المجتمع المدني السوري خلال كارثة الزلزال وتضليل النظام

2023.02.10 | 05:58 دمشق

المجتمع المدني السوري خلال كارثة الزلزال وتضليل النظام
+A
حجم الخط
-A

نجح النظام في تحطيم وتغييب المجتمع المدني السوري طوال نصف قرن، وفي عهد بشار الأسد نجح هذا النظام في تحطيم الدولة وتغييبها، وخلال الحرب استولت الأجهزة الأمنية والعصابات التي تعمل بإشرافها أو في فضائها على الدولة.

هذه العصابات والأجهزة القائمة على الهيمنة والاستكبار والقمع والقتل والنهب واللصوصية، عملت على تغييب أي صوت حر (اعتقلت قبل أيام أمين صقر حسن من مدينة جبلة) ومنع أي مبادرة بغاية تجميد المجتمع حتى موته.

ورغم ذلك فقد ظهرت فاعلية المجتمع المدني داخل مناطق النظام وفي مناطق المعارضة في أثناء مواجهة تداعيات كارثة زلزال تركيا سوريا 6 شباط 2023 ففي وقت ظهر فيه جليا غياب الدولة، استنكفت أجهزة النظام السوري عن تقديم أي مساعدة حقيقية للضحايا تحت الأنقاض بحجة غياب المحروقات، فلم تقدم الجهات الحكومية التابعة للنظام في اليومين الأولين عقب الزلزال. أي خدمة ولم تقم بأي عمل لمساعدة المنكوبين، باستثناء ما نقله شريط مصور في حي دمسرخو في مدينة اللاذقية، لرافعة وباجر يرفع أنقاض بناء مهدم (حتى هاتين الآليتين من المحتمل أن تكونا لمتعهد وقد استؤجرتا على نفقة أشخاص) فمعظم أعمال الإغاثة وإنقاذ العالقين تحت الردم والأنقاض في مناطق الساحل مثلا، قامت بها مجموعات مدنية قادمة من القرى وبعض الأحزاب المؤسسة مؤخرا المحسوبة على النظام، وكذلك أفراد تابعون لأحزاب قديمة.

دعوات من المجتمع المدني:

اشتعلت صفحات الفيسبوك التابعة لناشطين معارضين بأخبار الضحايا والأماكن المنكوبة وبطلبات المساعدة وبعروض المساعدة للمنكوبين، بحيث ظهرت قوة وفاعلية صفحات التواصل في نقل أخبار الزلزال وتقديم المساعدة للمتضررين، حيث نشر الناشطون أسماء أشخاص مستعدين لتقديم المساعدة مع أرقام هواتفهم داخل مناطق النظام وفي مناطق المعارضة شمال غرب سوريا.. وقام بعضهم بإطلاق مبادرة لإقامة مطبخ يقدم وجبات للمتضررين في مدينة اللاذقية، وقام آخرون بحملات تبرع مالي وعيني في ألمانيا ...

أما على الأرض في داخل مناطق النظام فقد خرجت أصوات محتجة أو غاضبة من لا مبالة المسؤولين أمام الكارثة..

وكان الصحفي الناشط كنان وقاف خرج ببث عبر صفحته لتوجيه رسالة للمسؤولين للتحرك لمواجهة تداعيات الزلزال والقيام بمسؤولياتهم، طالبا منهم طمأنة المواطنين الذين حسب قوله ملؤوا شوارع مدينة طرطوس منذ اللحظات الأولى للزلزال رغم الجو الممطر والبارد وغادر أكثرهم إلى القرى.. وتفاوتت التعليقات على نداء الصحفي وقاف بين مهاجم له وساخر من المسؤولين.

كما خرجت رئيسة أحد الأحزاب المحسوبة على النظام في بث مباشر عبر صفحتها تطالب فيه رجال الأعمال والتجار "الذين استفادوا خلال الحرب" -بحسب تعبيرها- بتقديم مساعدة فورية للمنكوبين.

الجهة المدنية الوحيدة التي تم التأكد من تقديمها للمساعدة كانت غرفة صناعة حلب، الذي كان رئيس غرفتها فارس الشهابي وجه نداء للصناعيين للتبرع لصالح منكوبي الزلزال.. إضافة لأخبار غير مؤكدة عن تبرع فنانين أمثال جورج وسوف ووائل رمضان وسارية سواس بمبالغ مالية كبيرة.

ومنذ اليوم الأول لوصول المساعدات إلى مناطق النظام تداول ناشطون عبر صفحاتهم تعليقات ترجح سرقة القسم الأكبر من تلك المساعدات.. وهو ما حدث فعليا في مدينة جبلة حيث قامت جهات مسؤولة بتلقي المساعدات من الهلال الأحمر السوري لتعيد شحنها في سيارات خاصة إلى أماكن لم تعرف بعد.

وفي إحدى القرى المنكوبة في الساحل قام مختار القرية بسرقة جزء ليس بقليل من المعونات الواصلة للمتضررين وتوزيعها على معارفه وأقربائه أو تخزينها بانتظار بيعها لاحقا.. ولم يُجدِ احتجاج العائلات المجتمعة في مركز استقبال المعونات نفعا في ردع المختار، رغم وجود عناصر من الشرطة والجيش في المكان.

تضليل ودعاية النظام لمواجهة اللا فعل:

وفي وقت غابت فيه أي فاعلية للنظام في مساعدة الضحايا سعى عبر إعلامه لممارسة تضليله المعتاد، فطالبت وسائل إعلامه وكذلك صفحات فيسبوكية تابعة له، كلاً من أميركا وأوروبا بفك الحصار.. في وقت لم يطالب إعلاميوه المساعدة من روسيا أو ايران مثلا..

الخرق الوحيد سجلته صفحة فيسبوك اسمها "الأسد قسورة" وصفحة "اللاذقية تتحدى الكورونا" والتي يديرهما شخص واحد من آل إسماعيل، قدم مساعدة محدودة وفردية لمن يرغب، مقابل تحقيق شهرة ونفوذ معنوي ضمن آلاف المتابعين له من الفقراء لكنه بالمقابل يقدم خدمة كبيرة للنظام في توجيه هؤلاء المتابعين وتضليلهم بأخبار تنفيسية وتزييف لوعيهم ..

وحين حاولت صفحة اللاذقية L.n.n القيام ببث مباشر من شوارع اللاذقية لتغطية وقائع نزول الناس إلى الشارع جاءت الأوامر بإيقاف البث ومنع نشر أي خبر في الصفحة لعدة أيام.

في وقت خرج فيه شخص يبدو أنه تابع لجهة أمنية أو تلقى أوامر من جهة أمنية ما، خرج في بث مباشر عبر صفحته موجها نداء يطمئن فيه متابعيه في مدينة جبلة مفاده أن كل شيء على ما يرام وأن الأجهزة المعنية تقوم بعملها في كل الأماكن التي دمرت فيها الأبنية، كما وجه هذا الشخص نداء يرجو فيه من متابعيه عدم الاقتراب من تلك الأماكن المنكوبة، دون أن يوجه كاميرته إلى أي من تلك الأماكن لنحظى ولو بصورة واحدة عن عمل تلك "الجهات المختصة".. في وقت انتشر فيه خبر غير مؤكد في صبيحة اليوم الأول للزلزال عن قدوم وزير دفاع النظام إلى مدينة جبلة، متزامنا مع انتشار خبر وفاة أربعة أطباء مع عائلاتهم تحت أنقاض بناء واحد كانوا يسكنون فيه بالمدينة.