icon
التغطية الحية

المرضى النفسيون في إدلب بين فكّي الحرب والمجتمع |صور

2021.03.25 | 05:57 دمشق

imageonline-co-logoadded_28.jpg
إدلب - عز الدين زكور
+A
حجم الخط
-A

في زاوية لوحةٍ بانورامية في معرض أعمال فني خاص بالمرضى النفسيين والعقليين، أرادت "فاطمة" أن تضع بصمتها برسم رمزي يحكي خواطر معتقل داخل زنزانة مظلمة ينتظر سبيلاً قريباً للحرية، فكان القمر المطلّ من نافذة الزنزانة هو الأمل بريشتها، واليدان المقيدتان بأغلال مغمّسة بالدماء هما لذلك المغيّب خلف جدران المُعتَقل. كانت "فاطمة" بكل أسف، ترسم نفسها.  

"فاطمة" (اسم مستعار حفاظاً على خصوصيتها) كانت معتقلة سابقة في سجون النظام، وإحدى نزيلات وحدة الأمراض العقلية والنفسية للحالات الحادة قرب مدينة سرمدا شمالي إدلب، قبل أن تنهي فترة العلاج وتعود لحياتها الطبيعية تدريجياً.

وعلى الرغم من فترة الاعتقال القصيرة التي لم تتجاوز 6 أشهر لدى النظام، فإنها كانت كفيلة بتحطيم "فاطمة" وزرع شعور العجز بنسبة مرتفعة ودخولها في حالة مرضية شخّصها النفسيون المختصون بـ "اكتئاب جسيم"، حاولت في إثر ذلك الانتحار وإنهاء حياتها.

أرخت ظروف الحرب والعنف المفرط من قبل النظام، على القوام النفسي لدى فئة واسعة من السوريين خلال السنوات الماضية، وتفاقمت الحالات المرضية بحسب تباين ظروفها الاجتماعية والاقتصادية، وفي المقابل لاقى هذا النوع من الأزمات الاجتماعية القائمة في حواشي الحروب تهميشاً كبيراً.

"لنرى بأعينهم"

بعد فترة من إقامتها في الجناح النسائي لوحدة الاستشفاء بدأت "فاطمة" تتماثل للشفاء وشهدت تحسناً ملحوظاً في حالتها النفسية، ما شجع القيمين على حالتها، على دمجها في ورش فنية وأنشطة ترفيهية تأخذ بها بعيداً عن واقعها التي تعاني منه، فكانت "فاطمة" إحدى المشاركات في معرض فنيّ لأكثر من ثلاثين مريضاً ومريضةً من الخارجين من وحدة الاستشفاء، بدأ الـ 23 من آذار بتنظيم من اتحاد منظمات الإغاثة والرعاية الطبية.

توضح "صفاء عساني"، عاملة دعم نفسي اجتماعي ومشرفة قسم الإناث في وحدة الاستشفاء؛ أن أكثر ما يعاني منه المريض هو "الوصمة الاجتماعية" المرافقة للمرض النفسي، وهو ما يدفعهم للتحفظ على أسماء وهوية المرضى.

وتقول لموقع تلفزيون سوريا: "أشعر بالحسرة على نظرة المجتمع لهؤلاء المرضى، ويحز في نفسي أن بعض الرسومات الجميلة ضمن المعرض لا يمكنني الكشف عن صاحبتها بسبب خصوصيتها وخوفاً من معرفة هويتها".

والغرض من المعرض الذي حمل عنوان "لنرى بأعينهم" هو معنويّ بامتياز، وزيادة الشعور لدى المريض النفسي أنه قادر على الإنجاز وغير مهمّش في المجتمع، وللإسهام في إعادة ثقته بنفسه، بحسب "عساني".

يضم المعرض أعمالاً فنية متعددة من نتاج المرضى النفسيين، وتشمل التطريز وحياكة الصوف والرسم بالألوان ورسم الخط العربي، وأشارت "عساني" إلى أن الرسم على وجه التحديد "كان عبارة عن تفريغ ما يجول في أذهان المرضى من أفكار ومشاعر وتعبير عنها في رسومات".

وحدة استشفاء وحيدة

انطلق عمل وحدة الاستشفاء في ريف إدلب قبل أربع سنوات، وما زالت الوحيدة في الشمال السوري، بحسب "علاء العلي" المسؤول الإقليمي لبرنامج الصحة النفسية والاجتماعية في "اتحاد منظمات الإغاثة والرعاية الطبية".

يشير "العلي" لموقع تلفزيون سوريا إلى أنّ الوحدة تستقبل الحالات الحادة فقط، كما أن مدة إقامة المريض النفسي أو العقلي ضمن الوحدة لا تتجاوز ثلاثة أسابيع وكحدٍّ أقصى الشهر الواحد، وذلك بناء على نظام ومعايير الوحدة في القبول، مرجعاً ذلك "لمحدودية الدعم وطبيعة المنح المقدم لوحدة الاستشفاء الذي ينص على هذه الفترة من العلاج فقط"، وأما الحالات المزمنة، فيتم متابعتها خارج الوحدة بفرق عيادات متنقلة. 

يوضح "العلي" وهو المشرف التقني في وحدة الاستشفاء أيضاً، أن عمل الوحدة يتلخص في برنامجين، الأول التداخلات الدوائية ويقوم عليها أطباء مختصون في رأب الفجوة وغيرها، أما البرنامج الثاني للعلاج فيكون من خلال فرق الصحة النفسية المدربة ضمن برنامج المشورة المطورة (برنامج التداخلات النفسية الاجتماعية) وفق منهجية التثقيف النفسي، مبيناً أن المعرض هو جزء من الأنشطة القائم عليها فرق الصحة النفسية المدرّبة ضمن برنامج "المهارات الحياتية" للمرضى النفسيين في وحدة الاستشفاء.

عيادات خارجية ومتنقلة.. أرقام وإحصاءات

تبلغ أعداد المراجعين شهرياً من المرضى، ضمن ما يعرف بـ"الاستشفاء الداخلي" نحو 14 مريضاً من الذكور والإناث، بعد قبولهم في قسم القبول.

أمّا القسم الثاني، فهو العيادة الخارجية التي تُحدد طريقة متابعة المراجعين، إما داخل الوحدة أو الاقتصار على المتابعة الخارجية، وتستقبل قرابة 200 مراجع شهرياً، إذ يجري متابعتهم من قبل أطباء مختصين أو فرق الصحة النفسية، بحسب الحالة.

ولا يغفل المشروع، وفقاً لمحدثنا "العلي" عن العيادات المتنقلة، فهناك خطّا سيرٍ لعيادتين متنقلتين مياومةً، تستهدفان مناطق جديدة في المخيمات أو دور الرعاية والمراكز الصحية في ريفي إدلب وحلب الغربي، ويراجعهما قرابة 180 إلى 200 مستفيد شهرياً.

الصدمة القوية

خلال إعداد التقرير حضرنا ما يعرف بـ "جلسة التثقيف النفسي" التي يقدّمها عامل نفسي اجتماعي في وحدة الاستشفاء ضمن العيادة الخارجيّة، للمريض "حسام" (وهو اسم مستعار حفاظاً على الخصوصية الشخصية للمريض)، الذي تعرض لصدمة قوية بعد قصف جوي شهده المكان الذي كان فيه قرب مدينة جسر الشغور غربي إدلب، ما أدى إلى إصابته باضطرابات نفسية وعصبية، تفاقمت بعد وقوع الطلاق مع زوجته وابتعاده عن أطفاله.

وعلى الرغم من أن فوبيا القصف والطائرات تلاشت عن "حسام" شيئاً فشيئاً، فإن هذه الصدمة القوية بعد تعرضه للقصف، تركت ندبة مؤذية غيرت مجرى حياته، وتركته وحيداً، بحسب ما أفاد خلال الجلسة، وهو الآن ضمن فترة العلاج المحددة للمريض ضمن الوحدة.

وقال "قتيبة إبراهيم" وهو عامل نفسي اجتماعي، لموقع تلفزيون سوريا، "إنّ طبيعة الجلسات ضمن العيادات الخارجية، والتي تكون بشكل أسبوعي تعتمد أحياناً على جوانب القوة الموجودة في المريض، أو باللجوء إلى استراتيجيات معينة للدعم الاجتماعي كالبحث عن أشخاص مقربين ليكونوا مصدر دعم، أو نشاط بدني متوازن يحافظ على الحالة المزاجية للمريض، وأيضاً تفعيل الأنشطة المحببة لديه".

وعن أبرز المشكلات النفسية البارزة على المرضى، أوضح "إبراهيم" أنها تلك المتعلقة بالظروف الصعبة التي مرت بها المناطق بسبب الحرب وتراكم المنغصات والضغوط على الشخص، إضافة إلى القلق ونوبات الهلع إثر القصف أو فقدان شخص عزيز، وكذلك تتعلق بالفقر وسوء الأوضاع المعيشية وتبعاته على الشخص، وكذلك الاضطرابات النفسية، "وهو ما نحاول تخفيفه من هذه المشاعر المؤلمة أو المزعجة التي يمر بها المريض".

هل الظاهرة عامة؟

يجيب محمد سليمان وهو يحمل دكتوراه في الصحة النفسية مقيم في إدلب، قائلاً: "يُعتبر المرض النفسي من الأمراض التي يمكن أن تزداد أعراضها في الأزمات والكوارث إذا عاش المريض ظروفاً غير طبيعية، لكن ليس بالضرورة أن تظهر الأعراض على جميع الأشخاص الذين يعايشون أزمات وكوارث، إنما بعض الأشخاص الذين من الممكن أن لديهم عوامل وراثية مؤهبة لظهور عوامل ذُهانية، وهي التي تجعل المريض يذهب لعالم آخر بعد أن يكون قد فشل في مواجهة الواقع".  

ويضيف لموقع تلفزيون سوريا: "لا شك أن الأزمات تسهم في تفاقم هذه الأعراض بسبب ظروف تكون أكبر من قدرة المريض".

ومن أبرز المعوقات المعترضة لمواجهة الأمراض النفسية، بحسب "سليمان"، عدم وجود دور استشفاء كافية ولفترات مفتوحة، في وقتٍ تبرز فيه الحاجة إلى زيادة أعداد العيادات النفسية المهتمة في تحسين أحوال هؤلاء المرضى، ومن جهة أخرى الحياة المعيشية والظروف العامة للسكان من الممكن أن تسهم في زيادة هذه الأعراض، مبرزاً أهمية الوعي ونشره في المجتمع للحد من هذه الأعراض والأمراض.