المراهنون على اللجنة الدستورية

2020.10.12 | 00:02 دمشق

ghyr-bydrswn.png
+A
حجم الخط
-A

لم يتعظ المراهنون على اللجنة الدستورية من سلوك وفد النظام خلال اجتماعاتها الثلاثة التي عقدت في جنيف، حيث قدم أكثر من دليل على مماطلاته وتسويفاته، المعبرة على رفض نظام الأسد الانخراط الفعلي في أعمالها. وسبق لهذا النظام أن قام بنفس الممارسات في جميع جولات مفاوضات جنيف الأممية الماراثونية، التي بدأت في شباط / فبراير عام 2014 وانتهت آخر اجتماعاتها في فيينا في يناير/ كانون الثاني من عام 2018 دون أن تثمر شيئاً لصالح القضية السورية.

المشكلة هي أن من راهن – وما يزال - على اللجنة الدستورية اعتبر مجرد تشكيلها انتصاراً للشعب السوري، بوصفها بوابة للحل السياسي في سوريا، والقناة الوحيدة الموصلة إلى التغيير السياسي المنشود، وساهم بنشر رسالة واهية عن حقيقة اللجنة وعملها ومهامها، بينما في حقيقة الأمر لم تقم اللجنة بمناقشة أي قضية دستورية في جولاتها الثلاثة التي عقدتها، وحاول خلالها وفد النظام حرفها نحو مناقشة قضايا غير دستورية، مثل الركائز والثوابت والمبادئ الوطنية، التي استخدمها ذريعة لمنع اللجنة من تناول قضاياها المنوطة بها، وذلك بغية تحويلها إلى "وسيلة لكسب الوقت يجري تحت إسمها إعادة إنتاج النظام"، حسبما عبّر عن ذلك بيان لمجموعة من المعارضين السياسيين في بيانهم الذي أصدروه مؤخراً. 

والأنكى من ذلك هو أن بشار الأسد نفسه لم يتوانَ عن توجيه ضربة قوية لجهود المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، التي كانت تهدف إلى عقد جولة رابعة للجنة في الخامس من شهر أوكتوبر/ تشرين أول الجاري، حيث لم يوافق على عقدها وحسب، بل اعتبر أن وفد النظام يرفض مناقشة قضايا "تخص استقرار سوريا"، الذي يراه في استمرار نظامه قتل السوريين وإطالة وتعميق مأساتهم التي تسبب بها.

ولا شك في أن نظام الأسد قَبِلَ على مضض الانخراط في اللجنة الدستورية، لأنها منتج روسي عما سمي مؤتمر الحوار السوري الذي عقد في يناير/ كانون الثاني 2018 في سوتشي. وحين تشكلت اللجنة بعد مخاض طويل وتدخلات دولية، لم يعترف النظام بوفد المعارضة، الذي يصرّ على تسميته "الوفد التركي"، ورفض كذلك الاقرار بالوفد الذي يمثله، حيث يسميه "الوفد المدعوم من الحكومة" و"الوفد الوطني"، في إشارة إلى نزع الصفة الوطنية عن الوفد الآخر. وكل ذلك من باب التملص والتنصل والمماطلة. يضاف إلى ذلك أن سلوك واطروحات وفد النظام في اجتماعات اللجنة الدستورية، قدمت أكثر من دليل ليس فقط على رفض نظام الأسد الانخراط الفعلي في أعمالها، بل ورفضه أي استحقاق سياسي، حيث سبق وأن اعترض

يعي أغلب المراهنين على اللجنة الدستورية أن نظام الأسد لا يقيم أي اعتبار للجنة الدستورية، ويتعامل معها بوصفها لعبة سياسية، كما أنه لا يقيم وزناً لأي جهد سياسي.

بشار الأسد على "المبادرات السياسية"، قُبيل انطلاق الجولة الثالثة من اجتماعات اللجنة الدستورية، بحجة أنها تحولت - حسب زعمه - إلى مجرد "خزعبلات سياسية، بفضل الولايات المتحدة ووكيلتها تركيا وممثليهما في الحوار"، ولم يخفِ استخفافه بالعملية السياسية حين اعتبرها مجرد "ضجيج وغبار يثار من وقت لآخر، لم يحمل معه أي تبدل يذكر"، بل واعتبر أن المعارضين "ما لم يحققوه بالإرهاب لن يحققوه بالسياسة".

ويعي أغلب المراهنين على اللجنة الدستورية أن نظام الأسد لا يقيم أي اعتبار للجنة الدستورية، ويتعامل معها بوصفها لعبة سياسية، كما أنه لا يقيم وزناً لأي جهد سياسي، يصبّ في سياق إنهاء حربه على السوريين، لأنه أصرّ منذ بداية الثورة السورية على الحل العسكري والأمني، وعلى التعامل مع جميع المبادرات السياسية باستهتار واستخفاف، لذلك ومنذ بداية مفاوضات جنيف مروراً باجتماعات أستانا وسوتشي وصولاً الى اللجنة الدستورية، لم يقدم أي خطوة باتجاه قبوله واعترافه بالحل السياسي، مستنداً في ذلك إلى الدعم الإيراني والروسي له، وظل يعمل على الدفع بإعادة الأوضاع في سوريا إلى ما قبل عام 2011، وإدامة الوضع الكارثي فيها.

غير أنه ومع كل جولة عقدتها اللجنة الدستورية، حاول المراهنون عليها، وخاصة المنخرطين فيها، إشاعة جوّ من التفاؤل، وذلك بناء على إشارات واهية كان يطلقها الساسة الروس أو الأميركيون أو المبعوث الأممي السابق ستيفان ديمستورا أو الحالي غير بيدرسون. وكان مجرد انعقاد جولة لها أمر يبعث على تفاؤلهم لديهم، لكن بعد انفضاض كل جولة من جولاتها الثلاثة دون إحراز أي تقدم يذكر، كان بعض المراهنين يلوذ بالصمت، فيما يبحث آخرون عن مختلف الحجج والأعذار، ويحاولون من أجل تبرير مراهنتهم عليها وانخراطهم فيها، تسويق أعذاراً واهية، تلقي باللوم على المجتمع الدولي، وخاصة الدول المتدخلة بالقضية السورية، التي لا تملك الرغبة في حل القضية السورية، وأنها لو أرادت إنجاح العملية الدستورية وتحقيق تسوية سياسية لفعلت ذلك، سواء رضي النظام أم أبى، وأنهم مضطرون للانخراط وظيفياً في العملية الدستورية بوصفها خياراً دولياً مجمع عليه، وأنهم يعانون الأمرين مراعاة لما يريده المجتمع الدولي، وأنه بوجودهم أو بوجود غيرهم، فإن الأمور لن تتغير طالما أن القوى الدولية المتدخلة لا تريد غير ذلك!

المشكلة هي أن المراهنين على اللجنة الدستورية والمنخرطين فيها، ينظرون إلى القضية السورية وكأنها باتت مجرد لعبة دولية، وهم مضطرون بحكم دورهم الوظيفي للمشاركة فيها، لذلك يحاولون تسجيل نقاط على نظام الأسد من خلال إظهار واقعيتهم، عبر الانصياع لما تريد الدول المؤثرة والفاعلة في القضية السورية. وعلى هذا الأساس سبق للمعارضة السورية، تحت ذريعة الواقعية، أن قدمت تنازلات سياسية عندما قبلت بالسلال الأربعة التي اجترحها المبعوث الأممي السابق إلى سوريا، ستيفان دي ميستور، خلال الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف التي عقدت في آذار/ مارس 2017، ومثّل ذلك انتكاسة في مواقفها، لأن سلال دي ميستورا أفضت إلى تفتيت بيان جنيف1، والقرار الأممي 2118 ومعه القرار 2254، الذي نص على تشكيل هيئة حكم انتقالي، ومرحلتين، تفاوضية وانتقالية، بسقف زمني محدد، حيث جرى التغاضي عن كل ذلك، تحت ضغط روسي ورفض نظام الأسد. وقادت التنازلات باسم الواقعية المعارضة إلى تمييع موقفها وتركيبتها، عبر ضم منصة موسكو إلى هيئة التفاوض، لينتهي الأمر بها إلى قبول المسار الدستوري الذي اجترحته موسكو، بوصفه المسار الوحيد المتاح والحصري للحل السياسي في سوريا. وبالرغم من مرور أكثر من عام على تشكيلها، فإنها اللجنة الدستورية لم تنجز شيئاً سوى اللعب على الوقت والمماطلة والتسويف، ومع ذلك ما يزال المراهنون عليها والمنخرطون فيها يستميتون في الدفاع عنها.