اللجوء السوري في فخ العنصرية

2022.03.10 | 05:23 دمشق

syrian-refugees-return.jpg
+A
حجم الخط
-A

بدا السوريون وكأنهم الأكثر خبرة بالحرب على أوكرانيا، شركاء في العدو الروسي وتابعه النظام السوري، والأهم شركاء في الشعور بالضعف والمعاناة ورحلة اللجوء التي لا تنتهي، صور اللجوء الأوكراني بدت شبيهة أو مطابقة تماما لرحلة اللجوء السوري التي لما تنتهِ بعد.

ملايين من المهاجرين والنازحين واللاجئين يخرجون من بيوتهم وممتلكاتهم الخاصة التي تشكل حياتهم وعمرهم وكل شيء بنوه وفعلوه من سنوات وعقود، لبدء حياة جديدة ليس من الصفر وإنما من تحت الصفر حيث لا يمتلكون شيئا لكنهم خسروا عمرهم الذي لن يعوض وعليهم البدء من جديد مع عمرهم الجديد.

إنها حياة صعبة وشاقة بكل المعايير مهما اعتقد البعض أنها تفتح فرصا للبعض، لكن هذه الفرص تبقى محدودة جدا بقدر وحجم المعاناة التي يعيشها اللاجئ في أرض غريبة عنه وناس لا يتحدثون لغته وسوق جديدة لا دخل له فيها ولا رأسمال كي ينافس داخل هذه السوق حيث سوق العمل الجديدة متخمة مسبقا.

لا تترافق كل الحروب مع اللجوء كما عرفناه سابقا، لكنها حتما تشهد نزوحاً داخل البلد، لكن إذا ما عبر هؤلاء النازحون إلى حدود دولة أخرى تحول النازحون إلى لاجئين، وقد تميزت الحرب السورية بأنها كانت وقوداً لملايين اللاجئين ليس إلى دول الجوار فحسب لبنان والأردن والعراق وتركيا، وإنما هاجر السوريون ولجؤوا إلى دول أوروبا المختلفة وشرق آسيا ومع تصاعد أزمة اللاجئين في أوروبا في عام 2015 جرى توزيع حصص اللاجئين على الدول الأوروبية المختلفة لذلك وصلت عائلات سورية لاجئة إلى آيسلندا على سبيل المثال بعد أن كان لم يسمع بها معظم السوريين أو فكر بالذهاب إليها.

شهد اللاجئون السوريون العنصرية بكل أنواعها أينما حلوا وارتحلوا شرقا أم غربا، لم يكن مرحبا بهم، اللهم إلا بعض البلدان من مثل كندا وألمانيا التي لعب فيها ترودو وميركل دورا رئيسيا في الدفاع عن لواء حقوق اللاجئين والترحيب بهم للبدء في حياة جديدة، اليوم يفاجئ السوريون، والإعلام الغربي يعقد مقارانات ظالمة بينهم وبين اللاجئين الأوكرانيين حسب لون البشرة أو المعتقد، وكأن الشراكة في الإنسانية لا قيمة لها.

اليوم يفاجئ السوريون، والإعلام الغربي يعقد مقارانات ظالمة بينهم وبين اللاجئين الأوكرانيين حسب لون البشرة أو المعتقد، وكأن الشراكة في الإنسانية لا قيمة لها

وانتقلت هذه التصريحات العنصرية إلى اليمين المتشدد في أوروبا الذي شن حملة عنصرية ضد اللاجئين السوريين على مدى سنوات بل وبنى شعاره الانتخابي قائما على مهاجمتهم وطردهم من بلد اللجوء. الآن تبنى خطابا مختلفا يقوم على الترحيب بالمواطنين الأوروبيين.

بكل تأكيد أسباب الحرب في سوريا وأوكرانيا مختلفة كليا لكن الضحية تبقى واحدة وهو الإنسان الذي طرد وشرد من بيته وأهله، لقد تحول اللاجئ السوري إلى مقيم دائم في بلد اللجوء المضيف وفقد حق العودة لبلده بسبب عدد أو ترسانة من القوانين والإجراءات الأمنية وتدمير الممتلكات التي تجعل من هذه العودة مستحيلة إلى البلد الأم سوريا في سياسة متعمدة مدروسة من الأسد وربما هذا مختلف عن أوكرانيا التي احتل أرضها بلد أجنبي روسيا من دون مبرر أو سبب.

تحول اللاجئ السوري إلى مقيم دائم في بلد اللجوء المضيف وفقد حق العودة لبلده بسبب عدد أو ترسانة من القوانين والإجراءات الأمنية وتدمير الممتلكات التي تجعل من هذه العودة مستحيلة إلى البلد الأم سوريا

لقد قام الأسد بعملية تهجير السكان ثم قيام قوات النظام بالاستيلاء على أراضي النازحين ومساكنهم وممتلكاتهم، وجرى الحديث عن إنتاج الوثائق المزورة كناية عن تكتيك واسع الانتشار في نقل الملكية القانونية للممتلكات والأراضي من مالكيها الشرعيين إلى الموالين للنظام. كما ظهرت تقارير عن التدمير المتعمد للسجلات المدنية في حمص والمناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة سابقاً في ريف دمشق وحمص وحلب، فضلاً عن مصادرة الوثائق عند نقاط التفتيش.

كما يمتلئ الإنترنت بمقاطع فيديو مذهلة في وضوحها وفي دلالتها على ارتكاب الجريمة كفعل السرقة والنهب لممتلكات الغير تحت اسم ميليشيا الدفاع الوطني وغيرها من الميليشيات الموالية للنظام أو أفراد من الجيش السوري التابع للنظام، كما قام النظام وبشكل علني بتدمير أبنية ومساحات كبيرة من الأراضي بحجة التنظيم، كما أن عمليات الهدم هذه كانت تجري تحت إشراف قوات عسكرية وكثيراً ما كانت تتم في أعقاب قتال بين القوات الحكومية والمعارضة في تلك المناطق. وتشير هذه الظروف، علاوة على أقوال شهود وتصريحات أقل مواربة من مسؤولين حكوميين تناقلتها وسائل الإعلام، تشير إلى تعلق عمليات الهدم بالنزاع المسلح، في مخالفة للقانون الإنساني الدولي، أو قوانين الحرب.

طبعاً، استمر نظام الأسد بعمليات الهدم الكامل عبر تسوية أحياء بكاملها بالأرض لسباب سياسية محضة تقوم على تأييد هذه الأحياء للثورة السورية كما جرى في حمص وداريا وغيرها من المناطق.

كما قام النظام أيضا بعملية مسح كاملة وواسعة النطاق وتزوير لسجلات الممتلكات في جميع أنحاء البلاد بهدف منع السكان من العودة والمطالبة بأي حقوق. وفي بعض الحالات، شملت السجلات المدمرة أيضا فواتير الكهرباء والماء التي يمكن استخدامها لإثبات الملكية، كما ترددت كثير من الروايات عن تزوير السجلات، بما في ذلك استخدام وثائق مزورة لتنفيذ بيع ونقل الملكية إلى الملاك الجدد .

ترافق ذلك مع إصدار قوانين ومراسيم قد تبدو "محاولات" لإصلاح القوانين العقارية وتسريع إعادة الإعمار في ظل الحرب ولكنها لا تأخذ في الحسبان حالة الأشخاص النازحين أو المفقودين، ولذلك أصبح يعتبرها البعض أنها بالعكس وضعت من أجل استهدافهم ومنعم من العودة عبر مصادر ممتلكاتهم وحرمانهم من حق الملكية الخاصة.

تلك فقط بعض الإجراءات التي فرضها النظام لمنع عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، وهو ما يجعل من مأساتهم مضاعفة وحقهم في الرعاية مكفول بالقانون الدولي، فعسى أن تنتهي موجة التعصب ضد اللاجئين عندما تكتشف أوروبا أن اللجوء يمكن أن يحدث ولو على أرضها.