اللغة الضوئية في مواجهة الدكتاتوريات

2021.08.11 | 06:33 دمشق

20210115015019reup-2021-01-15t014849z_1597927953_rc218l9kl4sy_rtrmadp_3_usa-election-socialmedia-investors.h.jpg
+A
حجم الخط
-A

في الوقت الذي يلجأ العالم الحر لاستخدام معطيات التكنولوجيا ووسائل التواصل الحديثة والذكاء الصناعي بهدف تطوير الخدمات التي يحتاجها المواطن العالمي في القرن الحادي والعشرين، وتطويعها لخير الإنسانية والحد ما أمكن من استخداماتها في اتجاهات معاكسة قد تهدّد استقرار الكوكب والبشرية، نجد الدول الشمولية التي تسيطر فيها حكومات الرجل الواحد والحزب الواحد تلجأ إلى التقنية نفسها لتطوعها بما يخدم أهدافها السياسية الخاصة بالاستمرار في السلطة وتكميم أي صوت يتعالى على حكمها المطلق، إما باحتكار الأدوات المستحدثة للتكنولوجيا وحصر امتلاكها والسيطرة عليها في أجهزة معنية وبيد أشخاص مقرّبين لرأس الحكم وأصحاب النفوذ، أو في تقنينها وتشفيرها والتضييق ما أمكن من حرية تبادل المعلومات من خلالها، وفي أسوأ الأحوال قطعها بشكل كامل حين يحتاج من يسيطرون على مفاصل الحياة في الديكتاتوريات الخائبة إلى قمع المجتمعات وتقويض تحركها لاستعادة حقوقها الإنسانية الطبيعية في حرية التواصل وتبادل الرأي والإعلان عن موقف سواء كان سياسياً أو اجتماعياً دون التعرّض لرقابة السلطة وتنكيلها.

يكاد أبرز الأمثلة لاستبداد السلطة وإطباق قبضتها على التكنولوجيا المعاصرة ووسائل الاتصال التي تُخدّمها يبدو بأحدث سيناريوهاته في نسخته الإيرانية مؤخراً، حيث قامت الأجهزة الأمنية في طهران بالتعطيل العمد لخدمة شبكة الإنترنت في محاولة منها لوأد التظاهرات ومظاهر الاحتجاج التي اندلعت في إقليم خوزستان الجنوبي بسبب انقطاع المياه عن السكّان.

في عام 2019 حين قامت الأجهزة الأمنية في طهران بقطع خطوط الشبكة العنكبوتية لمدة أسبوع كامل، وعلى نطاق شامل في كل أرجاء البلاد، بهدف الحد من الاحتجاجات

وقد أثبت التحقيق الاستقصائي الذي قامت به مجموعة الدفاع عن الوصول للإنترنت (Netblocks)، أن جانباً من الأعطال التي اعترت شبكة الإنترنت في خوزستان الإيرانية يعود إلى "ضوابط معلومات الدولة أو إغلاق مستهدف للشبكة" كما جاء في تقريرها الرسمي الذي نشرته على موقعها الإلكتروني. وأشار التقرير إلى أحداث مشابهة جرت في عام 2019 حين قامت الأجهزة الأمنية في طهران بقطع خطوط الشبكة العنكبوتية لمدة أسبوع كامل، وعلى نطاق شامل في كل أرجاء البلاد، بهدف الحد من الاحتجاجات التي اندلعت بشكل واسع في ذلك العام وعمّت أرجاء المدن الإيرانية احتجاجاً على أداء الحكومة المركزية وانقطاع وقود البنزين.

الجدير بالذكر أنه منذ عام 2009 حين اندلعت مظاهرات "الحركة الخضراء" المناهضة للحكم الشمولي في طهران، استخدمت الحكومة المركزية آنذاك سلاح الإنترنت لمقاومة مخرز الغضب الجماهيري العارم من سياساتها الداخلية والخارجية في آن.

وبينما كانت طهران تمعن في التعتيم والإغلاق التعسفي لحسابات التواصل الاجتماعي وقطع الشبكة أو إرسالها ضعيفة بحيث يصعب تحميل الصور والتسجيلات المصورة للاحتجاجات الشعبية ضد نظام حكم الملالي المتشدّد، شهدت العاصمة الأميركية واشنطن انعقاد أعمال "القمة العالمية للتكنولوجيا الناشئة والذكاء الصناعي"، وقد حضر اجتماعات مؤتمر القمة مسؤولون دوليون وممثلون عن الهيئات الحكومية والقطاع الخاص وخبراء تكنولوجيا الاتصال الأحدث. وتَركّزت أعمال المؤتمر على النهوض بالتكنولوجيات الجديدة وسبل دفعها قُدماً، وحماية المجتمعات الحرة، وإطلاق العنان للابتكارات الاقتصادية.

وزير الخارجية الأميركي، أنطوني بلينكن، كان من أبرز المتحدثين في المؤتمر. وقد حثّ من خلال كلمته الديمقراطيات في العالم للعمل على ضمان التطوير المسؤول للذكاء الصناعي والتكنولوجيات الناشئة لمنع إساءة استخدامها من قبل الأنظمة الاستبدادية، ولتكون الإفادة في استخدام التكنولوجيا على أوسع نطاق بما يخدم تعزيز القيم الديمقراطية لا تمكين القمع.

وقال بلينكن في معرض كلمته: "إننا بحاجة في الولايات المتحدة أن يواصل شركاؤنا دورهم الريادي الخلاق في العالم، وأن يتولّوا زمام المبادرة في وضع المعايير اللازمة لتظل الحقوق العالمية والقيم الديمقراطية في صميم الابتكارات القادمة كافة، وأن تحقق فوائد حقيقية في حياة الناس".

استشهد بلينكن لبيان ماهية الاستخدام السلبي لأدوات التكنولوجيا بالهجوم الذي قام به قراصنة روس على مواقع الإنترنت الأميركية مؤخراً وأدّت إلى تعطيل إمدادات الوقود لعدد كبير من مدن الولايات المتحدة، وكذا برامج المراقبة والتجسس التي تستخدمها جمهورية الصين الشعبية ضد أبناء طائفة الإيغور وأبناء جماعات الأقليات الدينية أو العرقية الأخرى في شينجيانغ.

تضع الولايات المتحدة رؤيتها الخاصة، وتحثّ من خلالها شركاءها في الديمقراطيات العالمية على اتخاذ إجراءات حاسمة تحصّن التطور المتسارع للتكنولوجيا

وبهدف تطوير تكنولوجيا تجلب النفع العام ولا تدعم الانتهاكات التي تمارسها الأنظمة الاستبدادية، وكذا ترسيخ مبادئ مشتركة للتكنولوجيات الناشئة بإمكانها أن تساعد الشركات الأميركية على ضمان عدم استخدام منتجاتها لأغراض القمع، تضع الولايات المتحدة رؤيتها الخاصة، وتحثّ من خلالها شركاءها في الديمقراطيات العالمية على اتخاذ إجراءات حاسمة تحصّن التطور المتسارع للتكنولوجيا.

فالحد من المخاطر الأمنية الناجمة عن الأنشطة السيبرانية الخبيثة من خلال معايير السلوك المشتركة وجهود التصدي الجماعية للهجمات، والحفاظ على الريادة في مجال الابتكار التكنولوجي وتأمين التقنيات الحيوية بما فيها أنظمة اتصالات الجيل الخامس (5G)، والدفاع عن إنترنت مفتوح آمن وموثوق وله ضوابط تمنع الحكومات من إنشاء جدران إلكترونية عازلة للتحكم بالمحادثات وحجب الإنترنت لسحق أي صوت معارض لسياساتها وإساءة استخدام تكنولوجيا المراقبة، جميعها معايير إن تحققت فإنها ستهيئ الأرضية المناسبة والحرية المسؤولة والحق الكامل لسكان الأرض قاطبة في استخدام التقنيات الحديثة بما يخدم تقدّم البشرية وأمنها وازدهار الحياة منها.

فصل المقال يكمن في حروف الضوء تلك تتسارع على شاشات الحواسيب والهواتف المحمولة وقد حملت معها لغة معاصرة ولحظية في التخاطب والتواصل الذي لا حدود له، لا بد أن تشكّل فضاء آمناً لانتقال العلوم والآراء والأفكار في عملية التبادل الثقافي والمعرفي المستمر الذي يجب أن ينتظم  ضمن معيار الحق والخير والجمال للإنسانية جمعاء.