المقاربة القانونية لعزل الرئيس ترمب

2019.12.25 | 16:41 دمشق

trmb.jpg
+A
حجم الخط
-A

مع قرار الديمقراطيين المضي قدما في إجراءات عزل الرئيس ترمب من منصبه في مجلس النواب رغم معرفتهم أن هذه الإجراءات ستنتهي عند مجلس الشيوخ الذي يحتفظ الجمهوريون بأغلبية فيه مما سينهي العملية كلها كما انتهت سابقا إجراءات عزل أندرو جاكسون وكلينتون، في حين قرر الرئيس نيكسون الاستقالة قبل موافقة غرفتي الكونغرس على إجراءات عزله.

ولكن للمضي قدما يجب بناء القاعدة القانونية إجراءات عزل الرئيس رغم أن الجميع يقر أنها عملية سياسية وأنها العلاج الأخير الذي منحه المشرعون أو الآباء المؤسسون الذين كتبوا الدستور للكونغرس لتصحيح الجرائم التي يمكن أن يرتكبها الرئيس، فهم استعاروا فكرة العزل من الدستور البريطاني لكن إجراءات العزل في القرن الثامن عشر حينها كانت توقف عند الملك الذي يشكل القانون حينها، لكن المشرعين الديمقراطيين الذين أرادوا بناء ديمقراطية جمهورية حسب فرانكلين أضافوا إجراءات العزل للرئيس كي لا يصبح ملكاً.

واشترطوا أن الرئيس يجب أن يرتكب "جرائم أو جنح يعاقب عليها القانون" من دون تعريف ما هي هذه الجرائم، لكن الدستور فيما بعد يشير إلى أن الجرائم يمكن أن تصنف كذلك إساءة استغلال السلطة، تعطيل القانون، استغلال المنصب لأسباب شخصية أو الرشوة، ومن أجل تطبيق هذه الجرائم على حالة الرئيس ترمب، جمع المشرعون الديمقراطيون عدداً من خبراء وأساتذة القانون في جلسة استماع في الكونغرس لسماع رأيهم في مدى انطباق هذه الجرائم على حالة الرئيس ترمب الذي تورط في طلب مصالح شخصية تتعلق بالتحقيق في مزاعم تورط ابن منافسه بالانتخابات القادمة جو بايدن في الفساد في أوكرانيا.

الرئيس ليس فوق القانون ويجب أن يكون هناك ضوابط على الرئيس

ضمت لائحة هؤلاء الخبراء كلاً من الأساتذة نوح فيلدمان من كلية الحقوق بجامعة هارفارد، وباميلا كارلان من كلية الحقوق بجامعة ستانفورد، ومايكل جيرهاردت من كلية الحقوق بجامعة نورث كارولينا، وجوناثان تورلي من كلية الحقوق بجامعة جورج واشنطن، اعتبر فيلدمان أن تصرفات الرئيس ترمب تتوافق مع التعريف الدستوري "للجرائم والجنح". وأضاف أن طلبه من الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، "بناءً على الشهادة والأدلة المعروضة على مجلس النواب، فقد ارتكب الرئيس ترمب جرائم وجنح تستوجب العزل تصنف من خلال إساءة استخدام مكتب الرئاسة بشكل فاسد". فالرئيس ليس فوق القانون ويجب أن يكون هناك ضوابط على الرئيس. بحيث أن واضعي الدستور كانوا قلقين بشكل خاص من أن يستخدم الرئيس سلطة مكتبه للتأثير على العملية الانتخابية لصالحه. وخلصوا إلى أن الدستور يجب أن ينص على عزل الرئيس لضمان عدم وجود أحد فوق القانون.

أما غيرهاردت فقد قارن سلوك ترمب بالرئيس السابق ريتشارد نيكسون، الذي استقال من منصبه حين قرر الكونغرس المضي قدما بإجراءات عزله. وقال إن تصرفات الرئيس تتوافق مع كل مادة من مواد المساءلة الثلاث ضد نيكسون - عرقلة العدالة، وإساءة استخدام السلطة، وعدم الامتثال لأوامر الاستدعاء التشريعية - "سوء سلوك الرئيس الخطير، بما في ذلك الرشوة، والتماس مصلحة شخصية من زعيم أجنبي في مقابل ممارسته للسلطة، وعرقلة إقامة العدل والكونغرس أسوأ من سوء تصرف أي رئيس سابق، بما في ذلك ما فعله الرؤساء السابقون الذين واجهوا المساءلة.

في حين ركزت كارلان على قرار الرئيس بالتضحية بالمصلحة الوطنية من أجل غاياته الخاصة. "الخيانة تكمن في قيام فرد ما بالمساعدة لصالح عدو ما " - أما "الرشوة" فعندما طلب مسؤول أو تلقى أو عرض منفعة شخصية بغية التأثير على الإجراءات الرسمية - أي وضع مصلحته الخاصة فوق المصلحة الوطنية. 

بينما اعتبر تورلي أن الأدلة غير كافية لعزل الرئيس ترمب، وأن من شأن المضي قدما في إجراءات العزل تزيد الانقسام السياسي والحزبي وهو ما يضاعف من المشكلة ويهدد عمل أي رئيس قادم.

يأتمر الجميع لفكرة القانون بوصفها المرجع الحكم في القرار السياسي والجنائي

رغم أن الجميع يقر أن العزل هو عملية سياسية بمجملها متضمنة في الدستور لكنهم يقرون بضرورة وجود الحد الأدنى القانوني لارتكاب الجريمة من أجل المضي قدما في العملية، من دون ذلك تصبح قضية سياسية حزبية بامتياز وتشل عمل مؤسسات الدولة، وهذا هو الصراع على ما يسمى العتبة القانونية التي تستوجب بعدها عزل الرئيس من عدمه، من خلال هذا النقاش نكتشف حيوية القانون في تفاعله مع السياسة العامة، وكيف يأتمر الجميع لفكرة القانون بوصفها المرجع الحكم في القرار السياسي والجنائي.

لكن القانون نفسه قابل للتأويل كما نجد كيف أن الجمهوريين لا يعتبرون أن كل هذه المواد لا تنطبق على الرئيس ترمب، وأنها من باب اختلاف الرأي السياسي والطريف في الأمر أن الدستور الأميركي لم يعط صلاحية الفصل هنا إلى المحكمة الدستورية وإنما إلى الكونغرس الأميركي حيث تبدأ إجراءات العزل في مجلس النواب وتجري المحاكمة في مجلس الشيوخ في جلسة يرأسها رئيس المحكمة الدستورية العليا، فالكل يدرك مدى أهمية أن لا يتحول القانون هنا إلى مجرد أداة سياسية تستخدم لقتل الطرف الآخر سياسيا.