icon
التغطية الحية

اللاجئون السوريون.. وشبح الهجمات العنصرية في أوروبا

2019.03.20 | 11:03 دمشق

نسخ من القرآن الكريم في مسجد تعرض للحرق ببرلين،11 من آذار 2018 (رويترز)
ألمانيا - حسام يوسف - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

"الضرب في نيوزلاندا والصدى في أوروبا" عبارةٌ تختصرُ الحالة السائدة في أوساط اللاجئين في أوروبا عقب هجمات نيوزيلاندا، والذين لم يخفوا قلقهم من احتمالية تكرار هذه الهجمات في مناطق ومدن أوروبية، لا سيما مع تأكيد التحقيقات ومعطيات الهجومين اللذين طالا مسجدين في مدينة كرايست تشيرتش أن الجريمة قامت لأسباب عنصرية، وما تبعها من محاولات لشن هجوم على مسجد في بريطانيا، وطعن شاب سوري في ألمانيا، بالتزامن مع تصعيد اليمين المتطرف وأنصاره من خطابهم ضد اللاجئين عموماً.

تطمينات غير كافية وإجراءات احترازية

على الرغم من الإدانة الحكومية الواسعة لهجوم نيوزيلاندا الإرهابي وتعهد عدد من الحكومات الأوروبية بحماية المساجد، فإن اللاجئين في أوروبا أكدوا أن الإدانة ليست كافية لردع مثل هذه الجرائم لاسيما أن من سمَّوه "سفاح نيوزلاندا" لم يُبد أي ندمٍ وإنما تمسك بفعلته وأصر على أنه كان يدافع بها عن صفاء العرق الأبيض من "الغزاة".

الشابة إيمان المقيمة في فرنسا كانت من بين من أبدَوا قلقهم من تصاعد الكراهية ضد الأجانب بشكل عام والمسلمين بشكل خاص، مضيفةً: "على المستوى الشخصي المباشر لم تتأثر حياتي بما حدث، ولكن بالمقابل زادت مخاوفي بالتأكيد من تعرضي لأي أذى بسبب ملامحي غير الفرنسية، خاصةً أنني أعيش في مدينة ذات ميول يمينية".

مخاوف إيمان وقلقها بحسب ما روته لموقع "تلفزيون سوريا" جاء من حالة الرفض الذي لمسته من قبل الوسط المحيط بها، مؤكدةً أنها في كثير من الأوقات تلاحظ نظرات الرفض من الجيران الذين يمتنعون حتى عن رد التحية عندما تلقيها عليهم على حد قولها، مشيرةً إلى أنها لا تدري متى يتحول هذا الرفض إلى فعلٍ عدائيٍ من أحدهم تجاهها خاصةً مع التوتر الحاصل وتزايد نسبة الكراهية في أوروبا.

تقاطعات ووجهات نظر.. من المسؤول؟؟!

في مكانٍ آخر من القارة الأوروبية، وجد قلق إيمان ومخاوفها صداه لدى الشاب نوار المقيم في ألمانيا والذي أبدى قناعته التامة بتكرار أحداث نيوزيلاندا في مناطق أخرى من أوروبا رغم تباعد المسافات بين المنطقتين، لافتاً إلى أن فرنسا والدانمارك بالإضافة إلى ألمانيا هي أكثر المناطق المهددة بهجمات عنصرية معادية للأجانب والمسلمين، لاسيما أنها المناطق التي شهدت خلال السنوات الماضية صعود اليمين المتطرف في الانتخابات المحلية على حد قوله.

أما عن أسباب ودوافع الهجمات في أوروبا سواء ضد المسلمين أو الأجانب أو الهجمات التي تعرضت لها شعوب تلك الدول فقد ربطها ابن الـ 30 عاماً بالموروث التاريخي الذي يعود إلى أكثر من 1000 عام ماضية، معتبراً أن هذه الموجة من الكراهية بين كل الأطراف بغض النظر عن انتماءاتها الدينية والعرقية؛ ليست وليدة اللحظة وإنما يمكن إرجاعها إلى فترة تاريخية شهدت كثيراً من الصراعات بين أوروبا والدولة العثمانية على وجه الخصوص، مستبعداً في الوقت ذاته أن تكون الهجمات التي يتعرض لها المسلمون واللاجئون مجرد رد فعل على عمليات تنظيم الدولة الإرهابية في أوروبا، منطلقاً في قناعته هذه من استخدام "سفاح نيوزيلاندا" لعبارات ودلالات تاريخية أثناء الهجوم، وعبارات تشير إلى عنصرية ضد كل من هو ليس أبيض مهما كان انتماؤه الديني والعرقي.

وبالرغم من تشاركهما القلق فإن الشابة إيمان عرضت من وجهت نظرها أسباباً ودوافعَ أخرى لتصاعد استهداف المسلمين في أوروبا بعيدةً تماماً عن العمق التاريخي، مضيفة: "قد يكون لهجمات تنظيم داعش دورٌ نسبيٌ بالعدائية ضد المسلمين، ولكن بالعموم العنصري أو شديد العنصرية لا يحتاج إلى مبررات ليرتكب أي جريمة كراهية، فقناعاته بتفوق عرقه أو أصله على بقية الأعراق الأخرى يكفي، طبعاً دون نسيان ذكر الدور التحريضي لبعض وسائل الإعلام والذي يمكن تصنيفه في المرتبة الأولى بين تلك الأسباب".

ليس بالحرب وحدها ينتهي الإرهاب

القلق لم يكن وحده سيد الموقف وإنما كان للجدل حول طرق مواجهة تلك الهجمات مكان في أوساط اللاجئين، حيث هاجم بعضهم طرق محاربة الإرهاب التقليدية التي يتبعها المجتمع الدولي من خلال الآلة العسكرية في سوريا والعراق وأفغانستان والتي أودت بحياة كثير من الأبرياء، معتبرين أنها أعطت مفعولاً عكسياً وساهمت في زيادة التوتر من خلال العمليات والعمليات المضادة.

الشاب نوار من جهته كان من بين الذين تبنَّوا هذا التوجه، مضيفاً: "حل المشكلة يتطلب إنشاء جيل جديد بعيداً عن الموروث التاريخي الدموي الذي يحرك بداخل البعض غريزة الانتقام ورفض الآخر أو الإحساس بالتفوق عليه، والعمل على زرع ثقافة التنوع ليس في أوروبا فقط وإنما حتى في الشرق الأوسط"، لافتاً إلى أن هذا الحل يضمن نهاية التأثر بثقافة الثأر والرفض ويؤسس لحياة بشرية أكثر توازناً حتى وإن تطلبت هذه النتائج فترة زمنية طويلة للظهور على أرض الواقع، وهو ما اتفق معه الشاب حازم المقيم في ألمانيا، والذي اعتبر أن الفكر اليميني العنصري سواء في أوروبا أو الشرق الأوسط يتغذى على إيديولوجيات معيَّنة لا يمكن محاربتها من خلال الطائرات والدبابات وإنما من خلال الوعي وتفعيل الشعور الإنساني على حد وصفه.

وأضاف حازم ابن الـ "34 عاما": "من يتابع تفاصيل الأحداث والهجمات بشكل حيادي من حيث التوقيت وأساليب التنفيذ يستطيع اكتشاف وجود أطراف مستفيدة تعمل على تأجيج المشكلات خصوصاً بين العرب المسلمين والأوروبيين، وهو ما يفرض أن تقوم مناهضة العنصرية والإرهاب على مبادئ مدروسة وعلمية بعيداً عن العسكرة والعنف المضاد"، لافتاً إلى أن موجات الكراهية شهدت اتساعاً ملحوظاً بعد العمليات العسكرية للتحالف في سوريا والعراق.

على الطرف الآخر، ربط بعض اللاجئين في أوروبا وسائل التصدي للكراهية ضد اللاجئين بضرورة إثبات اندماجهم في المجتمعات المستضيفة لهم داخل أوروبا، وإظهار التعاطف مع ضحايا الهجمات التي يشنها تنظيم داعش على وجه الخصوص، إلى جانب الالتزام بالقوانين والقيم الأوروبية، بما يضمن لهم حياة مشتركة مع شعوب القارة، لافتين إلى أن تصاعد الشعور السلبي تجاههم يعني فشلهم في الاندماج وتقديم أنفسهم كمكوّن جديد في نسيج الأوطان الجديدة.

أحمد كان واحداً من أنصار هذا التوجه، مشيراً إلى أن وجود بعض "المسلمين" من مَن يؤيدون أفعال التنظيمات المتطرفة ومجاهرتهم بذلك، بالإضافة إلى رفضهم التخلي عن الموروث الاجتماعي والديني لصالح معايير الاندماج الأوروبي، أظهرهم وكأنهم غزاة فعليون أدخلوا إلى المجتمع الأوروبي العلماني عادات وقيماً مختلفة لم يكن معتاداً على وجودها سابقاً، وهو بحد ذاته سببٌ لرفضهم من قبل اليمين، وحتى من قبل بعض من رحَّب بقدومهم قبل سنوات، وفقاً لرأيه، متسائلاً: "لو كنا قد رفضنا إجرام داعش بشكل قاطع ولم نختلق له الأعذار وانخرطنا في هذه المجتمعات كغيرنا من الأجانب هل كنا كمسلمين سنتعرض لمثل هذه الهجمات؟".