اللاجئون السوريون في مواجهة العزلة والتنميط

2020.11.04 | 23:01 دمشق

lljyyn_10.jpg
+A
حجم الخط
-A

يواجه السوري صعوبات شتى في كل البلدان التي وصل إليها مضطراً. حتى تلك المجاورة لبلده، والتي بقي فيها كي يظل قريباً من بيته وأرضه، مستعداً للعودة إليهما، حال حدوث ما انتظره هو وغيره طيلة العقد الماضي، أي سقوط نظام الأسد، الذي كان وما زال سبباً لكل مآسي السوريين.

غير أن أفدح ما يواجهه حقاً، وعلى الصعيد الذاتي، إحساسه بأنه في مركز كل ما يجري من أحداث! وأن ثمة نافذة فتحها أحدهم لسبب ما كي يزج به في أي قصة من القصص اليومية التي يعيشها مواطنو هذه البلدان! حتى تلك الأمور الغريبة، من مثل القول إن الأوكسجين قد نقص من الهواء بسبب وجود السوريين، وهو ادعاء تحول إلى طرفة في لبنان، لكنه عكس كنموذج بشكل أو بآخر، تنامي نزعة تحميل اللاجئين المشكلات الخاصة في البلدان التي يعيشون فيها، هرباً من مواجهة أسبابها الحقيقية.

وبالتأكيد، كلما كان البلد المضيف يعاني من مشكلات اقتصادية أو اجتماعية وسياسية، قامت فئات فاعلة فيه، عن جهل، أو خبث، بوضع حصة ما، إن لم تكن الحصة الأكبر من الأسباب على ظهور المستجيرين به!

يتكفل ناشطون وسياسيون في غالبية البلدان المستضيفة للاجئين بالدفاع عنهم، وإبعادهم عن سهام السياسيين الشعبويين، الذين يستغلون مشكلات المهاجرين إلى بلدانهم، ليثيروا حنق الجمهور عليهم، بغية الوصول لمكاسب سياسية آنية أو استراتيجية.

ويدرك هؤلاء المدافعون أن ما يواجهه اللاجئون من مشاق في الاندماج، في المجتمعات التي تستقبلهم، بالإضافة إلى مشكلاتهم الذاتية الناتجة عن صدمة فقدان الوطن، بما تتضمنه من خسارات هائلة لكل فرد، لا بد سيؤدي إلى مضاعفات متعددة الأشكال، ستتقاطع حكماً مع حيوات مواطني هذه البلدان، لكنها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تجعل منهم شماعة لأخطاء الحكومات المحلية، أو دريئة لسهام المعارضات السياسية!

يخففُ الجهد المبذول من قبل هؤلاء الناشطين، ومعهم جمعيات أهلية، ومنظمات إنسانية دولية، من الآثار النفسية التي تقع على اللاجئين عموماً، والسوريين منهم خصوصاً، لكنه لا يبعدهم عن الإحساس بأنهم في وسط الدائرة، حيث يسهل على عدسة القناص المتأهب للتصويب أن تلحظ وجودهم، فيتوقعون أن يكونوا حاضرين كمتهم جاهز، يسهل اتهامه، في أي مصيبة تجري، أو كارثة تحدث، ومقاساته تتحمل ألبسة الاتهامات!

لهذا سيذهب هؤلاء فوراً وبشكل تلقائي إلى التبرؤ من أي شيء يخص الحدث، وإلى عزل أنفسهم عنه، ورفض إعلان أي رأي تجاهه، أو القيام بردة فعل عليه! فيجعلون من حيزهم الشخصي قلعة محصنة، منغلقة على ما يحيط بها. ويترافق هذا مع الإصرار على أن وجودهم في السياق عابر ومؤقت، وأن لا مصلحة لهم في المساهمة والفعالية، ما يؤدي في المحصلة إلى بناء "الكانتون" الذاتي، وهو ما يخدم في النتيجة وجهات النظر المعادية لوجودهم، حيث يؤكدون من حيث لا يدرون عدم قدرتهم على الاندماج، وانعزالهم عن المحيط!

وتبعاً لهذا، سيؤدي إنكارهم لعلاقة بعض من أفراد مجتمعهم بأحداث العنف، وجرائم الإرهاب، إلى مشكلة مزدوجة؛ حيث سيتولى آخرون من جهة أولى تشريح واقعهم من خارج عالمهم، عبر أدوات جاهزة أو مصنعة سلفاً، لا تقترب من حقائق ما يعيشونه، وتستسهل وصمهم كجماعة وبمنطق "ثقافوي" بالصفات النمطية الآثمة!

وفي الوقت نفسه سيتولى اللاجئون بأنفسهم الإساءة لصورتهم والتأكيد على الوصمة الملصقة بهم، عندما يرفضون الاعتراف بوجود أفراد أو مجموعات بينهم تفكر بهذا الشكل أو ذاك وتقوم بهذه الأفعال أو تلك، وإحالة كل ما يجري إلى تآمر الآخرين عليهم! ما يعني فعلياً عدم قدرتهم على تبين واقع حالهم، وعدم قدرتهم على القيام بما يجب عليهم القيام به، ولاسيما رفض النزعات العنفية لدى جزء من أفراد مجتمعهم الخاص، وبحسب هذا سيظهرون أنفسهم أيضاً كجماعات منعزلة غير منفتحة على بعضها، لا يدري أفرادها ما يجري في مساحاتهم الضيقة، ويعجزون بالتالي عن التواصل مع ما حولهم!

الانكفاء والعزلة، والإنكار، إضافة إلى ما رسّخته الأنظمة الاستبدادية من الخوف، والميل لدى الفرد إلى عدم المشاركة، سيؤديان إلى سيطرة فئات تمتلك أصواتاً عالية على المشهد العام للمجتمع المحلي، وقد لاحظ كثيرون خلال الأيام الماضية، كيف جرّت فئات متطرفة الأنظار إليها، في مساحات التواصل الاجتماعي، وبدلاً من أن تكون إدانة الجرائم المرتكبة باسم الدين أولوية لديها، صارت مسألة الحريات في المجتمعات الغربية والتي تسمح بنشر الكاريكاتيرات المسيئة، هي المسألة!

وقد تركت المساحات واسعة لهذه الفئات، بينما كان صوت الفئات الأوسع الرافضة للجرائم، والتي تميل إلى معالجات منطقية لمثل إشكاليات صدامية كهذه بين الثقافات، ضعيفاً وهامساً في أغلب الأحيان!

على مقربة من بيئات السوريين المستجدين في أوروبا، ساهم انعزال مجتمعات لاجئة قادمة من دول شرق أوروبا، ومن الهاربين من تسلط الدولة الروسية، في تنميطهم، وجعلهم بيئات محتملة لظهور أفراد منفلتين، يسهل انقيادهم للأعمال الإرهابية!

بينما سنلاحظ أن مجتمعات المهاجرين الأقدم، التي سبقت السوريين في منافيهم الحالية ولاسيما تلك المعنية والمهتمة بالصورة العامة للمسلمين في أوروبا، كانت وبحسب الخبرة، وربما بحسب الاندماج الواسع لأفرادها في المجتمعات الأوروبية، أكثر فطنة في التعاطي مع هذه الحوادث، فقام أفرادها بإدانة الجرائم فوراً وسعى كثيرون من أصحاب الفعاليات للظهور على الإعلام، للمشاركة في الفعالية المجتمعية العامة حيال الحدث!

إذاً، والحال هذا، بات من المؤكد أن تقوقع اللاجئين على أنفسهم، وشدهم حبل قضاياهم على رقابهم، صار يخنق وجودهم في المنافي، ويؤهلهم ليكونوا الجمهور الضحية دائماً!

وإذ تمضي الوقائع المستجدة بهم وأيضاً بمضيفيهم، إلى آفاق أفضل قوامها التفاعل، والبناء على المشتركات الإنسانية، فإن ذلك يبقى مشروطاً بامتلاكهم الفعالية، والرغبة بالخروج من القوقعة الذاتية.

كلمات مفتاحية