المعادلة الصفرية تصفّر النظام

2019.05.27 | 00:05 دمشق

+A
حجم الخط
-A

هل بقي حبل لم يلتَفَّ بعد على رقبة نظام الأسد؟! وهل استطاع أيٌ منها منفردة أم مجتمعة أن توقف شروره، وتخلّص سوريا- وربما المنطقة ككل- من كارثة غير مسبوقة؟! شعبٌ صدحت حناجره بالحرية والانعتاق من ربق جوره وظلمه واستبداده، حيث تصوّر كثيرون أن ذلك يسدُّ حنجرة كذبه وتزييفه؛ ولكن أنبوب حياته استمر.

نصف بلد تدمر، ونصف شعب تهجَّر، ومليون قضوا، ونصف مليون في معتقلاته، وجرائم حرب بأسلحة محرَّمة دولياً؛ ولا يزال على قيد الجريمة حيا. تدخلات لا سابق لها من الأمم المتحدة، وعالم هدّد بخطوط حمراء وسوداء؛ ولا يزال خليفة "غوبلز" -ممثله في المنظمة الدولية- يسرح ويمرح بترّهاته. تخنق مَن بقي حوله من موالين أزمة اقتصادية هائلة من العوز والإذلال، ويدنّس شرف سوريا ببيع موانئها وثرواتها الباطنية للمحتل؛ وتستمر مكابراته ونفاقه، وينال التصفيق من عبيده. يعتدي ترمب على حق السوريين بوهبه الجولان السوري للمحتل الإسرائيلي؛ فترتفع عقيرة مزاودته في التحرير؛ وكأنه بطريقه للانتصار على الصهيونية. تصدر قرارات بخنق من يدعمه -أكانت الميليشيات المأجورة أو أصحاب السوخوي أو ملالي المخططات الخبيثة- ولا تزال أدوات القتل تلك تقذف بعشرات آلاف السوريين خارج بيوتهم. يتم توقيع اتفاقات بوقف إطلاق النار أو تخفيضه؛ فسرعان ما يخرقها أو يجهضها؛ وعيون العالم شاخصة تتفرّج وتمارس الادانات الشفهية، التي تتبخر حال خروجها من أفواه مطلقيها.

كل نظريات التحليل سِيقت كتفسيرات لهذه الظاهرة الغريبة. أحدها يقول إن إسرائيل- مدعومة من سيدتها أميركا- هي التي ساهمت

يرى البعض أن أميركا التي منعت تقديم أي وسائل دفاعية للمقاومة السورية كي تقف في وجه دك طائراته للمدنيين، هي ذاتها مَن شكّل جدار الصد الخفي

ولا تزال في بقائه كل هذا الوقت بحكم الخدمات الجليلة التي قدمها لها لعقود؛ فهي التي سمحت لحزب الله بنجدته في قتال شعبه؛ وكذلك لإيران، وبعدها لروسيا. يرى البعض أن أميركا التي منعت تقديم أي وسائل دفاعية للمقاومة السورية كي تقف في وجه دك طائراته للمدنيين، هي ذاتها مَن شكّل جدار الصد الخفي، الذي كان سيضطر لاستخدام "فيتو" الحماية، لو لم تقم روسيا باستخدامه؛ وهي مَن وضع ذلك "الخط الأحمر" في وجه النظام، وكأنه ترخيص لاستخدام أدوات قتل أخرى إلا الكيماوي. والحال لا زال على ما هو عليه في هذا الجانب. آخرون يرون أن سبب استمرار المأساة يكمن حصراً بتوحش النظام، وعدم خشيته من أي محاسبة؛ يقابلها ضعف خصمه وتفكك المعارضة وسوء تصرفها وضعف خبرتها وفساد بعضها.

حتى العملية السياسية والقرارات الدولية الداعية إلى حل سياسي -بموجبه تتم عملية انتقال سياسي توقف المأساة- تحوّلت إلى فُسَح واستراحات كي يلتقط أنفاسه ويستعد لمعارك جديدة؛ كما أنها تحوّلت إلى مصدر للتراشق السياسي بين القوى التي أنتجت تلك القرارات؛ فالروس يعتبرون أن الأميركيين هم مَن يعرقل الحل السياسي، والعكس صحيح: الروس يريدون تفصيل حل على مقاس مصالحهم، ويريدون إعادة تأهيل هذا النظام بتفصيلهم حلاً على مقاسه؛ والأميركيون يريدون تفصيله على مقاس مصالحهم، وحسب مشيئة إسرائيل. وفي طريقهما يسعيان لتدبّر أمور إيران، وتركيا، ومَن يمكن أن يحافظ على تلك المصالح من مكونات الداخل السوري. الجهة الوحيدة، التي لا يلتفت إليها أحد إلا كوزن زائد مثير للشفقة، هو الشعب السوري ضحية الجميع.

مؤخراً يدور الحديث عمّا سُمّي بـ "قانون قيصر"، الذي ولّدته 55 ألف صورة لمعتقلين سوريين في سجون النظام نقلها منشق عن النظام أظهر مقتل 11 ألف منهم تحت التعذيب عرضها أمام الكونغرس الأميركي الذي دفعته- بعمل من بعض النشطاء السوريين- إلى الخروج بمذكرة عُرفت لاحقاً باسم "قانون قيصر". الكونغرس الأميركي وافق على ذلك القانون، ولكن ضمن رزمة أخرى من القوانين، التي يصعب أن تأخذ مفاعيلها مجتمعة. وبجهود أولئك النشطاء أيضاً، وبدعم من بعض أعضاء الكونغرس، تمّ مؤخراً فصل هذا القانون عن القوانين الثلاثة الأخرى؛ وسيصار إلى التصويت عليه ثانية؛ ومن ثم ليوقعه الرئيس الأميركي، كي يصبح نافذاً وفاعلاً. فهل هناك من رجاء للسوريين في ذلك القرار كي ينهي عذاباتهم، أم أنه

ما ينتظر نظام الإجرام أكثر بكثير وأقوى من حالة إجرام فاقدة لمقومات البقاء بفعل ذاتي أكثر من أي شيء آخر

مجرد تمديد لتلك المأساة؟! يُقال إن طيف ذلك القانون سيكون واسعاً جداً ليخنق النظام ويطوّق كل من يمده بالدعم، ويهيئ الظروف لمحاكمات بلا حدود لكل من ارتكب جرماً بحق السوريين، ويعطي حياة لمئات بل آلاف الملفات الموثقة عن انتهاكات النظام؛ والتي كان "فيتو" روسيا في مجلس الأمن يحول دون إيصالها إلى محكمة الجنايات الدولية.  

رغم سوداوية الصورة الناتجة عن كثرة الحصانات والصادات التي تمتّع بها نظام الاستبداد، إلا أن دوام الحال من المحال؛ وما ينتظر نظام الإجرام أكثر بكثير وأقوى من حالة إجرام فاقدة لمقومات البقاء بفعل ذاتي أكثر من أي شيء آخر. ما يبقيه هو عامل البقاء الخارجي، ولكن هذا العامل الخارجي متعب ومتوتر وفاقد للمصداقية؛ والآن تحت فوهة البندقية- وربما بأسرع ما نتوقّع. زد على ذلك، أن أكثر من عشرين مليون سوري لم ولن يتبخروا. في المحصلة، لا حياة لنظام سياسته فقط "الكل أو لا شيء/ أحكمها أو أدمّرها". رغم أن ذلك حَمَلَه بعض الوقت بفعل خارجي، إلا أن استراتيجيته تلك تحمل بذور فنائه؛ فمعادلته الصفرية تَحَقَقَ طرفها الثاني فقط؛ وهنا المكمن الأساسي للزوال الحتمي؛ فهو لم ينجز "الكل" بل "لا شيء"؛ وأنجز"التدمير" لا "الحكم". وهذه المعادلة الصفرية، التي أنجزها، تجعل منه صفراً؛ وتحتم زواله.