المعارضة السورية.. أما من وقفة مع الذات؟

2020.04.16 | 00:00 دمشق

2324462380.jpg
+A
حجم الخط
-A

لعلَّ الرعونة واللهاث وراء المنافع الشخصية أو الفئوية والاستعانة بالآخر الطامع والارتهان له هي التي توقع نخب الشعوب أحياناً في المهالك وخصوصاً حين توضع في ظروف غير طبيعية، أو لا تكون، في الأصل، نخباً بالمعنى الحقيقي للكلمة. تؤكد هذه الحقيقة ما آلت إليه أوضاع المعارضة، وكأنه لا وجود لها، رغم تكاثر الأحزاب والتنظيمات والمؤتمرات المنفردة التي تعقد خارج سوريا وكثرة الخطب عن الحرية والديمقراطية وصخب الشعارات التي تخص سوريا المستقبل..! لكن اللافت أن ذلك النشاط لا يصاحبه تنسيق يقود في النهاية إلى غاية وطنية محددة، هي أهم ما تحتاجه قوى ثورية غايتها إسقاط نظام مزمن في استبداده، ويؤسس لدولة المواطنة، وهو ما هبَّ الشعب السوري لأجله، وما سعى إليه مؤكداً وحدة الشعب السوري.. وما يلفت اليوم أيضاً أن بعض تلك التنظيمات تنفرد بتحديد طبيعة النظام في سوريا المستقبل.. يجري ذلك في وقت خَفَتَ فيه صوت المعارضة "الرسمية" إلى أدنى مستوى وتراجعت فعاليتها، وفي الوقت نفسه، يتهالك النظام أمام مشكلات الشعب المعيشية وأمام فرض الروس والإيرانيين إرادتيهما على القرار السوري، ناهيكم بوجود الأمريكان في شرق سورية ما يعني أن النظام ليس في وضع مريح أو كما يزعم أنه "انتصر" ولكن وضعا للمعارضة كهذا، يمنحه قوةً أمام المتدخلين وخصوصاً أمام الروس الذين يحاولون إعادة تأهيله عبر بعض الدول العربية.. (الاتصال الهاتفي في 27 آذار الماضي بين وليِّ عهد "أبو ظبي" وبشار الأسد.. وكانت "الإمارات" قد افتتحت سفارتها في دمشق قبل سنتين).

الحديث هنا لا يقصد الأخطاء التي وقعت فيها المعارضة، فذلك أمر طبيعي، خلال مسيرة التطلع نحو هدفها النبيل، وهو الوصول إلى دولة مدنية ديمقراطية، تجتث جذور الاستبداد، وتفسح في المجال لتداول السلطة، وتعمل على تنمية المجتمع السوري، وترتقي به.. بل يحاول الحديث فهم تصرف بعضهم بما يضعف عودة الشعب السوري إلى وحدته في إطار نظام لا مركزي يقوم على المواطنة الفعلية التي لا تميز بين مواطن وآخر، ويستبعد تقسيم سوريا إلى مناطق أو فيدراليات ليعيد توحيدها في إطار اتحاد أُطْلِق عليه اسم "سوريا الاتحادية" وجُعِل له هيئة قيادية تخاطب الهيئات الدولية. هكذا بكل وضوح، وعلى نحو يوحي بأن سوريا مقسمة، أو أنَّ شعبها في حال لا تمكنه من التعايش السلمي، الأمر الذي يوحي بأن الصراع، في أساسه، بين أقوام وطوائف وأديان لا بين عصابة مستبدة وشعب تواق إلى الحرية والبناء وإنقاذ بلاد جُعِلَت على حافة الهاوية، بل في عمقها..

لعلَّ الرعونة واللهاث وراء المنافع الشخصية أو الفئوية والاستعانة بالآخر الطامع والارتهان له هي التي توقع نخب الشعوب أحياناً في المهالك

صحيح أنه يمكن لأي سوري فرداً أم جماعة أن يقرأ الواقع السوري ويخرج بنتيجة ما.. ولكن ليس من حق أحد أن يقرر بمفرده أمراً يخصُّ السوريين كافة، كهذا الذي يتناغم مع مشاريع تؤدي لتقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ قد تقود إلى تقسيم نهائي فهذا غير مقبول أبداً، وخصوصاً أن مشاريع كهذه يجري تداولها ففي 23 آذار/ مارس الماضي نقل موقع قناة "R.T.Arabic" الروسية تقريراً صحفياً عن صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية التي نشرته تحت عنوان عريض هو: "اتفاق على تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ.. ولا خيار أمام دمشق سوى القبول" وأشار المقال إلى أن مكالمة هاتفية بين الرئيس الروسي وبشار الأسد جرت مؤخراً لم تشهد اتهامات الأسد لبعض الدول المتدخلة في الشأن السوري.. واستنتجت الصحيفة أنه "على خلفية ما يحدث، يمكن الحديث عن توصل الأطراف إلى اتفاق على تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ، ولا خيار أمام دمشق سوى قبول الواقع". ما يعيد إلى الأذهان تصريحاً قديماً لبوتين جاء في سياق حديثه عن مناطق خفض التصعيد في حزيران من العام 2017 إذ قال "نقيم الآن مناطق خفض التصعيد، وثمة تخوف محدد من احتمال تحوُّل تلك المناطق إلى نماذج لتقسيم البلاد في المستقبل".

ومن هذه الزاوية يمكن القول: إذا كان بوتين الذي دمَّر سوريا وشعبها متخوفاً ألا تتحوَّل مناطق خفض التصعيد إلى أنموذج للتقسيم فكيف يأتي من أهل سوريا وممن يحملون قضيتها ليطرحوا شكلاً تقسيمياً يمهِّد لإدخال سوريا في إطار مشروع كبير يعيد ترتيب منطقة الشرق الأوسط.. ثم ألا يصب هذا المشروع في طاحونة النظام صاحب فكرة "التجانس" الذي تحدث عنها رأسه منذ سنوات؟!

ربما قال بعضهم إنه مجرد رأي توافق عليه عدد من السوريين المشغولين بمستقبل سوريا أو إن هذا الفعل نابع من حرص على وحدة سوريا أو أي كلام تبريري آخر لا يثبت أمام الوقائع..!

نعم قد يكون ذلك لو أن الموقف أتى عبر مقالة في جريدة فتحت باباً للسوريين لمناقشة مستقبل أو أنه جاء مع دخول الحالة السورية مرحلة الحلول السليمة، كأن يسقط النظام، مثلاً، أو أن يتفق على هيئة حكم انتقالي تدعو ممثلين عن السوريين كافة لمناقشة شكل الحكم في سورية.. أما أن يأتي تمهيداً من مجموعة فلا يمكن تفسيره إلا على أنه تناغم مع ما يُخطَط لسورية في الخفاء. ويظل السؤال قائماً: فعلى أي أساس تسمى سورية بالاتحادية؟ هل فيها مناطق تتماثل حالاتها بمحدد قومي أو ديني أو طائفي أو مناطقي..؟! وهل تتقبل الجغرافيا السورية وشعبها هذا الأمر؟!

ولعلَّ الوقت قد حان لتقف المعارضة السورية أمام واقعها الحالي، وتقرأ مسيرتها خلال السنوات التسع الماضية بجدية ومسؤولية وطنية ينتظرها الشعب السوري.

إن أكثر ما تحتاجه سورية اليوم، بل ما ينقذها مما آلت إليه من ارتهان نظاماً ومعارضة، هو وجود كتلة متراصة توحد أصوات شعبها لتتحدث أمام العالم بلغة واحدة تلبي شعارات الثورة الأساسية الهادفة إلى إسقاط دولة الاستبداد المستمرة منذ نحو ستين عاماً، وبناء دولة حديثة تمكّن الشعب السوري من تنمية خيرات بلاده بما يخدم الارتقاء بحياة الدولة والمجتمع بأطيافه كافة وعلى غير صعيد وليس ذلك بمستحيل..!