المأمول من "قانون سيزر"

2019.12.25 | 22:15 دمشق

01025377_604559156331264_6184429896892771864_o.jpg
+A
حجم الخط
-A

وقع الرئيس الأميركي ترمب "قانون سيزر" بعدما مرّ من عتبة مجلس الشيوخ والنواب بعد أكثر من 3 سنوات من الشد والجذب وتعب مضن من "فريق سيزر" والجالية السورية بأميركا، ومنظمات وحقوقيون ساهموا ليصبح القانون على طاولة الرئيس، وفي الواقع فالإطار الزمني الذي جعل هذا القانون يصل لما وصل إليه اليوم مدعاة للانتصار لمن عمل على هذا القانون. وتبقى المغامرة الأعظم لذلك المصور العسكري المنشق والذي أطلق عليه "قيصر" الذي عمل مع صديقه سامي على توثيق جرائم الأسد عبر أكثر من خمسين ألف صورة لعمليات تعذيب وقتل للمدنيين السوريين في معتقلات الأسد واستطاع تهريبها وعرضها على لجنة استماع في الكونغرس الأميركي، والتي لولاها ربما لم يتمكن مئات أو آلاف أن يتعرفوا على صور أقربائهم وأحبّائهم من بين الشهداء في الصور المسربة، ومن ثم لم يكن لهكذا دليل دامغ أن يظهر لمعاقبة الأسد وملاحقته قضائياً والإطاحة به.

عقوبات اقتصادية مثيرة للجدل

لا عجب أن يثير القانون جدلاً في الأوساط حول قدرة عقوبات اقتصادية على إسقاط نظام شمولي لم يوفر أي آلة عسكرية في إخماد الثورة، والبقاء في الحكم. والنظام منذ بداية الثورة وما قبلها جيّر أزماته الاقتصادية على العقوبات وضمّها لصف "المؤامرة الكونية"، ولم يبدُ في ممارساته طوال السنوات الماضية أي إشارة للدول الغربية وأميركا لرفع العقوبات وإعادة الإعمار والتي عبرت أنها لن ترفع العقوبات ولن تمرر أموال إعادة الإعمار إلا بعد انتقال سياسي للسلطة في سوريا وفق القرارات الأممية. ولا يختلف اثنان أن النظام بتعنته وعرقلته يتِكئ على حليفيه روسيا وإيران وبشكل أقل الصين وفنزويلا وكوريا الشمالية لمده بالمساعدات المادية والمالية لفرض سياسة أمر واقع بالقضاء على المعارضة وتأمين احتياجاته الأساسية.

ومن جانب آخر ينظر النظام في التاريخ فلا يرى بلداً تعرض للعقوبات الاقتصادية وسقط، فلماذا يسقط هو؟! وهو رأيٌ يتبناه كثير من الباحثين في هذا الصدد؛ أن العقوبات الاقتصادية مع هكذا أنظمة شمولية غير ناجعة

ومن جانب آخر ينظر النظام في التاريخ فلا يرى بلداً تعرض للعقوبات الاقتصادية وسقط، فلماذا يسقط هو؟! وهو رأيٌ يتبناه كثير من الباحثين في هذا الصدد؛ أن العقوبات الاقتصادية مع هكذا أنظمة شمولية غير ناجعة وسط تأقلمها مع أوضاع صعبة تكيف نفسها للعمل مع شبكات فساد معقدة للتهرب من العقوبات تمدها بالسلع والخدمات، وعليه اضطرت الدول الفارضة للعقوبات أن تصيغ قانون العقوبات وآليات اختراقه وتبذل جهد مضاعف لتعقب تلك التعاملات غير المشروعة. ونجاحها في ذلك غير مضمون!، وكُتبت أبحاث ودراسات وساهم أكاديميون وخبراء تقنيون لصياغة قوانين العقوبات لمنع التهرب منها ومحاربة مخترقيها، وإيران خير مثال على هذا إذ فُرضت عليها العشرات من قوانين العقوبات على مدار الإدارات الأميركية المتعاقبة ولم يتحقق الهدف المرجو بعد.

في الواقع لا يختلف الوضع كثيراً في سوريا عمّا ذُكر آنفاً، فالعقوبات مفروضة منذ فترة ليست قليلة ولم تُسهم بشكل أو بآخر في إسقاط النظام، وأثبتت بعض الأبحاث أن التشظي الحاصل في سوريا بين القوى المسيطرة وخروج أهم مورد للنظام، النفط والغاز، من حساباته كان السبب الأساسي في التأثر على الاقتصاد، وفي هذا الصدد يُشار أن الهبوط الدراماتيكي لليرة السورية من مستوى 600 إلى 900 ليرة أمام الدولار لم يمكن مرده إلى العقوبات بل إغلاق البنوك في لبنان، الرئة الوحيدة التي يتنفس منها النظام اقتصادياً جراء إغلاق الشوارع من قبل الشعب اللبناني. ومع استعادة النظام السيطرة على معظم المناطق من المعارضة لجأت بعض الدول قبل أشهر لمحاولة إعادة تطبيع العلاقات معه فيما لم تُقصّر روسيا وإيران المفروض عليها عقوبات أيضاً في مساعدته وبقيت إلى جانبه على الدوام، وكذلك كثف النظام من المعارض والسياسات الاقتصادية والتصريحات الداعية لإعادة إعمار البلاد ورفع العقوبات بالرغم من كل الجرائم التي ارتكبها والعقوبات المفروضة عليه، ولكن مرة أخرى بالنسبة للنظام فرض العقوبات عليه يعني انضمامه لنادي الدول المعاقَبة فيطبق نفس "الكاتالوغ" في التصريحات والممارسات في الرد على الدول المعاقِبة.

عقوبة للأسد أم للشعب السوري

لا تشير العقوبات السابقة في بنودها لعقوبات ضد الشعب السوري، وهو الأمر ذاته في "قانون قيصر" الذي حمل في عنوانه إشارة لحماية المدنيين في سوريا، ويهدف لفرض عقوبات على كبار المسؤولين والقادة العسكريين في نظام الأسد وكل من يدعمه على خلفية ارتكاب جرائم بحق المدنيين، ويُتيح القانون فرض عقوبات على كل دولة ومؤسسة وشخص يساعد النظام مالياً ومادياً وتكنولوجياً أو أي جهة تسهم في إعادة الإعمار في سوريا.

لكن في الواقع فإنَّ مسؤولي النظام وقادته تصالحوا مع فكرة أنهم مجرمون ولا ينتظرون من دولة أو مؤسسة أو أحد ليقول لهم ذلك أو يفرض عليهم عقوبات من جراء إجرامهم. وهم في الوقت نفسه قرؤوا من ذات "الكاتالوغ" فاستبقوا العقوبات لتفريغها من معناها عبر تغيير أرصدتهم وتحويلها لمقربين لهم وتجهيز شبكات فساد خاصة لتسيير أمورهم، وبالنسبة للسفر هناك بديل عن لاس فيغاس وباريس في بلدان أخرى ترحب بهم.

العقوبات ومن حيث لا تستهدف الإضرار بالشعب، فهي لا تضر إلا الشعب، الصيف الماضي عانت سوريا من نقص هائل في مواد المحروقات من مازوت وبنزين وغاز من جراء أسباب من بينها عدم قدرة أو رغبة إيران لإمداد النظام بها

العقوبات ومن حيث لا تستهدف الإضرار بالشعب، فهي لا تضر إلا الشعب، الصيف الماضي عانت سوريا من نقص هائل في مواد المحروقات من مازوت وبنزين وغاز من جراء أسباب من بينها عدم قدرة أو رغبة إيران لإمداد النظام بها، وهو ما تسبب بأزمات خانقة في مراكز التوزيع وارتفاع الأسعار بشكل كبير وزيادة الأعباء المعيشية والضغوط على العائلة، لكن لم تنقطع الكهرباء على القصر الجمهوري ولم يشعر قادة النظام العسكريين بالبرد من جراء انقطاع مادة المازوت أو يقفوا في طوابير للحصول على جرة غاز، وبقيت سيارات الوزراء والمقربين منهم مملوءة بالبنزين ولم يضطروا للوقوف في صف وصل طوله لمئات الأمتار للحصول على بضع لترات من البنزين والمازوت. وعندما هبطت قيمة الليرة السورية إلى عتبة ألف ليرة للدولار لم تثر ثائرة رجال الأعمال المقربين من النظام بسبب خسارتهم فهم أكبر من التعامل بالليرة أو أن يتقاضوا مدفوعاتهم وفقاً لسعرها، كل شيء يسير بالدولار. أما العامل والمواطن الذي يتقاضى أجره بالليرة فقد ضاع عرق جبينه وكد يده في عملة لا تساوي الحبر الذي طبع بها.

مع كل ما ذُكر، يبقى "قانون سيزر" مهماً جداً ويضع النقاط على الحروف، لا شرعية ولا مساعدة ولن يوضع حجر على حجر باسم إعادة الإعمار، مع هذا النظام من قبل الدول والمؤسسات والأشخاص، ومع توقيع ترمب على القانون ستبدأ معركة كسر عظم بين أميركا وروسيا، لإقناع الأخيرة أن نظام الأسد انتهى وأن مصلحتها تكمن في الضغط على النظام للرضوخ لعملية الانتقال السياسي وفق القرارات الأممية.

ومن جانب آخر فالقانون يقول للدول التي تود مساندة النظام وفق سياسة الأمر الواقع التي فرضها على الأرض، لا مجال لذلك وإن انتصر النظام على المعارضة فلم ينتصر على المجتمع الدولي، ويقول للشعب السوري الذي خرج ضد النظام إن أميركا ما تزال تذكر الجرائم التي قام بها وإن بجعبتها عقوبات صارمة تأمل بالتأثير عليه لجره لطاولة المفاوضات.

في النهاية لا شك في أن قيصر وسامي و"فريق سيزر" غمرتهم سعادة كبيرة بعد رؤيتهم الرئيس الأميركي وهو يوقع على القانون ويعرضه للعالم لأن مهمتهم أينعت وانتصروا لأنفسهم وللشعب السوري في إحدى الجولات المهمة على الساحة الدولية.