المخرجة ويسلز: سعيدة لأنني منعت وصول صوت القاتل إلى المهرجان

2019.10.19 | 18:39 دمشق

156329163592.jpeg
+A
حجم الخط
-A

انتهت في مدينة "مالمو" السويدية أعمال الدورة التاسعة  لمهرجان مالمو للسينما العربية (MAFF)، هذا المهرجان الذي انطلقت دورته الأولى في عام 2011، وهو المهرجان الذي يهتم بالأفلام المنتجة في بلاد عربية، والأفلام التي تطرح قضايا عربية مع أنها صناعة غير عربية، وهو من أكبر  المهرجانات الأوروبية التي تهتم بالسينما العربية، ومن أشهرها، وهو أكبر منصة عرض للسينما العربية خارج الوطن العربي، إضافة إلى أنه المهرجان الوحيد- حتى اللحظة- في الدول الإسكندنافية الذي يشتغل على التعريف بالأفلام العربية.

شارك في الدورة الحالية للمهرجان، 47 فيلماً: (25) منها للأفلام الطويلة، و(22) للأفلام القصيرة. واستمر المهرجان في مسابقاته الثلاثة الرئيسة: الأفلام الروائية الطويلة، والأفلام الوثائقية الطويلة، والأفلام القصيرة.

لعل أبرز ما ميز دورة المهرجان في هذه السنة، هو أن آثار التراجيديا السورية كانت حاضرة فيه فشغلت القائمين عليه، والرأي العام، وأشعلت وسائل التواصل الاجتماعي.

فقد فوجئت "يوشكا ويسلز" مخرجة الأفلام الوثائقية، والكاتبة والباحثة والمحاضرة في جامعة "مالمو"، التي عاشت في أحياء حلب القديمة نحو خمس سنوات، والتي تتحدث العربية، بسحب فيلمها "هروب من السويد" من المشاركة في المهرجان، بعد أن رهنت مشاركتها في المهرجان بإلغاء مشاركة فيلم النظام السوري "مسافرو الحرب" عبر مخرجه "جود سعيد"، الذي هو نفسه مخرج فيلم" مطر حمص"، الذي كان قد أثار مشكلة كبيرة في مهرجان قرطاج 2017، عندما احتج المخرج السوري "سامر عجوري"، فانسحب من المهرجان، ورفض أن يشارك بفيلمه ( الولد والبحر)، الذي يعالج مأساة الطفل آلان، احتجاجاً على مشاركة فيلم جود سعيد" مطر حمص"، إنتاج المؤسسة العامة للسينما، وبطولة: محمد الأحمد، ولمى الحكيم، وحسين عباس، وفرح دبيات وغيرهم،  سيناريو وحوار المخرج نفسه بمشاركة من آخرين، وهو الفيلم الذي حاول المخرج من خلاله غسل يد النظام من جريمة تدمير مدينة حمص وتهجير أبنائها، بتركيزه على دور الجهاديين في تدمير حي مسيحي وقتل سكانه وتشريدهم ومحاصرة من بقي منهم(شاب وشابة وطفلان وكاهن كنيسة)؛ فأعطى بذلك بعداً طائفياً هو أساس استراتيجية السلطة السورية في التضليل؛ الأمر الذي أثار المخرجة المصرية "كاملة أبو ذكري"- عضو لجنة تحكيم مهرجان قرطاج في دورته الثامنة والعشرين- فخرقت ما يحظر على أعضاء لجان التحكيم، وأعلنت عن رفضها مشاركة فيلم " مطر حمص"، ونددت به، بما كتبته على مدونتها على حسابها الرسمي في مواقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: «النظام السوري عامل فيلم اسمه "مطر حمص"، عمل فيلم ويدخله مهرجانات، ويأخذ جوائز بقى، ويقولك فيلم مهم، فيلم كاذب، يريد أن يعميك عن دم الأطفال ودم العائلات، عن دم شعب أخوك، ربنا يجيب لسوريا العدل والأمان، ونرجع نروح سوريا اللي رحتها كتير، وعشقت شوارعها وناسها، كلمة أخيرة من مخرجة لمخرج أرخص أنواع الفن هو فيلمك، تعمل فيلم كذاب لتجمل نظاماً وحشياً، يقتل في شعبك وبلدك، فيلم اللمبي برقبتك».

ولأن الفيلم ذاته قد حصل على موافقة المشاركة من لجنة مهرجان القاهرة السينمائي، فقد هددت- المخرجة كاملة- بمنعه، فأوفت بوعدها...غير أنه شارك في الأنشطة الموازية.

وإذا كانت المخرجة المصرية كاملة أبو ذكري قد استنفرت، واحتجت، وتمردت؛ لأنها تعايش الاستبداد؛ فهي تعرف أساليبه وأكاذيب دعاته؛ فإنها تدافع عن نفسها بدفاعها عن الحقيقة. 

الهدف من هذا الفيلم (هروب من السويد) هو وضع الأشخاص الذين لم يعيشوا تجربة اللجوء بشكل واقعي

الأمر الذي يتكامل مع فضاء آخر أحيته ووسعته التراجيديا السورية، هو فضاء: التعاطف الإنساني، وهو ما تضيف إلى ألوانه وعلاماته وقيمه المخرجة السويدية "يوشكا ويسلز" في مهرجان مالمو، التي تقول: إن الهدف من هذا الفيلم (هروب من السويد)، هو وضع الأشخاص الذين لم يعيشوا تجربة اللجوء بشكل واقعي، في حالة افتراضية لهذه المأساة المريرة، وهذا من شأنه أن يسهم بامتلاكهم لفهم أدق وأعمق للمأساة التي يعيشها اللاجئون القادمون إلى السويد.

لقد عرض الفيلم "هروب من السويد" في مدن سويدية، وقد لقي اهتماماً كبيراً من الإذاعة والتلفزيون الوطنيين، وفاز بجائزة أفضل فيلم في مهرجان "pixle" في مدينة (مالمو) سنة 2018.

فيلم "هروب من السويد" هو الفيلم الذي أرادت مخرجته المشاركة به في دورة مهرجان مالمو التاسعة قالت إنها دعيت إلى المشاركة في المهرجان، وأنها بدأت تستعد للمشاركة، وقامت باستئجار عدد من النظارات التي تلزم لمشاهدة الفيلم، لكنها فوجئت في زحمة استعدادها للمشاركة بوجود فيلم "مسافرو الحرب" للمخرج "جود سعيد"، وهو الذي يبذل جهده في كل أفلامه؛ لكي يدافع عن النظام السوري، ولكي ينشر وقائع مضللة عن الصراع في سوريا، ولكي يطمس الجريمة التي ارتكبت بحق سوريا والسوريين.

صور فيلم (مسافرو الحرب) في مدينة حلب، وحكايته تدور حول كهل سوري، قد تقاعد من وظيفته؛ فيهرب من حلب إلى قريته، ولا يصل إليها، بل يحاصر في قرية مدمرة مع آخرين... الفيلم من تمثيل: أيمن زيدان، ولينا حوارنة، وآخرين...

لهذا، قامت المخرجة بإبلاغ إدارة المهرجان برفضها عرض فيلمها جنباً إلى جنب مع فيلم مخرج يبرر الجريمة التي ترتكب بحق شعب، التي هي جريمة إبادة جماعية، وهي جريمة تهجير... وقد طالبت مع أصوات عديدة بمنع فيلم "مسافرو الحرب" ومخرجه "جود سعيد" من المشاركة في مهرجان مالمو، فتم إلغاء مشاركة فيلم جود سعيد لكن إدارة المهرجان سحبت فيلم "هروب من السويد"  كرد على المطالبة بسحب فيلم "مسافرو الحرب".

تقول يوشكا: يؤسفني أن تقوم إدارة المهرجان بإلغاء مشاركة فيلمي "هروب من السويد" لكنني سعيدة؛ لأنني استطعت أن أمنع صوت القاتل من الوصول إلى المهرجان. 

هناك فيلم سوري آخر أثارت مشاركته في مهرجان مالمو موجة احتجاج كبيرة، هو فيلم "الحبل السري" لمخرجه "الليث حجو"، لكن الفيلم تم عرضه ضمن فعاليات المهرجان، وكأن إدارة المهرجان تتعمد إيصال صوت القاتل متجاهلة مأساة الشعب السوري وحقيقة ما يحصل في سوريا. 

مرة أخرى يواجه السوريون في مأساتهم من يتاجر بدمهم وبدمار وطنهم، ما يفجع في هذه المتاجرة أن معظم من يقوم بها هم سوريون، لكن ثمة ما يبقي على بعض الأمل، أنها الأصوات التي لا تزال تصرُّ أنه عندما تتخلى الثقافة عن دورها في الانتصار لقيم الإنسانية فإنها تفقد غايتها وهدفها.

كلمات مفتاحية