المتغير الراهن في تونس وأهداف تركيا الاستراتيجية

2021.07.30 | 05:23 دمشق

001-23.jpg
+A
حجم الخط
-A

لا شك أن التغير المفاجئ والسريع في المشهد السياسي التونسي يعكس حالة التراكمات الداخلية والخارجية فيها ويعكس خريطة التحالفات السياسية الداخلية والخارجية للأحزاب السياسة التونسية أيضا، ولا يمكن فصل المتغير التونسي عما يجري في المنطقة العربية من تحولات سياسية تؤثر بشكل مباشر على القراءة الخارجية للمشهد السياسي للدول الإقليمية.

تركيا بحال من الأحوال جزء متداخل في هذا المشهد فهي تدعم الائتلاف الحكومي القائم هناك وطبعاً حزب النهضة التونسي وهذا ما جعل التوتر التركي الفرنسي يحتدم ويزداد، ففرنسا تدعم إضافة إلى الفرانكوفونيين أيَّ تيار يكون معارضاً للنهضة، وهذا التنافس ليس وليد اللحظة، بل منذ تشكّل ما سُمي بحكومة الترويكا وزاد مع وصول الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي،

من جهة ثانية لا يمكن فصل أي تحرك أو قرار أو حتى تغيير سياسي في تونس عن المشهد الليبي الذي يعد هو عقدة الصراع بين الدول المحيطة بتونس إقليمياً وحدودياً، فتونس تمثل العمق الاستراتيجي لكل من الجزائر وليبيا وعدم اتساق موقفهما الرسميين بخصوص ما يحدث في تونس لا يصب في خانة تسريع وجود حل فيها. وهنا ستبدأ المخاوف التركية لأن مصالحها في كل بلد ستهتز فهذه المصالح مترابطة كسلسلة فيما بينها.

على الطرف الآخر، تدرك دوائر صناعة القرار السياسي في أنقرة التجاذبات الإقليمية في تونس خاصة العربية منها أي دولتي مصر والجزائر على وجه الخصوص، فلكل من هاتين الدولتين توجه سياسي يتعارض مع الآخر في تونس ومن هذه النقطة صارت تركيا مجبرة على أن تختار أحد هذين التوجّهين ودعمه، فلم تعد هناك حلول وسط وطبعاً يُعدّ المسار الجزائري أكثر توافقاً مع المصالح التركية في المنطقة أي ملفَّي تونس وليبيا. فما يثير قلق تركيا في الحقيقة ليس مسألة تجميد نشاط البرلمان التونسي وسحب الحصانة من البرلمانيين، بل هل أن ما قام به الرئيس التونسي سيصبح سنة متبعة هناك؟ أي هل أنه كلما فشل برلمان منتخب أو تعارض سياسياً مع رئيس البلاد سيقوم الأخير بإيقافه وتعطيل عمله لمدة شهر أو أكثر والبلاد أساساً تعاني مشكلات متعددة سياسية واقتصادية؟

أما تركيا والتي لديها ٤٨ سفارة في القارة الأفريقية فتحاول تعزيز دورها وتقوية الوجود الاقتصادي فيها، وهذا لن يكون بالأمر السهل فالمنافسون أقوياء والمقصود هنا الصين وروسيا وحتى إسبانيا وهنا لا يمكن وضع فرنسا في منزلة المنافس، بل هي أكثر من ذلك فهي صاحبة نفوذ وتعدّ أفريقيا حديقتها الخلفية وأن هذه الدول جاءت لتنافسها. تركيا كدولة مسلمة حظوظها كبيرة عند مسلمي القارة الذين سئموا الوجود الفرنسي المتحكم بهم وبثرواتهم، وعلى تركيا أن تكون حاضرة بجودة بضائعها والرابط الروحي على حدٍّ سواء، ففرنسا لن تدّخر أدنى جهد في سبيل إخراج تركيا من المشهد هناك وتحالفاتها مع مصر واليونان وحفتر وغيرها من أحزاب سياسية قائمة وستزداد مع الأيام المقبلة.

على الصعيد الداخلي تأتي هذه التغيرات في وقت تزيد فيه المعارضة التركية من وتيرة نقضها وهجومها على الأداء الحكومي داخليًا وخارجياً ولا شك أن أي فشل في أي ملف ستكون فرصة إضافية للمعارضة من أجل الضغط نحو انتخابات مبكرة. فرئيس أكبر الأحزاب المعارضة كمال كليتشدار أغلو يريد أن يعيد السوريين إلى بلادهم وهذا يعني أنه سيُعيد اليمنيين والليبيين والمصريين وهذا لن يكون دون تطبيع علاقات سياسية مع الطرف المعادي للحكومة التركية في تلك البلدان وهنا تكتمل صورة المحاور المتشكلة إقليمياً في المنطقة. أما حكومة العدالة والتنمية فعليها زيادة التنسيق مع الجزائر ودولة المغرب أيضاً فكلاهما لديه حضور مهم جداً في المنطقة لأن الدور القادم على ليبيا التي ستخوض استحقاقا انتخابيا آخر هذا العام والكل في سباق تنافسي محموم لإقصاء الآخر.

ويبقى الدور الأخير للولايات المتحدة الأميركية التي تحاول وفق سياستها الجديدة التحكم بأي مشهد سياسي عن بعد فتزيد الجرعات أو تنقصها وفقاً لقراءتها وأهدافها الاستراتيجية.

كلمات مفتاحية