icon
التغطية الحية

المكتبات.. ثقافة بلاد الرافدين وسوريا ومصر إذ تغزو العالم

2022.04.29 | 02:40 دمشق

picture2.jpg
محمد أوزملّي
+A
حجم الخط
-A

تعتبر المكتبات في جميع أرجاء العالم مراكز للمعرفة والتعلم، كما أنها مصدر حصول الباحثين والدارسين على المعلومات والبيانات التي يحتاجون إليها، فالمكتبات موجودة منذ نشوء الحضارة، وقدمت للبشرية عددا كبيرا من المعرفة والموارد المذهلة.

يعود تاريخ المكتبات إلى قرابة 2500 قبل الميلاد، أي إن معظم المكتبات الأولى كانت تحتوي على ألواح طينية وورق البردي للاحتفاظ بسجلات الحضارات التي كانت موجودة في ذلك الوقت، في حين تشير التنقيبات الأثرية إلى أن أقدم المكتبات وجدت في المنطقة العربية، حيث ولدت في مصر وبلاد الرافدين ومنها انتشرت إلى العالم.

مكتبات مصر القديمة

  • "أحببْ الكتب مثل حبك لأمك، فليس في الحياة ما هو أغلى منها". قالها الحكيم المصري "خيتي دواوف" لابنه "بيبي".
  • "كن كاتبًا في دار الحياة، تكن بذلك أشبه بخزانة كتب" المعلم "آمون نخت" ناصحاً تلميذه حوري مين.
  • "الإنسان الذي يسير وراء غيرها (الكتب) لا يُصيب نجاحا"، حكمة مصرية قديمة.

بهذه الكلمات نهج المصريون القدماء طريقهم نحو العلم والمعرفة فقد كانت قيمة القراءة والتعليم مقياساً للحضارة العظيمة التي بنوها، ومؤشراً للرقي في الحياة بين الأمم والحضارات.

فقد كان الكاتب جزءًا أساسيًا من الحياة المصرية القديمة، حيث كان يقوم بنسخ النصوص وإعداد الوثائق الجديدة لتخليد الثقافة المصرية وتوسيعها بالإضافة إلى أداء المهام الأكثر دنيوية مثل: تحصيل الضرائب، وتصاميم الهندسة المعمارية، وتسجيل القواعد والأحكام القانونية، وجمعها مع النصوص والوثائق في غرفة أو قاعة في القصور والمعابد.

أما عن مسميات هذه المكتبات فقد كانت متعددة عند المصريين القدماء مثل: (دار لفافات الكتب - خزانة الكتب - ديوان الكتب - بيت البرديات - مقر المخطوطات - دار الكتب المقدسة - بيت الكتابات - بيت الكتبة الإلهية).

 

Picture3.jpg
الكاتب المصري القديم

 

كانت بدايات المكتبة في مصر القديمة عبارة عن كتب كان يحتفظ بها النبلاء والملوك في قصورهم، وكان يخصص لهذه السجلات والوثائق الدينية والدنيوية غرفة في القصر، مثل المكتبة المقدسة للملك "رمسيس الثاني" في طيبة، والتي كانت تحتوي على برديات تتناول الموضوعات الدينية المقدسة في ذلك الوقت، ونُقشت على مدخل المكتبة عبارة "مكان شفاء الروح" دلالة على قدسية العلم في الحضارة المصرية القديمة، ولم تقتصر المكتبات في القصور على وظيفة حفظ المخطوطات والوثائق فقط، وإنما كانت داراً لتربية أبناء الملوك وتعليمهم وتثقيفهم أيضاً.

تم العثور على أقدم مخطوطة جلدية مصرية يعود تاريخها إلى قرابة 2300 قبل الميلاد، وهي ممتلئة بالنصوص والرسومات الملونة من آلهة وكائنات خارقة، ومن المعروف أن الكهنة كانوا يحملون لفائف جلدية للرجوع إليها في تلاوة النصوص المقدسة في أثناء الشعائر الدينية، ومثل هذه المخطوطات كانت تحفظ في مكتبة المعبد حتى العصور الهلنستية والرومانية، ونقلت الكتب والمخطوطات والبرديات إلى المكتبات التي بنيت في هذين العصرين، وخير دليل هو مكتبة الإسكندرية القديمة 285 قبل الميلاد،  فعلى الرغم من اختلاف الآراء حول من بناها أو خطط لبنائها من الإسكندر الأكبر أو بطليموس الأول أو بطليموس الثاني، إلا أنه يبقى مضمون محتواها هو الأهم، فقد عُدت من أشهر مكتبات العالم القديم والعصور الوسطى، فهي لم تكن أكبر المكتبات الحاوية للكتب في ذلك الوقت فحسب، ولكنها أيضًا اقترنت بالأبحاث العلمية وتردد عليها العلماء من جميع أرجاء حوض البحر المتوسط لأنها اشتملت على أكثر من 500.000 لفيفة من ورق البردي جُمعت من المعابد ومكتبات الملوك في فترات سابقة تضم أعمالا أدبية ونصوصا عن التاريخ والقانون والرياضيات والعلوم وكانت مجمعًا ثقافيًا وفكريًا فذّاً لحملها راية العلم والمعرفة لقرابة سبعة قرون متتالية.

المكتبات في سوريا القديمة

كما في مصر فقد كان للحضارات التي سكنت المنطقة السورية القديمة نصيب في الاهتمام بالثقافة والعلوم ونشرها للحضارات المجاورة، فإذا ما تكلمنا عن أهم المكتبات في المنطقة، بل وأقدمها في العالم لا يسعنا إلا ذكر مكتبة "إيبلا" في شمال غربي سوريا "تل مرديخ" والتي تعود للقرن الرابع والعشرين قبل الميلاد، فقد احتوى الأرشيف على 20 ألف لوح مسماري، والتي قدمت معلومات لا تقدر بثمن حول الإجراءات الحكومية والحياة اليومية للأشخاص الذين عاشوا في المنطقة في ذلك الوقت.

وعلى عكس المحفوظات القديمة الأخرى، فهناك أدلة تشير إلى أن اللوحات من مكتبة إيبلا قد تم ترتيبها عن قصد بل وحتى تصنيفها. كانت الألواح الأكبر حجماً مخزنة في الأصل على الرفوف، لكنها سقطت عندما دمر القصر.

وقد تمكن علماء الآثار من إعادة بناء المواضع الأصلية للألواح واكتشفوا أنها مرتبة حسب الموضوع. بالإضافة إلى ذلك، تُظهر الأجهزة اللوحية أدلة على النسخ المبكر للنصوص إلى لغات ونصوص أجنبية، وتصنيفها وفهرستها لتسهيل استرجاعها، وترتيبها حسب الحجم والشكل والمحتوى.

 

Picture4.jpg
لوح طيني من نصوص إيبلا، سوريا

 

وفي الشمال السوري عندما تم اكتشاف أرشيف أوغاريت عام 1929، وجد علماء الآثار أكثر من مكتبة، فقد كُشفت آلاف الألواح الطينية في مكتبة قصر، ومكتبة معبد، ومكتبتين خاصتين، واحدة تخص دبلوماسيًا يدعى رابانو. كما كانت المكتبتان الخاصتان فريدتين في العالم في ذلك الوقت وخصوصاً في تلك المنطقة،

فقد احتوت على نصوص دبلوماسية وقانونية واقتصادية وإدارية ومدرسية وأدبية ودينية. تعود للقرن الرابع عشر قبل الميلاد، وتم استخدام ما لا يقل عن سبع كتابات مختلفة في أوغاريت، بما في ذلك الكتابة الهيروغليفية المصرية، والمسمارية، والسومرية، والأكادية، والحورية، والأوغاريتية.

وهذا يدل على الانفتاح والتنوع الثقافي الذي لعبته الحضارة الأوغاريتية في نشر ثقافتها واستقطاب ثقافات الحضارات التي جاورتها من خلال كتبها وأبحاثها (الألواح الطينية) المكتشفة.

 

Picture5_0.jpg
ملحمة بعل. لوح من أوغاريت

 

ولم تكن مكتبة إيبلا وأوغاريت الوحيدتين في المنطقة السورية القديمة، فكشفت التنقيبات الأثرية أيضاً عن مكتبة تعود للقرن السابع عشر قبل الميلاد في مملكة ماري والتي تقع في دير الزور، و تم الكشف عن 25 ألف رُقم طيني تحتوي كتابات مسمارية كانت مضامينها عن التجارة والزراعة وأساليبها وصناعة السفن، ووثائق سياسية وعسكرية، وغير ذلك فقد بينت لنا مكتبة ماري  الضخمة بسجلاتها وأرشيفها على كثير من المدن وحضارات الألفين الثالث والثاني قبل الميلاد وعلاقتها ببعضها بعضا، وعلاقات "ماري" بالبادية والممالك الأخرى، وسلطت لنا النور على المعتقدات والشعائر الدينية والحياة الفكرية والاجتماعية التي سادة المملكة، فيمكننا تصور الدور الحضاري الذي وصلت لهُ ماري من ثقافة وعمران في تلك الفترة.

فمملكة ماري وغيرها من الممالك التي سكنت سوريا القديمة كانت مصدراً للعلوم والثقافة منذ ما يقارب الألف الثالث قبل الميلاد، ولم يخطئ عالم الآثار الفرنسي "أندريه بارو" عندما قال إنّ لكلّ إنسان وطنين، وطنه الأم وسوريا.

مكتبة آشور بانيبال " العراق " 668 - 630 قبل الميلاد

قبل اكتشاف المكتبات القديمة في أوائل القرن العشرين، كانت مكتبة آشور بانيبال الملكية في نينوى (العراق) تعتبر أول مكتبة أو أقدم مكتبة ملكية باقية في العالم، فقد كانت من أوائل المكتبات التي نُظمت تنظيمًا منهجيًا لموادها. سميت المكتبة باسم آشور بانيبال، آخر ملوك الإمبراطورية الآشورية الجديدة.

 

Picture6_0.jpg
   مكتبة آشور بانيبال في المتحف البريطاني

 

فقد بنى آشور بانيبال مكتبته الملكية وملأها بالنصوص التي تغطي مجموعة واسعة من الموضوعات والتي وصل عددها إلى 30 ألف لوح طيني تحمل كتابات مسمارية، وكانت مضامينها الطب والأساطير والسحر والعلوم والشعر والجغرافيا ومواضيع أخرى متنوعة. أما النص الأكثر شهرة والذي بقي نوعا ما على حالة جيدة من المكتبة الملكية هو ملحمة جلجامش، ويعتبر هذا من أقدم الأعمال الأدبية العظيمة الباقية. وقد فتح هذا الاكتشاف الأبواب على مصاريعها أمام فهمنا لأدبيات وثقافة بلاد ما بين النهرين القديمة،

وقد لاقت أيضاً القوانين والشرائع الآشورية المكتشفة ضمن الألواح أهمية كبيرة ولفتت أنظار الباحثين فأقبلوا على نشرها ودراستها وخرجوا من ذلك بأثمن النتائج التاريخية، كما أنها أصبحت مع ما قدمتهُ المكتبات القديمة في الوطن العربي من أبحاث علمية ونصوص أدبية وشعائرية في مصر والعراق وسوريا ودول عربية أخرى بمثابة حجر الأساس للعلوم والمعارف ومنارة وصل إشعاعها العلمي إلى العالم كله.


مصادر
- وثائق ايبلا ، د . عفيف بهنسي - دمشق 1984 
- موسوعة الحضارة المصرية القديمة – د. سمير أديب 2000
- التربية في الحضارة المصرية القديمة – د. سعيد إسماعيل علي 1996
- خزائن الكتب القديمة في العراق - كوركيس عّواد - 1986