اللجنة الدستورية و(سرد أحداث فشل معلن)

2019.12.23 | 15:49 دمشق

dstwr_fy_mhb_alryh.jpg
+A
حجم الخط
-A

مشاكلةً مع رواية "غارسيا ماركيز" الشهيرة، (سرد أحداث موت معلن)، تطبَّعت كثيرٌ من ردود فعل أكثر السوريين، بأن اللجنة الدستورية، ليست أكثر من سرد أحداث لفشل معلن. وقد بدا مثيراً للدهشة ردود الأفعال المختلفة والمتنوعة التي زامنت مفاجأة السوريين باللجنة الدستورية. ردود الفعل المختلفة والمتباينة، كانت من الكثرة بحيث إنها جمعت عشرات، بل مئات المقالات والتدوينات والآراء الكثيرة التي انتشرت على مواقع التواصل، فضلاً عن الصحافة المرئية والمتلفزة والمقابلات التي هدفت إلى استنطاق أكبر عدد من الآراء، وسبر ما استقر من قناعات في أنفس السوريين وعقولهم حول تشكيل هذه اللجنة الدستورية، وانطلاق أعمالها التي بدأت في الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، فكان مفتتح أولى اجتماعاتها وانطلاق أعمالها في جنيف، برعاية أممية تَصَدَّر واجهتها ممثل الأمين العام "غير بيدرسون". 

تضافرت مجمل القناعات، (أكثرها على وجه الدقة، وليست جميعها حقيقة)، على أن هؤلاء المئة والخمسين شخصية، الذين شكلوا فريق عمل اللجنة، غير المتجانس، وغير المنسجم تكوينياً، ليست أهم ميزاتهم الوصفية أن معظمهم مجهولو الأسماء والخبرات والكفاءات، وليست هذه أبلغ المفاجآت التي باغتت بها اللجنة الشعب السوري، ولا كذلك التساؤل عن وجهة نظر الدول التي عملت على انتقائهم بعناية، نجهل معاييرها الاعتبارية.

ويمكن تلخيص وحصر أغلب القناعات والآراء، على تنوعها وتباينها، وروح التعبير عنها، رغم اختلافها في وسائط وأساليب التعبير، بأن السوريين قد صاغوا استنكاراتهم ورفضهم، في نقاط رفضهم للجنة في المجمل:

ــ هذا النشاط الأممي استهلك وقتاً أطول مما ينبغي، من المشاورات والمداولات حول أعضاء اللجنة وممثليها، وأكثر مما كان متوقعاً ومحتملاً كتوقيت زمني. الأمر الذي بدا مشككاً ومفتعلاً، وينطوي على نوايا ومخططات مبيتة ومريبة.

ــ اللجنة مؤلفة من 150 عضواً. أُعلِن رسمياً، بأن ثلث هذا العدد يمثل النظام، وثلثاً ثانياً يمثل المعارضة، والثلثَ الأخير هم مستقلون كما يُفترض بهم (شكلياً ونظرياً)، ويمثلون المجتمع المدني. وقد استحكمت سائر الآراء وتمركزت حول الجانب القانوني والحقوقي للّجنة. فمن قائل بأن هذه اللجنة ليست بالكفاءة الحقوقية التي تؤهلها لوضع دستور، لبلاد تكاد تبدو، بعد كل ما مضى عليها من أحداث خلال تسع سنوات، وكأنها فقدت كينونتها كوطن منجز، أو آلت، دون مبالغات، لأن تكون بلداً فقد صورته وتعريفه جغرافياً وبشرياً وسيادةَ دولة، فضلاً عما لعبته الحرب، عبر سلسلة تغييرات ومراحل، في تحطيم حتى الشكل السابق ـ الضبابي ـ الذي كانت عليه. ومن قائل بأن الدستور هو الخطوة العاشرة، أو العشرين، في مسيرة الحل السوري، وأن البناء على الحل في تقديم تشكيل هذه اللجنة ينطوي على مكر وخبث مُبين، وعلى غباء مفتعل، له غايات سياسية غير بريئة. ولست أدري لماذا صادرنا النتيجة سلفاً بأن هذه اللجنة قد انوجدت أصلاً لكتابة دستور، ليس غير..!

في ازدحام هذه الآراء المتصارعة تم خنق الرأي القائل بأن هذه اللجنة ما هي إلا رداء يتغطى بها المنتدبون الجدد على سوريا، ومرجعية صورية سورية، يختفي خلفها أكثر من "مندوب سامي" وضابط انتداب وارتباط دولي.    

ألا يحتمل أن تكون لها مهمة أخرى؟ وما التسمية المضللة بعنونتها باللجنة الدستورية إلا غطاء لمهمة/ مهام أخرى غير مستبينة؟ ولعله في ازدحام هذه الآراء المتصارعة تم خنق الرأي القائل بأن هذه اللجنة ما هي إلا رداء يتغطى بها المنتدبون الجدد على سوريا، ومرجعية صورية سورية، يختفي خلفها أكثر من "مندوب سامي" وضابط انتداب وارتباط دولي.    

ــ كما أن هنالك كثيرين ممن راحوا يتساءلون: بأية معايير تم اختيار أعضاء اللجنة هؤلاء؟ وبأية معايير تم تقسيمهم هذه القسمة الثلاثية؟ وما هي مرجعيتهم السياسية والقانونية؟ وأين سيطبقون هذه الدستور على الواقع؟ وهل سوف ينتهون إلى نتيجة تحتفظ بأبدية الأسد تأسيساً على ترخيص إعادة انتخابه، أم أنها سوف تجترح وتقترح حلولاً معجزة، ترضي سائر الأطراف أو معظمها؟

ــ من طرف آخر، أعلن النظام عدم رضاه وتبرمه من اللجنة، وصرّح سلفاً بأنه غيرُ معنيٍ بها، ولا بالنتائج التي سوف تنتهي إليها. ثم أضاف في واحد من التصريحات الرسمية بأن الثلث الذي يفترض بأنه مكوّن ليمثله "لا يمثله في الحقيقة"، وإنما هو وفد، أو فريق عمل "مدعوم من الحكومة السورية". وليست له صفة أخرى أبعد من ذلك. كما أعلنت المعارضة بمجملها عدم رضاها ورفضها لهذه اللجنة، ماعدا الائتلاف الذي لم يعد له أي دور سياسي أو حضور إجرائي، إلا شكلياً، ولم يعد هنالك كثيرون ممن يهتمون أو يحفلون بتصريحاته ومصائر وجوده، ودوره الذي أصبح أكثر من شكلي ومتخشب، وفي حال من العطالة التامة والموت السريري؛ وذلك بدا واضحاً من زحمة المقالات والتعليقات والتصريحات والمقابلات.

ــ لسنا على دراية أو بينة ما المقصود بمنظمات المجتمع المدني السوري. فالجميع يعلم علم اليقين بأنه لم يكن ثمة في سوريا منظمة واحدة ليست جزءاً من النظام وبنيته، أو لم يُتخذ قرار إنشائها إلا بموافقة النظام ورقابته، ولوظيفة تخديمية لمسلكه العام. فالسوريون في الأعم الغالب، كان يحرم عليهم تحريماً مطلقاً تشكيل أية منظمة مدنية، (حتى لو كانت منظمة تعمل على جمع طوابع البريد الأثرية)، إلا بموافقة ورقابة أمنية ومخابراتية. أما المنظمات المدنية السورية التي نشأت بعد الثورة، ففي الأغلب، لعب السوريون فيها دور الموظفين التنفيذيين، في واقع مسمى منظمات تتبع لممولين أميركان أو أوروبيين. وقد تمتعوا بامتياز الموظف العامل، وخضعوا لشروطه أكثر مما بدت أنشطة مدنية حقيقية، بدرت عن سوريين مستقلي القرار والتفكير. والبيئة العاملة في تلك المنظمات المدنية التي كاثرها السوريون، منذ انطلاقة الثورة السورية حتى اليوم، هي نفسها البيئة التوظيفية التي تُخْضِعُ العاملين لشروط التوظيف؛ من مكافأة ومحاسبة، أو قبول توظيف وتسريح، وببدل راتب وأجر محدد، لم يكن لأي سوري رأيٌ أو قرار في مقداره أو طبيعته، لا زيادة ولا نقصاناً.

فهل كان المقصود بتخصيص ثلث مقاعد اللجنة الدستورية للمنظمات المدنية، هو انتقاء بعض موظفين عاملين في هذه المنظمات لشغل هذه المكانة؟ أم كان المقصود شيئاً آخر، لا نعلمه ولسنا على دراية كافية بالترتيب الإجرائي الذي خضعت له عملية الانتقاء هذه؟ 

لا يجب أن نتجاهل بعض الآراء الأخرى المخالفة والمختلفة. والتي شملت عدداً غير قليل من أطياف المعارضة القابلة، أو التي ترى في اللجنة ممراً إجبارياً ليس بالوسع، في الظرف القائم حالياً، تجاوزه

لا يجب أن نتجاهل بعض الآراء الأخرى المخالفة والمختلفة. والتي شملت عدداً غير قليل من أطياف المعارضة القابلة، أو التي ترى في اللجنة ممراً إجبارياً ليس بالوسع، في الظرف القائم حالياً، تجاوزه. من ذلك كشواهد على هذه الآراء المقابلة، ما نشره موقع تيار مواطنة بتاريخ 8/ 10/ 2019 في افتتاحيته الأسبوعية حول الموضوع نفسه. وقد جاء في سياق تلك الافتتاحية:

(لم يكن الاتفاق على اللجنة الدستورية مفاجئاً إلا لأولئك الذين لم ينظروا وجهاً لوجه إلى الوقائع التي توالدت من بعضها خلال السنوات الثلاث المنصرمة، بحيث يصح القول: إن هذا الاتفاق هو المآل المنطقي والعملي لتعقيدات الوضع السوري، ولكل ما جرى بعد التدخل الروسي في 30 أيلول 2015)

ثم تستأنف افتتاحية "التيار" القول:

(ولأن الأمر كذلك وللتعقيدات الحقيقية للوضع في سوريا أصلًا، وفي الوقت الراهن، والضعف الواضح للمعارضة، ولارتهانها الخاطئ لتركيا، ولانصرافها الجزئي على الأقل عما يمكن وصفه بعناصر قوة نسبية يمكن استثمارها، ولطبيعة الموقف الدولي بشكل عام بما في ذلك موقف الأمم المتحدة وممثليها في سوريا، نقول: لهذه الأسباب بدت اللجنة الدستورية إلى حد كبير كما لو أنها ممر إجباري ينبغي عبوره أو عدم معاندته على الأقل) ـ افتتاحية تيار مواطنة 8/10/2019

كما أنه لا يجب أن نذهل عن حقيقة أن أعضاء اللجنة الدستورية، هم من الشخصيات التي تعتقد، بأنهم أشخاص مهمون جداً. ولولا أهميتهم لما وقع الاختيار عليهم من مجموع الشعب السوري. كما يعتقد هؤلاء الأشخاص/ الأعضاء، بأنهم يؤدون غرضاً أو يحلون معضلة كبرى طال انتظارها، او يُجَلّون فناً من فنون المفاوضات والبراعة الدبلوماسية الفائقة الذكاء، تماماً، وكما يؤدي الميكانيكي عمله، وهو يستشعر بأن لا أحد يستطيع إصلاح السيارة المعطلة دون جهده وتدخله. منصرفين عن حقيقة بديهية، بأن الدول والقوى المتدخلة في الشأن السوري، التي وقع اختيارها عليهم، بوسعها أن تستغني عنهم جميعاً، وأن تستبدلهم بغيرهم، بل وأن تستبدلهم ـ لو شاءت ـ بملفات إلكترونية ووسائط برامجية على الانترنيت، بل وحتى بروبوتات تفوقهم اقتداراً وذكاءاً فيما لو أرادت. خاصة وأن كلا المتشابهين؛ اللجنة والروبوتات، يتماثلان في كونهم قوى لا رأي لها فيما يحدث من حولها، ولا بالأوامر المعطاة لها.

كلمات مفتاحية