icon
التغطية الحية

المكدوس.. دراما مختلفة في جغرافيا جديدة

2020.10.20 | 15:25 دمشق

15123370_1853478778220936_4635905871653408577_o.jpg
اللاذقية - يمان محفوض
+A
حجم الخط
-A

تكاد موائد السوريين عامة لا تخلو من المكدوس، والذي يعتبر وجبة إفطار سورية بامتياز، إلا أن للمكدوس في الساحل السوري مكانة خاصة ربما توازي مكانة الأجبان والألبان في المنطقة الشرقية، حيث يعتبر المكدوس هناك إنتاجاً محلياً خالصاً، فالأهالي يزرعون في بساتينهم مكوّناته، كالجوز والباذنجان والفليفلة، بالإضافة للزيتون الذي يستخرجون منه زيتهم اللازم لحفظه، مما يجعله وجبة أساسية تحل محل وجبة الغداء في أحيان كثيرة.

تقول أم فراس، من أهالي قرية كفر دبيل بريف جبلة، "نعتمد على المكدوس كمونة أساسية على مدار العام، ففي كل حقل شجرة جوز مخصصة لأهل المنزل يطلق عليها جوزة البيت والتي يخصص محصولها سنوياً للمكدوس".

توافقها انتصار الرأي وتقول إن "من لديها ولد في الخدمة العسكرية فزوادته مكدوس، ومن يعمل زوجها خارج القرية تزوّده بالمكدوس، ومن لديها ابن يدرس في الجامعة أيضاً يُزود بالمكدوس".

وتضيف انتصار "أحضر سنوياً 80 كيلوغراماً من المكدوس، والتي تأتي كل موادها الأولية من بستاننا في الضيعة، أخصص منها 20 كيلوغراماً لزوجي الذي يعمل في حلب، و20 كيلوغراماً لابني الذي يدرس في جامعة دمشق، و20 لابني الآخر العسكري، و20 كيلوغراماً أدّخرها كمونة للشتاء".

WhatsApp Image 2020-10-16 at 10.00.56 AM (1).jpeg
انتصار خلال تحضير مونة عائلتها من المكدوس

 

يحضّر المكدوس بكميات كبيرة في الساحل السوري، تغطي كامل السنة لمعظم أفراد العائلة، تؤكد وداد التي تعمل في شركة الغزل بقولها "أعمل أنا وزوجي في شركة الغزل، ولدينا مناوبات ليلية في بعض الأحيان، نأخذ المكدوس كزوادة للعمل، وعلى الرغم من أن عائلتي صغيرة، أحضر 100 كيلو سنوياً، ومعظم العائلات على هذا الشكل"، وتشير وداد "أحياناً نفطر ونتغدى ونتعشى مكدوس".

 

للمكدوس مكانة في الاندماج

إلا أن الساحل اليوم لم يعد لأهله فقط، فمع نزوح عائلات سورية كثيرة من مختلف المناطق إليه تغيرت عادات كثيرة ومنها العادات الغذائية، حيث امتزجت عادات البلد المضيف مع عادات ضيوفه، واكتسب كل من الآخر بصدر رحب.

وللمكدوس مكانة واضحة في هذا التبادل والاندماج، حيث اكتسب كلا الطرفين من بعضهما عادات وطقوس جديدة في صناعة المكدوس، وربما ساعد كل طرف الآخر في مهارة ما لإتمام تحضيره بنجاح.

أم أيمن من أهالي الغاب في حماة ونازحة إلى الريف الساحلي وتقيم مع عائلتها في إحدى القرى الساحلية، توضح آلية المكدوس الجديدة في بلد النزوح، تقول "كانت مونتي السنوية من المكدوس لا تقل عن 70 كيلوغراماً، كوننا لا نشتري المواد، بل هي من محصول أرضنا، بينما اليوم أصبحنا نشتري كل المواد، وبالتالي اختصرت الكمية لـ 20 كيلو فقط"، وتؤكد أم أيمن أنها لم تجد أي فرق في صنعه في الساحل بعد أن ساعدت جارتها بتحضيره.

ناريمان وهي نازحة من البوكمال بريف دير الزور، اختصرت أيضاً كمية المكدوس السنوية لتصل إلى 10 كيلو فقط، ولكنها تعزي السبب لضيق ذات اليد، فهم ملزمون بنفقات أخرى، يقف في مقدمتها إيجار المنزل وتعليم الأولاد.

تقول ناريمان "نحضّر في البوكمال دبس الفليفلة بكميات كبيرة سنوياً، فأنا ماهرة بتحضيره، ما دفعني لتحضيره وبيعه لعائلات أخرى وافدة أو من أهل البلد لأؤمن ثمن الزيت والباذنجان، كما اتفق زوجي مع صاحب الورشة التي يعمل بها أن يقوم بقطاف محصوله من الجوز مقابل مئة حبة عن كل شجرة".

 

المكدوس مقابل الخبز

لم يعرف أهالي الساحل سابقاً بيع أي من محصول أرضهم كالجوز والباذنجان والفليفلة والزيت، أو حتى بيع المكدوس المحضر والجاهز للأكل، إلا أن غلاء الأسعار في جميع السلع فرض عليهم هذه الدراما الجديدة، حيث اضطرت عائلات كثيرة من أصحاب الأراضي الزراعية لبيع الجوز والزيت بأسعار زهيدة للعائلات الوافدة وغيرها، مقابل الحصول على ثمن مواد أخرى، كالخبز ربما.

تؤكد ناريمان ذلك حين وجدت كيلو من زيت الزيتون الفاخر في محل البقالة بثمن 2000 ليرة فقط، ما أثار استغرابها، وحين سألت أجابها البقال بأن صاحبته اضطرت لبيعه بهذا السعر مقابل تأمين الخبز لأولادها.

كما لجأت الكثير من العائلات التي تمتلك الأراضي لتحضير المكدوس وتخزينه في عبوات، لبيعه حاضراً للعائلات الوافدة أو لطلاب الجامعات أو الشبان الذين يؤدون خدمتهم الإلزامية، وقد يستبدل هؤلاء الشبان مواد أخرى مقابل كمية من المكدوس، حيث نشر أحدهم عبر حسابه في فيس بوك "25 ليتر من البنزين مقابل قطرميز من المكدوس".

a54d9edd-4eee-4407-bdae-d34808ca43e4.jpg

 

حال الوافدين هو حال معظم عائلات الساحل التي لا تمتلك أراضي زراعية، حيث خفّض هؤلاء من مؤنتهم بشكل كبير، بعد أن اضطروا لشراء المواد اللازمة لتحضيره بأسعار باهظة لم تعد بمقدورهم، كما اضطروا لاستبدال المواد بمواد أخرى، كفستق العبيد بدل الجوز، وزيت الذرة النباتي بديلاً لزيت الزيتون.

تقول فادية "من شو بيشكي العبيد، كيلو الجوز بـ 15 ألف لا قدرة لنا عليه والعبيد بـ 5 آلاف نستطيع تحمله".

eb69f3f4-6692-4fbe-95cc-d5fbfd60b4ed.jpg

 

مما لا شك فيه أن السوريين يجمعون على أن المكدوس وجبة غذائية مفيدة وغنية وتامة، كونه يحوي عناصر ذات فوائد غذائية عالية تمدهم بالطاقة والشبع، كالجوز والثوم والفليفلة وزيت الزيتون، إضافة لكونه منتوجاً محلياً في أغلب المناطق ولا يكلف الحصول عليه الكثير من المال.

 

 

اقرأ أيضاً: بعد اقتصارها على نساء الريف.. صناعة المونة بيد الحمويات (صور)