icon
التغطية الحية

المكاسب التركية والأذرية من اتفاق "قره باغ"

2020.11.12 | 17:28 دمشق

photo_2020-11-12_16-10-54.jpg
إسطنبول ـ هشام شعباني
+A
حجم الخط
-A

بعد أكثر من شهر من الحرب بين أرمينيا وأذربيجان، وقع البلدان الاثنين الماضي (10 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020) اتفاقًا لوقف "دائم" لإطلاق النار بوساطة روسية.  

وعقب التوقيع، قال الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف: إن الاتفاق الذي يقضي بانسحاب أرمينيا من 3 محافظات محتلة، يعتبر انتصارًا لبلاده، في حين وصف رئيس الوزراء الأرميني الاتفاق بـ "المؤلم جدًا للشعب الأرميني".

بعد الإعلان عن توقيع الاتفاق، شهدت المدن الأذربيجانية وفي مقدمتها العاصمة باكو مظاهر فرح واحتفالات، في حين تسبب الإعلان بموجة غضب في أرمينيا، حيث اقتحم محتجون مبنى البرلمان في العاصمة يريفان، واعتدوا بالضرب المبرح على رئيس البرلمان الأرميني أرارات ميرزويان، كما تعرضت محتويات مكتب رئيس الوزراء باشينيان للنهب وفق تقارير صحفية.

مضمون اتفاق وقف إطلاق النار في قره باغ

أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مساء الاثنين، توصل أذربيجان وأرمينيا لاتفاق وقف إطلاق نار في قره باغ، يتضمن في مرحلته الأولى بقاء قوات البلدين متمركزة في مناطق سيطرتها الحالية، تمهيدًا لنشر قوات حفظ سلام روسية على خطوط التماس.  

وأضاف بوتين في خطاب متلفز إن قوات روسية لحفظ السلام ستنشر في المنطقة لمراقبة سير تنفيذ الاتفاق، في حين ذكرت وزارة الدفاع الروسية أن قوة حفظ السلام هذه ستتألف من 1960 عسكريًا.

اقرأ أيضا: أذربيجان: العثور على وثائق تؤكد توطين أرمن سوريين في قره باغ

بدوره، قال الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف: إن الاتفاق ينص على استعادة بلاده السيطرة على 3 محافظات تحتلها أرمينيا، خلال فترة زمنية محددة وهي كلبجار حتى 15 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري وأغدام حتى 20 من الشهر نفسه، ولاجين ذات الأهمية الاستراتيجية حتى 1 كانون الأول/ ديسمبر المقبل، بالتزامن مع نشر قوات حفظ سلام روسية على طول خط التماس وممر لاجين، الرابط بين قره باغ وأرمينيا، لمدة 5 سنوات قابلة للتجديد. 

وأضاف علييف، الذي شارك الرئيس الروسي في الخطاب الذي ألقاه، أن تركيا ستشارك في عملية حفظ السلام من خلال آلية لمراقبة وقف إطلاق النار، وأنه سيتم في السنوات الثلاث المقبلة، بناء طرق برّية تربط بين قره باغ وأرمينيا من جهة وجمهورية نخجوان ذاتية الحكم (أذربيجانية) مع جمهورية أذربيجان، بالتزامن مع عودة النازحين لديارهم بإشراف مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

بدوره علق رئيس وزراء أرمينيا باشينيان على الاتفاق بقوله "لم يكن لدي خيار إلا التوقيع عليه" و"القرار الذي اتخذته يستند لتقييم أشخاص على علم بالواقع العسكري على الأرض".  

اقرأ أيضا: هدنة أذربيجان - أرمينيا.. هل سحبت روسيا ورقة رابحة من يد تركيا؟

في حين قال زعيم الانفصاليين الأرمن في قره باغ، أرايك هاروتيونيان: إن التوقيع على الاتفاق "أمر لا مفر منه خصوصا بعد سيطرة الجيش الأذربيجاني على مدينة شوشة" ثاني كبرى مدن الإقليم. مشيرًا أن استمرار القتال كان سيؤدي إلى سقوط مدينة خانكندي (ستيبانيكيرت) عاصمة قره باغ، وباقي مناطق الإقليم.

ما الذي جرى في حرب الـ 45 يومًا

تعود قضية "قره باغ" للفترة ما بين 1992 و1994، عندما قامت أرمينيا وبدعم روسي، باحتلال أراضٍ أذربيجانية من ضمنها إقليم "قره باغ" الذي يبلغ عدد سكانه الأرمن نحو 140 ألف نسمة (بحسب إحصائيات عام 2006).

فرضت أرمينيا على مدى السنوات الـ 28 الماضية سيطرتها على الإقليم الذي يتكون من 5 محافظات هي خوجالي، وهدروت، وأغدره، وخوجاوند، وشوشة، ودائرة مدينة خانكندي عاصمة الإقليم، إضافة إلى سبع محافظات أذربيجانية أخرى محيطة بالإقليم هي فضولي، وجبرائيل، وزنكيلان، وقوبادلي، وأغدام، ولاجين، وكلبجار، بالتزامن مع تهجير نحو 700 ألف أذربيجاني من سكان تلك المناطق (غالبية تركية مع وجود أقلية كردية) باتجاه أذربيجان. 

اقرأ أيضا: أذربيجان تعلن تدمير آليات عسكرية ومدافع للجيش الأرميني

وخلال الحرب الأخيرة التي استمرت 45 يومًا، من 27 أيلول/ سبتمبر إلى 10 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري (2020)، تمكنت أذربيجان من السيطرة على محافظات فضولي، وجبرائيل، وزنكيلان، وقوبادلي الموجودة خارج إقليم "قره باغ" والمحاذية للحدود مع إيران، إضافة إلى محافظتي هدروت وشوشة (ذات الأهمية الاستراتيجية) وأجزاء من خوجاوند داخل إقليم قره باغ، أي ما يعادل نحو 70 بالمئة من الأراضي المحتلة.   

وأسفر النزاع في "قره باغ" عن مقتل ما لا يقلّ عن ألف و500 وفقاً لإحصائيات أرمينية، في حين لم تعلن أذربيجان رسميًا عن حجم خسائرها العسكرية، وجاء توقيع اتفاق وقف إطلاق النار الثلاثاء، بعد ساعات على تقديم باكو اعتذارًا رسميًا لموسكو على إسقاطها مروحية روسية عن طريق الخطأ قرب الحدود الأذربيجانية الأرمينية في نخجوان.

وخلال الحرب، أظهرت القوات الأذربيجانية، كفاءة في استخدام الطائرات المسلحة بدون طيار تركية الصنع، التي لعبت دورًا رئيسيًا في كسر الخطوط الدفاعية للقوات الأرمينية وتسريع تقدم القوات الأذربيجانية.  

كما شهدت أيام الحرب تبادلًا للاتهامات بين الجانبين باستخدام مرتزقة من بلدان الشرق الأوسط واستهدف المدنيين، في حين لم يتم الإعلان رسميًا عن عدد القتلى من العسكريين في صفوف الجانبين.

ووفق بعض الخبراء، أدت الحرب إلى تعزيز النفوذ الروسي والتركي في جنوب القوقاز، وخروج أذربيجان من المعركة بصفة "الفائز بلا منازع" على المستوى الإقليمي والعسكري ما يعزز من شعبية الرئيس إلهام علييف، بالتزامن مع الخسارة العسكرية التي منيت بها أرمينيا وتراجع الدور الإيراني وتحييد دور الدول الغربية في المنطقة، وهو ما يصب في مصلحة موسكو وأنقرة.   

 

المكاسب التركية والأذربيجانية

- تعزيز الدور الإقليمي التركي

دعمت تركيا منذ بداية النزاع في "قره باغ"، وبقوة، موقف أذربيجان تجاه تحرير أراضيها وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع أرمينيا وساهمت في تعزيز قدرات باكو العسكرية. وقد انعكست المواقف الحازمة التي أعلنتها أنقرة في دعم أذربيجان على زيادة الثقة من قبل حلفائها بدورها الإقليمي.

إلى جانب ذلك، تمتلك تركيا علاقات استراتيجية خاصة مع أذربيجان نابعة من المصالح واللغة والثقافة المشتركة، إلى جانب علاقاتها الاستراتيجية مع جورجيا. وقد ساهمت الانتصارات العسكرية التي حققتها أذربيجان في "قره باغ" من خلال الدعم التركي الواضح والقوي، في تحول أنقرة إلى لاعب أساسي في منطقة جنوب القوقاز، وهو ما يصب في مصلحة باكو أيضًا، التي طالما نظرت بعين الريبة إلى الدور الروسي والإيراني.

- ضمان أمن خطوط إمدادات الطاقة

أثارت الهجمات العسكرية التي شنتها أرمينيا في 12 تموز/ يوليو الماضي على منطقة "توفوز" الأذربيجانية التي يمر منها خط أنابيب نقل النفط "باكو-تبليسي-جيهان" ومشاريع نقل استراتيجية أخرى، مخاوف كل من تركيا وأذربيجان تجاه أمن خطوط إمداد الطاقة.

ومن خلال الانتصارات الميدانية التي حققتها أذربيجان في "قره باغ" وما أعقب ذلك من اتفاق وقف لإطلاق النار مع أرمينيا بوساطة روسية، ضمنت كل من أنقرة وباكو فقدان يريفان قدرتها العسكرية على تهديد خطوط إمداد الطاقة ومشاريع النقل الاستراتيجية الأخرى التي تربط أذربيجان مع تركيا عبر جورجيا.

- تعزيز الثقة بالصناعات العسكرية التركية

حظيت أذربيجان منذ استقلالها عن الاتحاد السوفييتي عام 1991 بدعم عسكري تركي شمل قطاعي التدريب والتسليح إضافة إلى تنظيم البلدين برنامجا مشتركا للتعاون العسكري ومناورات عسكرية.

أظهرت الحرب الأخيرة كفاءة الصناعات العسكرية التركية، وفي مقدمتها الطائرات المسيرة "بيرقدار"، التي ساهمت بشكل رئيسي في إلحاق خسائر فادحة بالخطوط الدفاعية للجيش الأرميني وتحقيق تقدم سريع للجيش الأذربيجاني.

- تقليص نفوذ إيران في جنوب القوقاز

خلال السنوات الـ 28 الماضية، حظيت أرمينيا بدعم إيراني شمل العديد من المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية، ما أثار حفيظة أذربيجان تجاه موقف طهران في أكثر من مناسبة.

وفي مسعى للحد من النفوذ التركي قدمت طهران خلال الحرب الأخيرة اقتراح وساطة لحل الصراع في "قره باغ"، لكنه لم يحظ باهتمام إقليمي ودولي، كما أن تصريحات مسؤوليها الساعية لاستمالة أذربيجان وتهدئة أبناء المكون التركي (أتراك إيران)، انعكست بشكل سلبي على علاقاتها مع أرمينيا وأضعفت دورها في الأحداث الأخيرة.

- إنشاء ممر بري بين نخجوان وأذربيجان

يعتبر إنشاء ممر بري يصل بين جمهورية نخجوان الذاتية الحكم (تابعة لأذربيجان) والمناطق الغربية في جمهورية أذربيجان، أحد أبرز الإنجازات التي تنعكس بشكل إيجابي على كل من باكو وأنقرة معًا.

يفصل ممر زنكازور جنوب أرمينيا، جمهورية نخجوان ذاتية الحكم عن المناطق الغربية في جمهورية أذربيجان. وتمتلك نخجوان حدودًا برية مع تركيا بطول 18 كيلومتر فقط. وبموجب معاهدة قارص الموقعة عام 1921 من قبل تركيا وأرمينيا السوفييتية وأذربيجان السوفييتية وجورجيا السوفييتية وروسيا البلشفية، تعتبر أنقرة الضامن الوحيد لأمن نخجوان.

ومن المتوقع أن يساهم فتح ممر بري بين أذربيجان ونخجوان في تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية عمومًا بين تركيا وأذربيجان، وعلاقات البلدين مع بلدان آسيا الوسطى من ناحية التبادل التجاري، دون الحاجة لاستخدام الأراضي الإيرانية، وهو ما ينعكس بصورة سلبية على النفوذ الإيراني في جنوب القوقاز ويصب في مصلحة باكو وأنقرة معًا. 

- تعزيز شعبية واستقرار حكومة إلهام علييف

شهدت الأشهر القليلة التي سبقت الحرب الأخيرة في "قره باغ"، اضطرابات سياسية في أذربيجان، قادتها وفق وسائل إعلام أذربيجانية، مجموعة من أعضاء "الحرس القديم" بزعامة المدير السابق لمكتب رئيس الجمهورية "رامز مهدييف"، الذي وُصف وقتئذ بـ "رئيس الطابور الخامس" المؤيد لروسيا في باكو.

وأعلن جهاز أمن الدولة في ذلك الوقت، إطلاق "حملة تطهير" واسعة النطاق شملت موظفين كبارا في وزارة الخارجية، بعيد استقالة وزير الخارجية السابق إلمار محمدياروف، تهدف إلى "تحديث بنية الوزراة ووضع حد لتغلغل بعض الدبلوماسيين والمسؤولين المحسوبين على الوزير السابق وغربلة للأشخاص النافذين واعتقال المتورطين في قضايا فساد". 

وفي خضم هذه التطورات، اتهمت صحف تركية مقربة من الحكومة، علي حسنوف، المساعد السابق للرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، بالانتماء لجماعة "فتح الله غولن" المحظورة في تركيا. جاء ذلك بالتزامن مع إعلان حسنوف عزمه السفر إلى عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة، أبوظبي، من أجل تلقي العلاج في إحدى مستشفياتها، نافيًا صحة ما جاء في الصحف التركية أو رغبته في التقدم بطلب للحصول على لجوء سياسي في أبوظبي.

وفي تلك الأثناء، شهدت شوارع العاصمة باكو، مسيرات احتجاجية بمشاركة الآلاف، طالبت بضرورة تحرير الأراضي الأذربيجانية من الاحتلال عقب مقتل 7 عسكريين في هجمات أرمينية استهدفت مواقع عسكرية أذربيجانية، فيما اقتحمت مجموعة من المحتجين مبنى البرلمان مطالبين باستقالة مسؤولين عسكريين بارزين في وزارة الدفاع.

اقرأ أيضا: قره باغ.. 193 منطقة حصيلة ما سيطرت عليه أذربيجان

ساهم تفوق أذربيجان في "قره باغ" عبر الدعم التركي، في زيادة شعبية الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف داخل مختلف الشرائح الاجتماعية وخصوصًا في صفوف سكان المناطق المحررة التي يبلغ تعدادهم نحو مليون نسمة، فضلًا عن تعزيز استقرار حكومة باكو، ما ينعكس بشكل إيجابي على التعاطف الموجود أصلًا في الشارع الأذربيجاني تجاه تركيا.

- إعادة إعمار المدن الأذربيجانية المدمرة

خلال سنوات الاحتلال، عمدت أرمينيا على تدمير جميع المدن والقرى الأذربيجانية خارج إقليم "قره باغ" تقريبًا، وفي مقدمتها فضولي، وجبرائيل، وزنكيلان، وقوبادلي، وأغدام، ولاجين، وكلبجار، وتهجير سكان تلك المدن.

وأثناء تقدم الجيش الأذربيجاني في المناطق المحتلة، قال إلهام علييف: "سنعيد بناء جميع المدن. سنقوم بترميم وإعادة بناء جميع المساجد والمنازل والبنى التحتية التي دمرتها أرمينيا. ستعود الحياة إلى هذه المناطق".

اقرأ أيضا: موقف إيران من الصراع بين أذربيجان وأرمينيا

إلى ذلك، قال خبراء اقتصاديين أذربيجانيين في مقدمتهم "ناطق جعفرلي"، لوسائل إعلام محلية: إن الحكومة الأذربيجانية بصدد إطلاق برنامج كبير لإعادة إعمار البنية التحتية للأراضي المحررة بقيمة 10 مليارات دولار يجري تمويله من صندوق النفط.

وذكر الخبراء أن أذربيجان سوف تكون منفتحة تمامًا على التعاون مع المستثمرين الأجانب، إلا أن الدور الرئيسي في مجال إعادة الإعمار سوف يتم منحه لتركيا، لاسيما أن هذا البلد يمتلك شركات كبيرة ذات خبرة واسعة في البناء وإعادة الإعمار، وفق ما ذكرت وسائل إعلام أذربيجانية.

اقرأ أيضا: تاريخ الصراع الأذربيجاني – الأرميني وآخر تطورات المعركة