icon
التغطية الحية

المكارثية تهدد أباطرة مخرجي السينما في الخمسينيات  

2018.08.30 | 18:08 دمشق

"جوزيف مكارثي" عضو سابق في مجلس الشيوخ الأمريكي (إنترنت)
عمر الفاروق - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

•    أنطوني كوين اتهم بالشيوعية، ودافع بقوله: "كنت أناضل من أجل الحقوق المدنية والعمالية لدوافع إنسانية"
•    فترة الخمسينيات من القرن الماضي كانت مرحلة مفصلية في حياة المخرج اليساري إيليا كازان
•    إيليا كازان اتهم بالخيانة بعد الوشاية عن أصدقائه ولكن أعماله السينمائية بررت أفعاله 
•    كيرك دوغلاس كان له دور مساهم وفعال في إنهاء القائمة السوداء في هوليوود 


زوربا اليوناني، زامبانو الإيطالي، بول غوغان الفرنسي، عودة أبو تايه العربي، والثائر الليبي عمر المختار، هذه الأدوار السينمائية وغيرها الكثير، حفرت اسم الممثل المكسيكي أنطوني كوين (1915-2001) عميقاً في صدر السينما العالمية، كوين الذي يحمل في جعبته أكثر من 160 عملاً سينمائياً كممثل، عاش فترة الخمسينيات كغيره من بعض الفنانين الذين تم اتهامهم بالشيوعية، خلال فترة حكم السيناتور جوزيف مكارثي (1908-1957)، الذي شكل لجنة النشاطات غير الأميركية، ولكن كوين كان يدافع عن هذا الأمر ويقول إنه كان يناضل من أجل الحقوق المدنية والعمالية لدوافع إنسانية.. 

فترة الخمسينيات من القرن الماضي، وتحديداً عام 1952، كان منعطفاً تاريخياً في حياة كوين حين شارك بفيلم "فيفا زاباتا"، مع المخرج إيليا كازان (1909-2003)، إلى جانب الممثل مارلون براندو (1924-2004)، ويروي الفيلم قصة الثائر المكسيكي إيميليانو زاباتا، زعيم ثورة الفلاحين، وكان للفيلم أثر كبير على كوين نفسه، لأنه عاش طفولته في مرحلة الثورة المكسيكية، وحصل فيلم "فيفا زاباتا" على 5 ترشيحات لجوائز الأوسكار، نال منها كوين أفضل ممثل بدور مساعد، إضافة إلى ترشيح الفيلم لجائزة الغولدن غلوب لأفضل ممثل مساعد، وحصل براندو على جائزة البافتا عن أفضل تمثيل، وعلى جائزة أفضل ممثل بمهرجان كان.

هذه الفترة كانت أيضاً مرحلة مفصلية في حياة المخرج اليساري كازان، والناشط في التكتل الشيوعي الأميركي، حين كشف عن أسماء أصدقائه القدماء في الحزب الشيوعي، أمام لجنة النشاطات غير الأميركية، التي شكلها السيناتور جوزيف مكارثي، وكانت مهمتها ملاحقة أي شخص يشتبه في انتمائه أو تعاطفه مع الفكرة الشيوعية، أو يقوم بدعم اليساريين، ولديه صلات بالاتحاد السوفييتي..

وبعد أن كشف كازان عن هذه القائمة، نشر بياناً في جريدة نيويورك تايمز، يدافع فيه عن شهادته أمام اللجنة، ليصبح الخبر على ألسنة العالم، الذين اتهموه فيما بعد بالخيانة والعمالة.. 

في عام 1954، عاد كازان وقدم فيلمه الثاني عشر ضمن مسيرته المهنية، On the Waterfront، أو "على رصيف الميناء"، ويستند الفيلم على سلسلة من التحقيقات الصحفية للكاتب الصحفي مالكوم جانسون، وعددها 24 تحقيقا تم نشرهن في صحيفة "نيويورك صن"، تحت عنوان "جريمة على رصيف الميناء"، ونال الكاتب عن هذه التحقيقات جائزة البوليتزر عام 1949. وكان كاتب سيناريو الفيلم بود شولبيرغ قام بدور مماثل وكشف عن أصدقائه الشيوعيين السابقين في عام 1951..

الفيلم يروي قصة الفساد المنتشر بين أوساط نقابات عمال الميناء في مدينة نيويورك

الفيلم يروي قصة الفساد المنتشر بين أوساط نقابات عمال الميناء في مدينة نيويورك، وسيطرة الجريمة المنظمة على المسؤولين في هذه النقابات، وتميز الفيلم بقوة إخراجه والحوار والتصوير والتمثيل، حيث فاز الفيلم بثمانية جوائز أوسكار، وبعض النقاد يرى أن هذا الفيلم كان تبريراً من كازان على قضية الفتنة قبل عامين.. 

 

براندو يرفض التعاون مع صديقه كازان
هذا الفيلم "على رصيف الميناء"، هو التعاون الثالث والأخير بين كازان وبراندو، حين أخذ الأخير موقفاً من إيليا، وتجلى هذا الأمر عام 1972، في فيلم The Godfather، أو العراب، المأخوذ عن رائعة ماريو بوزو الروائية، وكان العمل من إخراج فرانسيس فورد كوبولا، الذي كان الخيار الثالث بالنسبة لشركة الإنتاج بعد المخرج الإيطالي سيرجيو ليون، ومن ثم بيتر بوغدانوف، ولكن بسبب انشغالهم تحول العمل إلى كوبولا، وبعد المشاهد الأولية للفيلم لم تكن شركة الإنتاج مرتاحة للعمل، وقررت استبدال كوبولا بإيليا كازان، معتقدة أن العلاقة الطيبة بين مارلون براندو وكازان من الممكن أن تساهم في إنجاح الفيلم، ولكن براندو هدد بالانسحاب من العمل بسبب موقفه السابق من كازان حين وشى على أصدقائه، لتقرر شركة الإنتاج Paramount Pictures الاعتماد على كوبولا الذي خطف بفيلمه العراب خمس جوائز غولدن غلوب، و3 جوائز أوسكار.

وفي عام 1999، صعد كازان على المسرح، ليستلم أوسكاراً شرفياً عن أعماله السينمائية، ولكن في ذات الحفل كان هناك عدد من الممثلين رافضين تسلم إيليا الجائزة، من بينهم المخرج ستيفن سبيلبرغ، والممثل جيم كاري، وإد هاريس، وغيرهم.. فيما وقف البعض وصفقوا بحرارة لإيليا لما قدمه من فن ومدرسة سينمائية فنية عريقة.. 

ومن بين نجوم هوليوود الذين عاشوا في فترة المكارثية، المخرج الأميركي جون فورد (1894-1973)، الملقب بملك أفلام الكاوبوي، المعروف بميوله المحافظة وانتمائه إلى الحزب الجمهوري الأميركي، وكان من المعارضين للمكارثية والشيوعيين، ولكنه كان يرفض الحديث عنهم.
وفي عام 1957، قدم المخرج البريطاني السير ديفيد لين (1908-1991)  فيلمهThe Bridge on the River Kwai، وحاز من خلاله على 7 جوائز أوسكار، واللافت في هذا الفيلم أن سيناريو الفيلم حمل اسم مؤلف الرواية الفرنسي بيير بول، ولكن في الحقيقة الذي كتب سيناريو الفيلم كارل فورمان، ومايكل ولسون، ولكن أسماءهم لم تكتب على شريط الفيلم الأصلي لأنهم كانوا موضوعين على القائمة السوداء المتهمين بالشيوعية أثناء حملة المكارثية، وتم تصحيح الموضوع في النسخ اللاحقة، ومنح الكاتبان الأوسكار بحفلة خاصة أقيمت عام 1984 بعد وفاتهما. 

الممثل والمخرج جورج كلوني (1961) قدم عام 2005 فيلمه السياسي Good Night, and Good Luck، أو ليلة سعيدة وحظاً طيباً، باللون الأبيض والأسود، وكان الفيلم الثاني في مسيرته الإخراجية، ويتحدث الفيلم عن فترة المكارثية في خمسينيات القرن الماضي، وتحديداً في أستديوهات CBS، حين يصور كفاح الإعلامي الأمريكي الراحل إدوارد مورو، حين واجه السيناتور جوزيف مكارثي ودافع عن حرية التعبير والتفكير التي ضمنها دستور الولايات المتحدة للمواطن الأمريكي. وشارك في بطولة الفيلم جيف دانيالز، روبرت داوني جونيور، توم مكارثي، وباتريشيا كلاركسون، واستطاع أن يحصد 38 جائزة سينمائية..

 

تشارلي تشابلن لم يسلم منها
منتصف عام 1947، واجه تشارلي تشابلن (1889-1977)، انتقادات واسعة من وسائل الإعلام الأميركية، بسبب قضية رفعتها امرأة ضده، مدعية أنه والد ابنها غير الشرعي، وانتهت بفوز تشابلن، إلى جانب اتهام تشارلي من قبل بعض المسؤولين وبعض المنظمات اليمينية الأميركية بأنه شيوعي أو موال للشيوعية، حتى أنه تم استدعاؤه شخصياً للمثول أمام اللجنة ولكن ألغي الأمر، ولكن الضغوط التي تعرض لها واتهامه بالشيوعية دفعه للرحيل إلى أوروبا، في عام 1952، وهي ذات السنة التي قدم فيها تشارلي فيلمه الناطق الثالث "أضواء المسرح"، وكان آخر عمل قدمه في الولايات المتحدة.

في عام 1957 أخرج تشارلي فيلمه A king in new york، وكان أول فيلم يقوم بإخراجه في أوروبا بعد رحيله عن أميركا، وآخر فيلم يقوم ببطولته، ولم يعرض هذا الفيلم في أميركا إلا عام 1973، ويسخر تشابلن في هذا الفيلم من الأوضاع السياسة التي سادت في الولايات المتحدة خلال فترة الخمسينيات والقائمة السوداء في عصر السيناتور مكارثي، الذي اقترن اسمه بإجراء تحقيقات مع كبار المفكرين والفنانين المتهمين بميولهم الشيوعية أو اليسارية والتأكد من ولائهم للولايات المتحدة الأميركية. من بينهم أيضاً الكاتب السينمائي دالتون ترامبو (1905-1976)، الذي كتب سيناريو فيلم Spartacus للمخرج ستانلي كيوبريك (1928-1999)، بالإستناد إلى رواية للكاتب هوارد فاست الذي كان عضواً في الحزب الشيوعي الأميركي وسجن لرفضه الإدلاء بشهادته أمام الكونغرس الأميركي. هذا الفيلم كان أحد الأسباب في إنهاء ما يعرف بالقائمة السوداء، حين عاد ترامبو ووضع اسمه الحقيقي على الشاشة بعد أن استخدم اسماً مستعارا لسنوات، والفضل للممثل كيرك دوغلاس (1916) الذي أصر على وضع الاسم الحقيقي للكاتب متحدياً موقف مدراء شركة الإنتاج الذين أرادوا استخدام اسماً مستعاراً تجنباً للمشاكل السياسية، ونتيجة هذا الموقف أصبحت القائمة في حكم المنتهية. 

وكان كيرك البالغ من العمر الآن 101 عاماً.. ظهر في حفل توزيع جوائز الغولدن غلوب 2018 برفقة كاثرين زيتا جونز، زوجة ابنه مايكل، على المسرح _ وهو على كرسي متحرك، لتقديم جائزة أفضل سيناريو فيلم سينمائي، وأشارت جونز في كلمتها أن كيرك كان له دور مساهم وفعال في إنهاء القائمة السوداء في هوليوود.