اللجنة الدستورية.. مسار روسي للحل

2019.11.27 | 15:55 دمشق

syrie-nego-opposition-genev.jpg
+A
حجم الخط
-A

ثمة مقاربتان للتعاطي مع اللجنة الدستورية التي تشكلت مؤخراً بعد اجتماع الدول الضامنة الثلاث في أنقرة في أيلول الماضي، والتي أعلن بوتين عن تشكيلها، ليقوم بعدها الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه إلى سوريا وبطلب روسي بالإعلان الرسمي عنها، ليشملها بالرعاية الدولية: الأولى، قانونية تتعاطى مع الشأن التقني لعمل اللجنة، وأصحابها حقوقيون ومهتمون بالدساتير، والثانية سياسية، أي مع تركيبتها وظروف تشكيلها، وما يمكن أن تقدمه للسوريين، ومما لا شك أن جميع السوريين مهتمون بشكل أو بآخر بهذا النوع من التعاطي معها، سواء الناقدون منهم أو المؤيدون، بعد الشعور المرير بالخذلان، وما آلت إليه الأوضاع في الداخل وفي بلدان الشتات.

ليس خافياً على أحد أن كل ما يتعلق بمصير سوريا تحدده الدول المتصارعة على سوريا، وأهمها روسيا، التي وجدت أن سوريا هو المكان الذي ستستعيد منه دوراً على الساحة الدولية بعد المهانة التي أذاقها الغرب لها، فتدخلت بثقل عسكري مرعب فيها، ليس للحفاظ على النظام فحسب (والذي ليس أكثر من حجة)، وإنما لتظهر للغرب أنها قوية، وأنها يمكن أن تقلب موازين القوى الدولية، وخاصة بعد التقلب الكبير في السياسة الأميركية مع الإدارتين الحالية والسابقة تجاه سوريا، وإقرارهما بأن سوريا منطقة نفوذ روسية. ضمن هذا الإطار وبعد التدمير العسكري الهائل الذي ألحقته روسيا وإيران بسوريا، أتت اللجنة الدستورية كأولى نتائج تدخلها السياسية، كصيغة تراها للحل في سوريا.

أتت هذه الصيغة الروسية للحل في سوريا لتكون بديلاً للقرار 2254، أي بديلاً للحل الدولي الذي يحقق مطالب السوريين في الانتقال إلى نظام ديمقراطي لا يميز بين السوريين، ويخلصهم من نظام القتل الأسدي، من خلال قيام الهيئة الانتقالية المشكلة من المعارضة والنظام بوضع دستور جديد للبلاد ضمن مدة زمنية معينة، وهي الآلية التي يحاول وفد المعارضة الاستناد إليها، على الرغم من أن اللجنة الحالية المشكلة هي إحدى مخرجات مؤتمر سوتشي (اللجنة الدستورية بغرض التعديل أو وضع دستور جديد+ الانتخابات الرئاسية) من دون التطرق أبداً إلى مصير الأسد ونظامه، لا بل أضفى صفة شرعية على حكومة النظام بكونها حكومة سوريا.

الخطير في الأمر، ليس فقط أن وفد المعارضة يشبه نادياً يضم كتلاً متعددة من الائتلاف ومنصة القاهرة، ومنصة موسكو، هيئة التنسيق، والفصائل العسكرية والمستقلين، ويحمل في داخله من يناصر النظام (مندوب منصة موسكو)، وإنما إقراره بشرعية حكومة النظام كحكومة لسورية، وليست طرفاً في المفاوضات، حيث عبر البحرة (رئيس وفد المعارضة) عن ذلك صراحة، حيث قال بأننا مصممون على العمل مع الحكومة لإيجاد أرضية مشتركة، والأكثر خطورة التوهم بأن من يتحكم في المشكلة في سوريا هي الحكومة، وأنه بمقدورها التفاوض والقرار حول ما يهم السوريين، متناسين أو مضطرين إلى التعامي بأن من يدير البلاد، ومن دمرها، هو النظام الأمني المخابراتي الذي يرتكز إليه نظام العائلة الأسدية، والذي يعيّن هو وحده تلك الواجهة المسماة حكومة، إضافة لجميع هياكل السلطة في سوريا.

ضمن الحالة التي يعيشها السوريون، التي فرضتها الهيمنة الروسية والإيرانية على البلاد، تبدو الخيارات محدودة جداً، إن لم تكن معدومة أمام السوريين والهيئات السياسية المعارضة، ويصور الروس والإيرانيون أن "اللجنة الدستورية هي الخيار الوحيد المتاح"، وقد يكون هذا صحيحاً إلى حد ما، ولكن بالتأكيد ليست هي الخيار الوحيد،  وهنا يكمن المنزلق الآخر لهيئة التفاوض، التي تعد المشاركة في التفاوض على الدستور هو الخيار المتاح، وبتلاعب على الألفاظ كما عبر رئيسها نصر الحريري متسائلاً: وفق أي دستور ستسير المرحلة الانتقالية...! وهنا مكمن الخوف أكثر من المشاركة بالمفاوضات، فرغم الحديث المستمر عن التشبث بحقوق السوريين إلا أن مسارها الفعلي هو التبرير لكل التنازلات، وهو ما يخيف الناس أكثر.

كل ما سبق يجعل من اللجنة فخاً ومكاناً لتبادل الاتهامات أكثر من منصة للتفاوض حول أي موضوع، فالنظام معروف بخداعه ومكره، ناهيك عن أنه يعد نفسه وحلفاءَه "منتصرين"، ومن حقه أن "يقرر" نتيجة التفاوض، حيث لم يعترف إلى الآن بالوفد المعارض، ويسميه الوفد الآخر، كما أنه لا يعتبر قرار 2254 وبيان جنيف مرجعية لهذه اللجنة، وإنما سوتشي، كما عبر عن ذلك رأس النظام. ولكي تستعيد هيئة التفاوض شيئاً من ثقة السوريين لا بد وأن تصرّ على بعض المطالب بغاية خلق نوع من الثقة لدى السوريين، وأهمها الإفراج عن المعتقلين ووقف القصف على المدنيين قبل البدء بمناقشة أي تعديلات أو حتى كتابة دستور جديد، فلا قيمة لأي دستور جديد أو معدّل طالما بقيت سلطة المخابرات فوق رقاب البشر.

يدرك السوريون أن روسيا وإيران والنظام تمكنوا من تهجير الملايين من السكان، واعتقال مئات الألوف، وقتل حوالي المليون منهم، وتدمير حوالي نصف البنية التحتية في البلاد، ويعرفون تماماً أن طائرات النظام وروسيا تطارد أجسادهم بينما ميليشيات إيران الطائفية تلاحق عقولهم وقلوبهم، ويمكنهم أن يروجوا لأي صيغة من الحلول وحتى يفرضوها على السوريين، لكن روسيا وإيران والنظام لا يدركون أنه لا يمكن إجبار السوريين على نسيان آلامهم، وأنه بفعلتهم تلك التي ستفرض نظام المخابرات من جديد يعملون على إعادة إطلاق الشرارة من جديد، من الجمر الكامن في قلوب السوريين وأجسادهم، وهو اليوم غير البعيد.