المشهد الإقليمي ما بعد ترامب.."سوريا الأسد" تحتمي بـ "حميميم"

2021.01.23 | 00:00 دمشق

photo_2020-11-12_15-27-53-750x430-1.jpg
+A
حجم الخط
-A

في شهر أيلول الفائت، كتبت في هذه الزاوية مقالاً بعنوان: "لم يبق للأسد إلا إسرائيل". في إشارة إلى مساع لبدء مفاوضات مباشرة بين النظام السوري وإسرائيل، كحبل خلاص أخير لبشار الأسد، الذي يبحث عن أي فرصة لإعادة تعويم ذاته. كانت الفترة بعيدة نسبياً عن موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، وفي حينها كانت بعض التقديرات السياسية وليس الإحصاءات تشير إلى أن دونالد ترامب سينتخب لولاية ثانية، ما يعني استمرار النهج الأميركي الضاغط نفسه على النظام ومن خلفه إيران، ما سيجبر الأسد على الدخول في مفاوضات مع إسرائيل بناء على نصائح ومساع روسية. خسر ترامب في الانتخابات وجاء جو بايدن، نائب باراك أوباما والذي بمجرد ذكر اسمه، لا بد من التشاؤم إلى أقصى الدرجات حيال الملف السوري وتطوراته.

لقاءان عقدا بين النظام السوري والإسرائيليين، الأول في قبرص برعاية روسية، والثانية في قاعدة حميميم الروسية. المطلب الإسرائيلي واضح وهو لا يمانع إعادة تعويم نظام، منبوذ من شعبه، ومنبوذ عربياً، لا يزال قائماً فوق ركام سوريا، ولا يقوى سوى على البقاء في قصره بينما بلده تفتقد لأي من مقومات الحياة، شخص ونظام مثل هذا هو أكثر ما تفضله إسرائيل، هي التي لا تريد شيئاً أكثر من تهجير سوريا وتفريغها وإخراج القوات الإيرانية منها.

استهدفت الغارات مراكز أساسية ومباشرة للنظام، وكانت هذه أبرز الرسائل التي يلجأ الإسرائيلي إلى استخدامها في سياق المفاوضات الدائرة، فيعزز أوراقه

ومن المفارقات هنا، هو أنه بعد تعرضّ الحدود السورية العراقية إلى غارات كثيفة الأسبوع الفائت طالت مواقع ومقار ومراكز عسكرية إيرانية، بدأت إيران وحلفاؤها بإجراء عمليات انسحاب من تلك المواقع والمقار، وإزالة الأعلام واللافتات الإيرانية واستبدال أعلام النظام السوري بها، وكأن رفع علم النظام هو دافع الحماية من الغارات الإسرائيلية. طبعاً استهدفت الغارات مراكز أساسية ومباشرة للنظام، وكانت هذه أبرز الرسائل التي يلجأ الإسرائيلي إلى استخدامها في سياق المفاوضات الدائرة، فيعزز أوراقه.

أسئلة كثيرة تطرح حول السياسة الأميركية تجاه الملف السوري وتجاه إيران في عهد جو بايدن، تلك السياسة لم تتضح بعد، هناك تضارب في التقديرات والمعطيات، المؤشرات تفيد بأن التوجه هو للمزيد من التصعيد على مستوى العقوبات، وزيادة الضغوط والشروط بشأن الأسلحة البالستية والنفوذ الإقليمي والتوسع الإيراني في المنطقة. أما سورياً فالتقديرات تشير إلى التركيز الأميركي على دعم الأكراد بشكل كبير، وستسعى إلى ضرب ما تبقى من نفوذ النظام السوري في المناطق ذات الغالبية الكردية، مع تأكيد على أن النظام في أضعف حالاته.

لدى إسرائيل قناعة بأن فريق إدارة جو بايدن بكامل أعضائه من الذين يحبذون إيران والتفاهم معها، من سوزان رايس إلى رئيس الـ CIA.  في المقابل، هناك فريق آخر من أبرز المتشددين ضد إيران، كمستشار الأمن القومي، ورئيس الأركان في الجيش الأميركي، والذي يقال إنه كان صاحب الدفع الأكبر في سبيل اغتيال قاسم سليماني. وهناك من يعتبر أن هناك وقائع لا يمكن التنازل عنها بسهولة، وأي تنازل لا بد أن يقابل بثمن كبير بالحد الأدنى لن تكون هناك عودة إلى الاتفاق النووي كما كان سابقاً. هذا التضعضع أو عدم اتضاح الصورة، يشكل عامل تخوف لدى الإسرائيليين من السياسة الأميركية المقبلة، لذلك فهي ستبحث عن تحالفات جديدة ونسج علاقات متنوعة، فيما سيدفع هذا الخوف ببنيامين نتنياهو إلى تكثيف حملاته السياسية والإعلامية بهدف فوزه في الانتخابات التشريعية التي ستجري في شهر آذار.

بحال نجح نتنياهو في الانتخابات، فإن ذلك سيؤدي إلى تعاون روسي إسرائيلي كبير في سوريا، هذا التعاون سيكون له مجموعة نقاط، أولاً قد يستفيد منها بشار الأسد حتى العام 2022، سعي روسيا إلى التقارب أكثر مع سوريا، مقابل رفع منسوب المطالب الإسرائيلية بجعل إيران لاعباً ثانوياً في سوريا، وإضعاف نفوذها هناك.

في المقابل، لا بد من مراقبة التحالف الاستراتيجي التركي الباكستاني الأذربيجاني، وهو أيضاً موجّه ضد إيران في محاولة لتطويق نفوذها، وسينعكس سلباً على دورها في سوريا، مقابل الاندفاع أكثر إلى عقد اتفاق إيراني مع الإدارة الأميركية الجديدة، على قاعدة تقاسم النفوذ في العراق مع الأميركيين، ويبقى لبنان ساحة مفتوحة لمندرجات التفاوض. إيران وحزب الله سيستثمران بفريق بايدن الذي يحبذ أعضاؤه بغالبيتهم إيران على روسيا، وهذا عنصر في لعبة التجاذب والتفاوض في لبنان من خلال ادعاء إيران ومن خلفها حزب الله بأنهما يمنعان النفوذ الروسي في لبنان.

سيكون على واشنطن لعب دور الوسيط بين طهران وخصومها، وهذا حتماً لا يرتبط فقط بالملف النووي، ولا برفع العقوبات

هناك معطيات ميدانية لم يعد بالإمكان إغفالها، ولا يمكن الذهاب إلى اتفاق مع إيران بدون حصول كل هذه التطورات وفتح كل الملفات على المستوى الإقليمي، في ظل وجود وضع خليجي وغربي ضاغط ضد إيران. بالحد الأدنى أو بأحسن الظروف بالنسبة إلى إيران، فإنه في حال كانت هناك حماسة أميركية لعقد الاتفاق، سيكون على واشنطن لعب دور الوسيط بين طهران وخصومها، وهذا حتماً لا يرتبط فقط بالملف النووي، ولا برفع العقوبات. إنما يشهد العالم تطورات كثيرة، أبرزها الموقف الفرنسي الألماني المشترك من خروج إيران من الاتفاق النووي، والإعلان الصريح عن عدم جدوى العودة إلى الاتفاق كما كان، بالإضافة إلى مفاوضات تركية يونانية قبرصية في البحر الأبيض المتوسط، تحسين العلاقات التركية الفرنسية، بمساع أوروبية، هذه كلها سيكون لها انعكاساتها على واقع العلاقة بين واشنطن وطهران.