المأزق الروسي.. فكرة جمال سليمان وفرصة المعارضات

2021.02.18 | 00:19 دمشق

gamal-suleiman.gif
+A
حجم الخط
-A

في إحدى حلقات مسلسل "خان الحرير" السوري والذي أنتج في العام 1994، يجتمع تجار حلب وشخصيات سياسية وعسكرية للبحث في انسداد الأفق السياسي الذي وصلت إليه الوحدة بين سوريا ومصر.

الوحدة الاندماجية مع مصر حينها، قضت على الحركية السياسية في سوريا، وضربت كل النظم الاجتماعية والاقتصادية والفرادة السورية حين كانت سوريا كلها تتمتع بحياة سياسية متنوعة قائمة على تنافس الأحزاب والصحف ووسائل الإعلام.

الآلية التي أديرت بها الوحدة هي التي أسهمت في إسقاطها، ليس فقط في إلغاء الحياة السياسية، إنما من خلال قانون الإصلاح الزراعي ومشاريع التأميم. وصل الاختناق إلى حدّ الانفجار، فكان الاجتماع الذي يبحث في كيفية تجاوز تلك المشكلة. من بين الحضور، تجار، ليبراليون، برجوازيون، شيوعيون، وضباط جيش أبرزهم من المحسوبين على البعثيين.

ركز الاجتماع في البحث عن كيفية الانقلاب على الوحدة، يومها تقدّم المهندس مراد، المحسوب على الشيوعيين والسياسي السوري العريق خالد العظم والذي كان يلقّب بـ"المليونير الأحمر"، باقتراح لا ينطوي على حسابات الانقلاب الجذري على الوحدة، داعياً إلى إعادة البحث بها وبتجديدها، ولكن على قاعدة غير اندماجية، إنما وحدة فدرالية، كان يمكن لها أن تنجح بحال جرى توسيعها نحو اتحاد فدرالي عربي.

تقدّم المهندس مراد والذي كان يؤدي دوره الممثل جمال سليمان، هذا الاقتراح، المبني على قراءة للأحوال الجيواستراتيجية في تلك المرحلة، خاصة أن هناك خوفاً سورياً مزمناً منذ الاستقلال إلى ما قبل الوحدة، من تكرار تجربة حلف بغداد، وطمع العراق بضم سوريا إليه.

يأتي الاقتراح في لحظة سياسية مفصلية، انشغال أميركي عن منطقة الشرق الأوسط، ووضع غير مستقيم بين روسيا والنظام السوري

كانت فكرة جمال سليمان في المسلسل، تنطلق من مبدأ عدم الاستفراد في سوريا، وبتقييم سياسي كان الطرح الأفضل، لكن البعثيين فيما بعد أخذوا الصراع على عاتقهم نفذوا الانقلاب وانقضوا على الحكم، ومارسوا أسوأ من ممارسة عبد الحميد السراج وعبد الحكيم عامر.

شاءت الأقدار اليوم، أن لا يكون جمال سليمان ممثلاً في مسلسل درامي، إنما يمثل رأياً يعبّر عن كثير من السوريين، وبسبب الاستعصاء السوري المديد والذي على ما يبدو سيطول، رمى جمال سليمان باسمه الشخصي كما قال وليس باسم منصة القاهرة المعارضة، حجراً في بركة مياه راكدة، مقترحاً الذهاب إلى تشكيل مجلس عسكري يضم جهات متعددة ومتعارضة يشكل هيئة حكم انتقالي في سوريا.

لاقى كلام الرجل الكثير من الاعتراضات، ولكنه في الحقيقة، هو الاقتراح الوحيد الذي يبدو واقعياً وعملياً، بسبب عدم قدرة أي طرف على تحقيق أي تقدم على طريق الحلّ السياسي.

طرح جمال سليمان الفكرة، على الروس خلال لقاءات عقدت في موسكو، وهنا لم يعد بالإمكان الاستسلام لمنطق التخوين الشعبوي الذي يرتفع لدى حصول أي لقاء بين مسؤولين في المعارضة مع الروس، السياسة هنا تحتاج إلى تعقّل وواقعية، روسيا هي صاحبة الدور الأكبر في سوريا، ولا بد من التعاطي معها، طالما أنه لا بروز لأي مشروع حقيقي وجدي لمقاومتها لا سياسياً ولا عسكرياً.

لا بد من التعاطي معها مع تسجيل موقف أساسي يدين الجرائم التي ارتكبتها بحق الشعب السوري، أو بنتيجة ذهابها إلى أفكار تارة أقلوية، وتارة أخرى تقوم على تحالفات مذهبية أو إضفاء طبائع دينية لخوض تلك الحرب، ولا بد أيضاً من التعاطي معها كقوة مهيمنة تسعى إلى إعادة إحياء أمجاد الإمبراطورية الروسية، أو العودة كلاعب أساسي على الساحة العالمية انطلاقاً من سوريا وعلى أشلاء ودماء الشعب السوري. خاصة أن روسيا صاحبة مشروع أصبح واضحاً لتقديم أي بادرة من بوادر التقدم السياسي في سوريا إذا ما أخذت في المقابل ما تريده في شرق أوروبا.

يأتي الاقتراح في لحظة سياسية مفصلية، انشغال أميركي عن منطقة الشرق الأوسط، ووضع غير مستقيم بين روسيا والنظام السوري، وهنا لا بد من تقديم أي مشروع قابل لضرب العلاقة بين روسيا والنظام أكثر فأكثر، في ظل عدم توفر أي فرصة من فرص الحلّ، خاصة أن الآية انقلبت بالنسبة إلى كل القوى المشاركة في الحرب السورية، إذ كانت هذه القوى تنتظر حصول الحلّ لتحصيل الحصة السياسية بنتيجة قتالها، بينما الواقع أن كل طرف نجح في ضمان منطقة نفوذه، بدون توفر بوادر الحل، فيما تؤشر المعطيات إلى أن الاستعصاء سيستمر طويلاً.

اقتراح جمال سليمان فكرة يجدر التفكير بها، تأطيرها وتوسيعها، لتشمل فئات أوسع من السوريين، خاصة أن روسيا غارقة في ورطة حقيقية بسوريا، وتتوزع من حولها جملة من الخطوط الحمر، واحد في إدلب من قبل تركيا، آخر في الجزيرة والشرق بسبب الوجود الأميركي، كذلك بالنسبة إلى مناطق النفوذ الإيرانية، ناهيك عن الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية.

هذه الوقائع تنعكس سلباً على وضع موسكو في سوريا، ما يضرب طموحات بوتين التي أعلنها بأنه يريد سوريا قاعدة لبلاده، يستعيد من خلالها نفوذ الاتحاد السوفييتي، والتوسع باتجاه العالم العربي. روسيا غير قادرة على تحقيق أي تقدم في سوريا، وغير قادرة أبداً على الشروع في مشاريع إعادة الإعمار.

كان بوتين قد أعلن بأن المهمة الروسية قد تنتهي خلال ستة أشهر، بينما أصبح عمر الدخول الروسي إلى سوريا 6 سنوات، ولا بوادر أبداً للحلّ. الفرصة الآن لأي اقتراح جدّي قادر على تغيير الوقائع السياسية، واستقطاب المزيد من المواقف الدولية والإقليمية المؤيدة، بما يفيد سوريا، والسوريين، بدلاً من بقائهم على هذا الواقع من التشرذم والتشرد. وذلك لا بد له من أن يستفيد من لحظة المصالحات العربية، والخليجية، ووجود بوادر لتقارب تركي خليجي.

إنها فرصة للسوريين لإعادة إحياء الاهتمام العربي بهم وبالملف السوري. وذلك يتجلى بتلقف الاقتراح، والدعوة إلى تكثيف اللقاءات بين المجموعات السورية المتعارضة على اختلاف توجهاتها، ما يدفع إلى تشكيل عناصر ضاغطة على روسيا والنظام في آن معاً، بالاستثمار بالقواسم المشتركة بدلاً من معارك التخوين، والاستمرار بإثارة ما يثير المزيد من الفرقة.