بالحديث عن أن لاريجاني ناقش مع الأسد إجراءات النظام السوري مع نقل الأسلحة وضبط المعابر والتعاطي مع الميليشيات والحضور في القصير ومناطق متعددة، في حين طلب منه الخامنئي ضرورة تسهيل أو غض النظر عن عمليات نقل الأسلحة لحزب الله في لبنان.
وهذا المسار استكمله وزير الدفاع الإيراني عزيز نصير زاده الذي التقى الأسد قبيل أسبوع من وقف الحرب في لبنان، وكانت دوائر النظام السوري حريصة على تسريب اللقاء وأنه شهد توتراً مع الأسد الذي رفض زج النظام في أتون هذه الحرب الطاحنة، وخاصة أن الأسد ومنذ أشهر تلقى تحذيرات من الإمارات عبر محمد دحلان بضرورة تحييد دمشق لنفسها عن هذا الشلال من الدماء الهادر وخاصة أن نتنياهو كان جاداً في التهديدات التي أطلقها تجاه النظام.
من هنا فإن تكرار نتنياهو لتهديداته للنظام السوري، أتت للتأكيد من باب الإشارة إلى الفوضى السابقة والحدود المشرعة ستكون ممنوعة ومراقبة، لذا يمكن ترجمة هذا الكلام عبر البند المثير للجدل حول "حق كل طرف في الدفاع عن النفس". وهذا البند المستعصي على التفسير والمفتوح على التأويل فسرته إسرائيل على أنه امتلاكها الحق في التحرك عسكرياً ضد أي تهديد ضدها، في لبنان أو سوريا، بعد إبلاغ لجنة المراقبة الدولية وفي حال عدم تحرك هذه اللجنة.
والأهم من كل ذلك هو أن إدارة لجنة متابعة تنفيذ القرار سيقودها ضابط أميركي رفيع، ما يجعل الجنوب اللبناني والحدود مع سوريا، تحت إشراف عسكري أميركي دائم وعلى مدار الساعة، أي أن النفوذ الإيراني والذي كان غير مرئي في الجنوب، تحول إلى إشراف عسكري أميركي مباشر وعلى مدار الساعة وبموافقة وصمت إيراني وربما بتنفيذ جيش النظام نفسه.
والتعاطي من قبل الأسد تجاه طلبات إيران والتي سببت انزعاجاً من قبل إيران وحزب الله، يمكن تفسيرها برسالة مغايرة نقلت من خامنئي لرئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، والتي كشفت أوساط متعددة عنها على أنها تمني إيراني بالسير بمشروع واشنطن وباريس لوقف إطلاق النار مهما بلغت التنازلات والتضحيات، باعتبار أن تذخير حزب الله في الجنوب بخط الإمداد بات شبه مستحيل في المدى المنظور.
من هنا فإن ما يجري بسوريا لا يمكن فصله عن مسار الأمور الحاصلة في لبنان وغزة، وسط تحرك عسكري تركي مرتقب في سوريا ضد قوات سوريا الديمقراطية، بناء على التنسيق الحاصل بين أنقرة وواشنطن ودول عربية متعددة، وخاصة أن تركيا أبدت رغبتها الجامحة للتموضع من جديد في شرقي سوريا مع احتمال انسحاب القوات الأميركية لحظة وصول ترمب والذي وعد بتخفيض القوات الأميركية في سوريا والعراق، لذا تراهن أنقرة على الوصول لتفاهمات بين أردوغان وترمب لفرض هذا الوقائع الميدانية.
وعليه فإن التحرك العسكري لفصائل وقوى المعارضة السورية باتجاه حلب وبعض مناطق إدلب تندرج في إطار تلقف المعارضة وحلفائها للحظة التراجع الإيراني وحزب الله، عبر فتح معركة حلب، والتي تشكل ضغطاً من عنصرين، أولاً من الأتراك على النظام في مسألة استمرار وضع الشروط لإنجاز المصالحة مع تركيا في ظل تهرب النظام من المصالحة، وثانياً باعتبار أن واشنطن ستستفيد من هذا الحراك لتخفيف الحضور الإيراني وحزب الله وإعطاء هوامش ليلتزم الأسد بها.
ولا شك أن تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، بدا فرصة كبيرة بالنسبة للفصائل، إذ يبدو أن هناك اتفاقاً ضمنياً بخصوص ذلك في سوريا بشكل طوعي، بدأ مع وقف إطلاق النار في لبنان، ثم ما تلاه من إخضاع للميليشيات الإيرانية التي تضخم حضورها في سوريا على حساب أصحاب الأرض الأصليين.