اللاجئون في الدنمارك: بازار لسياسة بلا ضمير

2022.01.18 | 06:36 دمشق

aldnmark.jpg
+A
حجم الخط
-A

في القانون الذي أقرّه البرلمان الدنماركي بتاريخ 3/6/2021م، والمتعلق بسياسة اللجوء، يحضر السؤال البديهي: إلى أي حد يمكن للسياسة أن تكون بلا أخلاق أو ضمير؟

لن أتحدث عن الشروط المشدّدة جداً والمجحفة ضمن هذا القانون، فهو أمر يفتح الجدل واسعاً أمام حق أي دولة في رسم سياساتها وفق "مصالحها" حتى وإن تناقضت هذه السياسات مع القوانين والأعراف الدولية التي وافقت عليها هذه الدولة والتزمت بها ضمن اتفاقيات موقعة، ما سوف أتحدث عنه هو محاولة الحكومة الدنماركية الذهاب إلى طريقة جديدة في التعاطي مع القضية الساخنة جداً (أقصد قضية اللجوء)، عبر آليات طرحتها بعض الدول سابقاً لكنها جوبهت بالرفض إنسانياً وحقوقياً، بسبب لا إنسانيتها ولا أخلاقيتها ولا قانونيتها.

يبدو أن إصرار الحكومة الدنماركية على تنفيذ الإقامة الجبرية على اللاجئين، وبعبارة أدق اعتقالهم وعزلهم، لا يزال معتمداً من قبلها

يسمح القانون الدنماركي الجديد للحكومة الدنماركية بإقامة مراكز استقبال خارج الاتحاد الأوروبي، لفحص طلبات اللجوء، بصياغة أخرى، وكما تفسر الحكومة الدنماركية الأمر، فإن اللاجئ الذي يصل إلى الدنمارك، سيتم نقله إلى مركز للاجئين خارج أوروبا، وسيودع فيه إلى أن يُبتَّ في أمره، ويبدو أن الحكومة الدنماركية أجرت اتصالات مع دول عديدة بهذا الخصوص، كان من بينها دول عربية كالجزائر وتونس ومصر، وغير عربية مثل إريتريا ورواندا وإثيوبيا، لكن ما تسرب حتى الآن ويظل غير مؤكّد، أن معظم هذه الدول لم تقبل العرض الدنماركي.

يبدو أن إصرار الحكومة الدنماركية على تنفيذ الإقامة الجبرية على اللاجئين، وبعبارة أدق اعتقالهم وعزلهم، لا يزال معتمداً من قبلها، فهي مصممة عليه حتى في حال لم تتمكن من إقامة المعتقلات خارج أوروبا، ولهذا اقترحت أن تخصص جزيرة داخل الدنمارك لإقامة هذه المعتقلات، وبالتالي فإن هؤلاء المعتقلين بكل فئاتهم العمرية ممنوعون من الحياة بشكلها الطبيعي كبقية البشر، أي أن كل ما تراه الحكومة الدنماركية فيهم، هو أنهم كائنات حية لهم الحق فقط في الاستمرار على قيد الحياة، أما حقوقهم الأخرى في التعليم والتنقل والعمل والعيش ضمن مجتمعات إنسانية، وبحقوق كاملة فهو أمر لا يعنيها.

كل هذا الإمعان في هدر كرامة البشر، وفي سلبهم حقوقهم الأساسية، مصدره هدف رئيسي وضعته الحكومة الدنماركية كركيزة وحيدة وأساسية لتعاملها مع قضية اللجوء، وهو الوصول إلى معادلة (صفر مهاجرين)، من أجل هذا راحت حكومة وسط اليسار الدنماركية تنتهج السياسة الأكثر تشدّداً في أوروبا، ووصل بها الأمر إلى سحب الإقامة من بعض السوريين، في تبرير يدعو للسخرية حقاً، وهو أن المناطق التي جاؤوا منها باتت آمنة.

منذ أن أطلقت الدنمارك قانونها المتعلق بقوانين اللجوء في (2021)، ارتفعت الأصوات المندّدة به، والمستنكرة لمجمل الإجراءات المتخذة بحق اللاجئين في الدنمارك، سواء لدى المنظمات الحقوقية الدولية، أو لدى الحكومات، وعلى المستوى الشعبي داخل الدنمارك وخارجها، لكن كل هذا لم يدفع الحكومة الدنماركية لإعادة النظر في إجراءاتها، فقد رفضت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين سياسة الدنمارك، وأعلن الاتحاد الأوروبي أيضاً رفضه، وأعلنت جمعيات حقوقية وبرلمانية عدة رفضها.

"شارلوت سلينتي"، المسؤولة في المجلس الدنماركي للاجئين، وصفت الاستعانة بجهات خارجية لتولي مسؤولية طالبي اللجوء بأنه تصرّف "غير مسؤول ويظهر انعدام التضامن"، وقالت "سلينتي": (إن الحقيقة تكمن في أن البرلمان أقر قانونًا لنموذج محتمل لإجراءات لجوء غير موجودة، وبالتالي فإننا لا نعرف كيف سيبدو على أرض الواقع).

في اللقاء الذي تم يوم الخميس الماضي 13/1/2022م، في مبنى البرلمان الأوروبي ببروكسل، وضم ما يقرب من خمسين برلمانياً أوروبياً مع وزير الهجرة والإدماج الدنماركي "ماتياس تسفاي"، للنقاش حول سياسة الدنمارك المتعلقة باللاجئين، حاول وزير الإدماج "تسفاي" أن يبدو حانياً وشفافاً، فتحدث عن معاناة اللاجئين مع حلقات التهريب، وأنه يعمل مع حكومته على وضع حد لهذه المعاناة، لكن فيض "إنسانيته" لم يمنع الحاضرين من توجيه انتقادات لاذعة له، وللحزب الديمقراطي الاشتراكي الذي يقود الحكومة الدنماركية:

(أنتم من أغنى البلدان، وأن نسمع منكم أنكم لا تستطيعون استقبال اللاجئين هو وصمة عار).

تبعث سياسة الهجرة الصارمة رسائل في كل الاتجاهات، لكنها أولاً وقبل كل شيء تخبرنا أنه من الصعب أن تكون أجنبياً في الدنمارك

(إذا كانت معاهدة دبلن تعني في الواقع أنك ترسل أشخاصًا إلى دول ثالثة أخرى، فإن الثقة ستدمر بشكل أساسي، وسوف يفاجئني كثيرًا إذا تمكنت الدنمارك من الاستمرار في هذه المعاهدة).

كتب الصحفي اليساري الدنماركي "كنود فيلبي": (تبعث سياسة الهجرة الصارمة رسائل في كل الاتجاهات، لكنها أولاً وقبل كل شيء تخبرنا أنه من الصعب أن تكون أجنبياً في الدنمارك. نحن نرحب بالمهاجرين من الجزء الغربي من الاتحاد الأوروبي، لكننا ننظر بقدر أكبر من الشك إلى أولئك القادمين من الدول الشرقية. نريد من بقية العالم بعض الخبراء المتعلمين تعليماً عالياً -الذين تحتاج إليهم الدول الفقيرة نفسها أكثر منّا- لا نريد أشخاصًا من دول إسلامية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وسنستقبل - بالضرورة - عددًا من اللاجئين أقل بكثير مما تنص عليه ورقة التفاهم الحكومية، إن الدنمارك تفعل كل ما في وسعها للتخلص حتى من اللاجئين السوريين المتعلمين جيدًا، وإعادتهم إلى أوطانهم على الرغم من تحذير الأمم المتحدة والعالم كله من خطأ هذا. الغريب أن السياسيين الذين يمكن أن يبدوا في أمور أخرى على دراية جيدة ومدروسة، يوافقون أنفسهم على جعل الدنمارك تبدو مثيرة للاشمئزاز).

لكن السؤال الأهم في ذلك اللقاء، والذي يعكس مدى ابتعاد الأخلاق عن سياسة الحكومة الدنماركية حيال اللاجئين، وبقي معلقاً في لحظة قوله، وفي لحظة الصمت الذي أعقبته، والذي سيبقى كذلك طويلاً كشاهد بلا أي إمكانية لتخفيف ثقله، هو ذلك السؤال الذي وجهته له برلمانية هولندية:

  • سيد تسفاي كيف تستطيع النوم؟.

لم يجب "تسفاي" عن ذلك السؤال، وانتهى اللقاء، وغادر تسفاي مدينة بروكسل، رافضا الإجابة عن سؤال البرلمانية الهولندية.

 تعرف البرلمانية الهولندية، ومعها كل من سمع السؤال أن من لا ضمير له يستطيع أن ينام عميقاً.

بقي أن أوضح أن وزير الهجرة والإدماج "ماتياس تسفاي"، (ضعوا خطوطا كثيرة تحت كلمة "إدماج")، ليس من أصول دنماركية، وهو مهاجر مع عائلته من إثيوبيا.