الليرة التركية والترقب السياسي

2021.12.26 | 05:11 دمشق

3-141.jpg
+A
حجم الخط
-A

"نحن نرفض سياسة جذب الأموال الساخنة التي ستؤدي إلى معدلات فائدة عالية وسندعم الإنتاج والصادرات باهتمام كبير".

بهذه الجملة يمكن تلخيص السياسة المالية القادمة للحكومة التركية، فبعد التراجع الكبير لليرة التركية أمام الدولار عادت واسترجعت قوتها في الأيام القليلة الماضية، وسط تساؤلات كثيرة بين الأوساط الشعبية وصمت مبهم من الأحزاب المعارضة التي كانت قد رفعت الصوت عالياً داعية لانتخابات مبكرة واتهام الحكومة بالإفلاس.

لاشك أن تركيا ترغب في إعادة تموضعها في النظام العالمي الجديد الذي يتم بناؤه بعد وباء كورونا، وتحاول جاهدةً إظهار ذلك بشكل جلي ليس فقط على الساحة السياسية بل حتى في المجالات الاقتصادية، وذلك عبر تصميمها على إنشاء اقتصاد جديد في الإنتاج والصادرات والقيمة المضافة والتوظيف وجعله مرنًا بحيث إنه يتقبل الصدمات المالية وخلق فرص عمل إضافية، ولذلك هي تريد إظهار نموذج اقتصادي جديد ليكون حديث الساعة سياسياً واقتصادياً، وهذا ما يحاول الرئيس أردوغان فعله لما له من مكاسب على أرض الميدان، وفي حال نجاحه سيكون أثر ذلك ملموساً على مدى المستقبل القريب، وهذا الأمر ليس بالجديد على الرئيس أردوغان فبعد سداد آخر الديون التي كانت مترتبة على تركيا من الحكومات السابقة لصندوق النقد الدولي في عام 2013  أعرب أردوغان في عدة مناسبات عن فكرته الاقتصادية، وهدفه في تغيير نمط الاقتصاد التركي لكن الظروف السياسية لم تكن تساعد في وقتها، ولعل التحول لنظام رئاسي هو الذي سهّل الأمور أكثر عليه في فرض رؤيته.

اللافت للانتباه حتى الآن هو صمت أحزاب المعارضة السياسية لهذا التراجع الكبير للدولار أمام الليرة، ولعل مرد ذلك هو الانتظار للنتائج بشكل زمني وعدم التسرع في الحكم، وأيضاً انتظار انتهاء عطلة أعياد الميلاد التي تتوقف بسببها البورصات والأعمال التجارية، ولهذا يمكن القول إن الأمور ستتضح أكثر بعد الأسبوع الأول من الشهر الأول من العام القادم، ويمكن هنا إضافة عنصر الصدمة ربما للأحزاب السياسية لتلك العودة السريعة لليرة في غضون ساعات وليس في أيام (حتى على الصعيد الشعبي هذه الصدمة موجودة) وعليه لم تجد ما تقوله الأحزاب تعقيباً لما حصل في الآونة الأخيرة.

لا يمكن فصل النجاح الاقتصادي عن نظيره السياسي فلا يمكن إنشاء اقتصاد قوي في بيئية سياسية مضطربة داخلياً أو خارجياً

 الكاتب الاقتصادي أوكان مدرس أوغلو تحدث عن مؤشرات نموذج الاقتصاد التركي الجديد على النحو التالي:

إن تركيا تعلمت دروساً كثيرة خلال تعاملها مع صندوق النقد الدولي وفي الأزمة العالمية لعام 2008 وإنَّ تجربتها زادت ثراءً بعد صدمة انتشار وباء كورونا، وبذلك تدخل تركيا حقبة جديدة وهي مستعدة بشكل جيد وبخبرة لها. وأيضاً يمنح التحول السريع في العالم بعد الصدمة الوبائية تركيا بعض الفرص لتطبيق سياسة الفائدة المنخفضة بشكل دوري، وإن العودة لصندوق النقد الدولي أصبح أمراً مستحيلاً لتركيا لأنه فقط يعمل في البيئات الساخنة وأسعار الفائدة العالية، ويقمع المداخيل الثابتة والمتوسطة الضيقة ولذلك تركيا (الحكومة الحالية) تعتبر صندوق النقد الدولي عقبة اقتصادية وليس العكس.

لا يمكن فصل النجاح الاقتصادي عن نظيره السياسي فلا يمكن إنشاء اقتصاد قوي في بيئية سياسية مضطربة داخلياً أو خارجياً، لذلك سعت الحكومة التركية لتصحيح أوضاعها السياسية مع عدة دول مهمة على صعيد الاقتصاد الخارجي وخاصة دول الخليج العربي، لما له من فائدة كبيرة على صعيد الاقتصاد والتصدير وتحسين الشراكة الاستراتيجية بينها وبين دولة قطر، وبعد ذلك القمة التركية الإفريقية لما تحمله الأخيرة من سوق مهم يتنافس عليه الجميع (2.3 ترليون دولار ) ففي حال نجاح ما يتم التخطيط له اقتصادياً وسياسياً فإن النتائج سوف تكون مهمة لتركيا وذات تأثير واضح ولكن في عالم رأس مالي تنافسي يعتمد المصالح فوق كل شيء، فهل سيترك الطريق لتركيا لتبلغ مبتاغها دون عقبات وهل الداخل التركي موحّدٌ خلف هذه النظرية، كلها أسئلة الزمن كفيل بالإجابة عنها.