المؤشر العربي: المواطن العربي متمسك بالديمقراطية وشخصيته السياسية مستقلة

2023.01.06 | 06:12 دمشق

المؤشر العربي
+A
حجم الخط
-A

أعلن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، قبل يومين، نتائج استطلاع المؤشر العربي 2022 الذي أجري في 14 دولة عربية. وهو استطلاع يجري لمعرفة توجهات الناس في العالم العربي حول القضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والدينية الهامة التي تشغل بالهم. ومما يلفت الانتباه في نتائج هذا الاستطلاع أنها قدمت أرقاما لم يكن يتوقعها الإنسان العربي عن نفسه، مثلما كشفت لنا بأن الإعلام والرأي العام والمراكز البحثية الغربية تقدم توصيفات معرفية وسياسية عن العربي، أقل ما يقال عنها أنها خاطئة، إن لم نقل مسيسة. والمقال هو قراءة تحليلية سريعة لنتائج المؤشر العربي.

في البداية لا بد من القول إن هذا الاستطلاع، الذي يجري بشكل سنوي منذ عام 2011، يعد الأكبر على مستوى المنطقة، وقد أجري هذا العام على أكثر من 33 ألف مستجيب ومستجيبة، وأن هناك المئات من الباحثين الذين شاركوا في جمع بياناته، ولا توجد استطلاعات تجاري ضخامته في العالم العربي. 

تبين أرقام المؤشر العربي أن العرب قلقين من الأوضاع السياسية في بلدانهم. إذ قال نحو 50 بالمئة من المستطلعة آراؤهم بأن الوضع السياسي في بلدانهم "سيئ" و "سيئ جدا"، وأن تلك النسبة ترتفع بشكل مخيف لتصل إلى 74 بالمئة في بلدان المشرق العربي. هذا يعني أن الكلام المستمرة منذ سنوات من خلال التلفزيونات ووسائل الإعلام العربية التي تعطي انطباعا بأن الأوضاع العامة في العالم العربي مستقرة وتتحسن، وأن هناك رضى عاما للسكان المحليين تجاه حكوماتهم، هو في النهاية كلام غير صحيح، ولا يعبر عن حقيقة مشاعر العربي ومخاوفه السياسية. وبالتالي لا يعدو كونه نوعا من خداع للعربي، وأن عليه ألا يقلق من الأوضاع على الرغم من أنه يراها سيئة بأم عينيه.

تقول نتائج المؤشر أن نحو 72 بالمئة من العرب يرون أن الديمقراطية تناسب البلدان العربية أكثر من غيرها من الأنظمة

أما أكثر قضية حساسة يتوقف عندها المؤشر العربي فهي قضية الديمقراطية، لما لهذه النقطة من أهمية سواء بالنسبة للعرب، أو بالنسبة للمهتمين وصُناع السياسة في المنطقة وعلى مستوى الفاعلين الدوليين. تقول نتائج المؤشر أن نحو 72 بالمئة من العرب يرون أن الديمقراطية تناسب البلدان العربية أكثر من غيرها من الأنظمة، في حين يرى 19 بالمئة فقط أن الأنظمة الديمقراطية لا تناسب المنطقة. مثلما تقول النتائج بأن نحو 31 بالمئة فقط يقبل بنظام حكم تقوده أحزاب إسلامية في حين أن نحو 61 بالمئة يرفضون ذلك، وأن نحو 38 بالمئة يقبلون بنظام حكم يقوده الجيش في حين أن نحو 53 بالمئة يرفضون ذلك.

ويبدو من هذه النسب أن قضية الديمقراطية أصبحت بالنسبة للعربي أهم بكثير من الأيديولوجية. وهي قضية قد تفاجئ – للأسف - حتى بعض النخب السياسية العربية. فمثل هذه النتائج تبين وبوضوح أن موجات الربيع العربي لن تفضي إلى أنظمة حكم إسلامية بالضرورة، وأن على الأحزاب الإسلامية تحدي نفسها والانفتاح أكثر على الديمقراطية لكي تواكب هموم وطريقة تفكير العربي بشؤون السياسة. مثلما تبين، مثل تلك النتائج، أن على النخب السياسية المعارضة عموما أن تثق بالإنسان العربي أكثر من عملها على تمثيله وحسب، بحيث تتعامل مع الثقافة السياسية الشعبية على أنها مساندة للديمقراطية وليس على أن العربي غير مستعد للديمقراطية كما تقول الثقافة السياسية لأنظمة الحكم العربية. لا سيما أن المؤشر العربي يبين أيضا أن أكثر من نصف العرب ما يزالون يرنون باتجاه موجات الربيع العربي ويراقبونها بلهفة. 

كما تبين نتائج المؤشر العربي مدى انفتاح الإنسان العربي على قضايا حرية التعبير الدينية واحترام الاختلاف في قضايا العقيدة، حيث يرى 65 بالمئة من العرب أنه لا يحق لأحد "تكفير الذين ينتمون إلى ديانات أخرى"، وأن نحو 70 المئة يفضلون التعامل مع أشخاص غير متدينين، أو لا فرق لديهم فيما إذا كان الأشخاص الآخرون متدينين أم لا. وذلك على الرغم من أن 85 بالمئة من العرب يعرّفون أنفسهم على أنهم متدينون ومتدينون جدا.

ويبدو من هذه النسب أن الصورة المتداولة عن الثقافة الشعبية العربية بأنها ثقافة متعصبة دينيا، ومغلقة في وجه المختلف ثقافيا، ولا تقبل حتى الترحم على غير المسلم، أو معايدته في أعياده الدينية، هي في حقيقتها صورة تتحامل على العربي، ولا تعبر عن مدى انفتاحه على الاختلافات الدينية والثقافية وتفهمه لها. مما يعني، في نهاية الأمر أنه لا يوجد رابط بين نسبة المتدين المرتفعة وبين التعصب الديني.

كما توضح تلك النسب، من جهة ثانية، أن خطب غالبية مشايخ الدين، و"بوستات" و"تغريدات" وفيديوهات" وسائل التواصل الاجتماعي تعبر عن الفئة القليلة من العرب، وليس عن الرأي الغالب بينهم. ولذلك يمكن القول: إن كشف المؤشر العربي عن هذه النسب يعدل من صورة العرب تجاه أنفسهم أيضا، وهي صورة يسعى كثير من الفاعلين السياسيين إلى تشويهها بغية وضعه في تناحرات وهمية ومخاوف سياسية مزيفة.

وإذا أتينا إلى قضية الفساد وتأثيرها على الوضع الاقتصادي والسياسي للعربي اليوم فإننا نجد أنه مدرك تماما لآثر الفساد في حياته ومستقبل أولاده. فقد بينت النتائج أن نحو 73 بالمئة قالوا إن الفساد الإداري والمالي منتشر في بلدانهم، مثلما قال 73 بالمئة أيضا إن دولهم لا تطبق القانون بالتساوي بين مواطنيها، وأن هذه النسبة ترتفع إلى 90 بالمئة في بلدان الخليج العربي الغنية.

ولا يمكن للمدقق في مثل هذه الآراء حول الفساد والقانون في العالم العربي إلا أن يخرج بانطباع لا يختلف حوله اثنان، ألا وهو أن الإنسان العربي اليوم لا يثق بحكومات الدول العربية الموجودة الآن، وأنه يحملها مسؤولية كبيرة في تراجع أوضاعه الاقتصادية، وبكلام أكثر وضوحا يرى أن حكوماته "تسرقه في وضح النهار"، الأمر الذي يجعله مهيئاً لأن ينخرط في أي عمل يحاسبها على فسادها.

72 بالمئة يعتقدون أنه ليس من حق الحكومات العربية استخدام الدين للحصول على تأييد الناس لسياساتها، وأن 80 بالمئة من سكان المنطقة يؤمنون بأن العرب أمة واحدة

ولعل من أهم النتائج التي يتوصل إليها المدقق في أرقام المؤشر العربي أن الوعي السياسي للعربي المعاصر مرتفع بشكل أكبر بكثير مما هو متوقع. فنسبة من يعتقد بنظرية المؤامرة لا تتجاوز 1 بالمئة، وأن نسبة 48 بالمئة لا تثق بالمجالس البرلمانية العربي، وأن 72 بالمئة يعتقدون أنه ليس من حق الحكومات العربية استخدام الدين للحصول على تأييد الناس لسياساتها، وأن 80 بالمئة من سكان المنطقة يؤمنون بأن العرب أمة واحدة، وأن 84 بالمئة لا تقبل الاعتراف بإسرائيل، وأن 77 بالمئة يستخدمون الإنترنت للحصول على الأخبار والمعلومات، الأمر الذي يعكس رغبتهم المستقلة في تكوين شخصيته السياسية.

في النهاية يمكن القول إن نتائج المؤشر العربي تعد أهم وثيقة علمية ميدانية عن العالم العربي على الإطلاق، وأنه لا يمكن إلا أن تترك أثرها على الدراسات والبحوث التي تتناول المنطقة، مثلما هي وثقة تعيد للعربي ثقته بنفسه، في زمن سعت كثير من الأطراف النافذة على تخفيض درجة ثقته بنفسه، بغية أن يقبل على نفسه، بأن يُقاد من قبل سلطات فاسدة لا تحترم مواقفه السياسية، ولا مصالحه الوطنية.