اللاجئون السوريون في بازار السياسة اللبنانية

2019.06.17 | 00:06 دمشق

+A
حجم الخط
-A

تتفاقم مشكلة اللاجئين السوريين في لبنان يوماً بعد يوم، وتتخذ أشكالاً متعددة، وترتدي في أغلب تجلياتها وجهاً عنصرياً بالغ البشاعة، ينتهك أبسط حقوق الإنسان، أو حقوق اللاجئين التي أقرها ميثاق الأمم المتحدة.

لا يكاد يمر يوم دون خبر عن ممارسة عنصرية بشعة، يمارسها لبنانيون (أفراد، أو أحزاب، أو حتى مؤسسات الدولة) بحق سوريين: مضايقات، وإهانات عند المعابر الحدودية وفي المطار، وحرق خيامهم، وهدم بيوتهم الصفيح، ومن تهجير قسري إلى اعتقال تعسفي لا يراعي قانوناً ولا حقوقاً، ومن منع للتجوال إلى منع للعمل مروراً بمنع الدخول إلى بعض المحال التجارية... إنها الممارسات التي نسيتها البشرية، أو كادت أن تنساها في قرنها الواحد والعشرين. لكن بعض الأشقاء اللبنانيين يستعيدونها، ويرون فيها وجها للبطولة؛ فيبالغون.

وفي مفارقة غريبة، يتجاهل بعض اللبنانيين، أن أقل من ثلثهم فقط يعيش في لبنان، (30% من اللبنانيين يعيشون في لبنان) والثلثان الباقيان يعيشان خارج لبنان؛ فهناك ما يزيد عن أربعة عشر مليون لبناني لا يعيشون في لبنان، فهم ينتشرون في أنحاء المعمورة. وهم يتجاهلون أن هذه الهجرة قد بدأت منذ أكثر من قرن، ويتجاهلون أن عمل اللبنانيين في مغترباتهم وتحويلاتهم المالية يشكل مصدراً بالغ الأهمية للاقتصاد اللبناني. ومع هذا، فإن هذه الحقيقة البسيطة لم تدفع بعض اللبنانيين إلى احترام الحقوق الدنيا لحقوق اللاجئين، وعدم زج قضية العمل، والعمالة الأجنبية في حقل السياسة والمتاجرة بها!

تتباين الأرقام عن عدد اللاجئين السوريين في لبنان، الذين هربوا من حرب متوحشة، هدمت بيوتهم، وقتّلت ما يقارب المليون منهم، وما زالت تهدد حياتهم؛ إذ تشير أقل الأرقام إلى "850" ألف لاجئ، بينما يتحدث أعلاها عن أكثر من مليون لاجئ، وعلى افتراض أن العدد هو مليون لاجئ، فإن من المهم الإشارة إلى حقائق أساسية حولهم، هي التي يتم تجاهلها، أو تنحيتها جانباً، عند تناول قضيتهم.

نسبة كبيرة من هؤلاء يعيشون من أموالهم الخاصة، وهم يستأجرون أماكن سكنهم، وبالتالي فهم ليسوا عبئاً اقتصادياً على لبنان

أولى هذه الحقائق، هي: أن نسبة كبيرة من هؤلاء يعيشون من أموالهم الخاصة، وهم يستأجرون أماكن سكنهم، وبالتالي فهم ليسوا عبئاً اقتصادياً على لبنان، لا بل ربما يساهمون في زيادة دوران عجلة هذا الاقتصاد.

ثاني هذه الحقائق، هي: أن الحكومة اللبنانية لا تقدم أي خدمات لأي لاجئ، فهي ليست ملزمة بشيء اتجاه اللاجئين. فلماذا إذاً يتم تصوير موضوع اللاجئين السوريين على أنه سبب المشكلة الاقتصادية في لبنان؟!

ثالث هذه الحقائق، هي: أن الحكومة اللبنانية قد تلقت منذ عام 2013 وحتى عام 2018 ما يزيد عن خمسة عشر مليار دولار مساعدات دولية لهؤلاء اللاجئين.

2013     2,2 مليار دولار
2014     2,3 مليار دولار
2015    2,7 مليار دولار
2016    3 مليار دولار
2017    2,6 مليار دولار
2018    2,4 مليار دولار
المجموع    15,2 مليار دولار
 
رابع هذه الحقائق، هي: أن النسبة الساحقة من اللاجئين السوريين في لبنان هي من المناطق السورية القريبة من لبنان. هذه المناطق التي دُمرت، وهُجر سكانها جراء عمليات حزب الله الحربية: حزب الله الذي يقود لبنان سياسياً واقتصادياً، وهو من يسيّر الحكومة اللبنانية عملياً، وبالتالي فإن من المنطقي أن يتحمل حزب الله مسؤولية هذا الفعل، وما يترتب عنه، أمام المجتمع اللبناني والدولي. 

خامس هذه الحقائق، هي: أن لبنان يغرق في أزمة اقتصادية -وسياسية- عميقة وقديمة. ويكفي أن نعلم أن ميزانيةً لم تقر في لبنان طوال اثني عشر عاماً (2005 – 2017)، وأن في عام 2006 -أي قبل سبع سنوات من وصول اللاجئين السوريين إلى لبنان- قد بلغ معدل الدين العام 178% من الناتج المحلي اللبناني، وأن لبنان -باعتراف معظم شخصياته السياسية والاقتصادية- يعاني من فساد قد تفاقم حتى وصل إلى بنية الدولة اللبنانية العميقة، وهو ينخرها بلا هوادة.

بالتأكيد، إن أي تغيير ديموغرافي كبير في مجتمع ما، لابد أن يؤثر في هذا المجتمع، ولابد أن يتسبب بمشكلات لهذا المجتمع، ولكن هذا غير ذاك. إن (نسبة اللاجئين السوريين إلى عدد من يعيشون في لبنان، هي: 16% فقط، وليست 40% كما يدعي السيد جبران باسيل وزير الخارجية اللبنانية). 

لكن، كيف تتعامل الطبقة السياسية في لبنان مع المشكلات التي يتسبب بها اللجوء السوري في لبنان، وكيف يتعامل المجتمع اللبناني معها أيضاً؟

من يتمعن في تحولات ومتغيرات قضية اللاجئين السوريين في لبنان، سيدرك بسهولة أن العامل الأهم والأساس في طريقة التعامل هذه، هو: العامل السياسي. وعليه، يمكن التمييز بين تيارين أساسيين: أحدهما يندفع بقوة إلى رفض هذا الوجود، والعمل بكل الوسائل القانونية وغير القانونية لإنهائه بما يخدم النظام السوري، ومن المعلوم أن التيار الوطني الحر هو من يتصدر هذا التيار في هذا، تساعده في ذلك الأحزاب المؤيدة للنظام السوري في لبنان، تحت إشراف حزب الله. بينما تقف الأحزاب والجهات السياسية ذات العلاقة السيئة مع النظام السوري على الضفة الأخرى.

أما فيما يتعلق بالمجتمع اللبناني، فقد بدا واضحاً انعكاس الانقسام السياسي على البيئات المنتمية سياسياً، بينما بنى الآخرون موقفهم معتمدين على الوجه الاقتصادي والمصالح الخاصة من هذا الوجود.

ما يصدم في قضية اللاجئين السوريين في لبنان، هو تراجع الوجه الإنساني والحقوقي لقضيتهم، وعدم فصل هذا اللجوء عن الاستثمار السياسي أو الاقتصادي

ما يصدم في قضية اللاجئين السوريين في لبنان، هو تراجع الوجه الإنساني والحقوقي لقضيتهم، وعدم فصل هذا اللجوء عن الاستثمار السياسي أو الاقتصادي، وكأن هؤلاء اللاجئين ليسوا بشراً، قد فروا من جحيم حرب، وكأنهم لا يتعرضون لظروف بالغة القسوة، وكأن القانون الدولي لم يقر حمايتهم.

وما يصدم أكثر هو، أن اللاجئين السوريين، وفي سابقة خطيرة لم تعرفها البشرية سابقاً على هذا النحو من الوقاحة والصفاقة، وهي أن تكون حكومة بلدهم التي يفترض بها الدفاع عنهم، هي رأس الحربة في المتاجرة بهم وفي تعقيد شروط حياتهم. ولن أتطرق هنا إلى الدور الفضيحة الذي تلعبه مؤسسات المعارضة السورية في هذه المأساة التي تتفاقم يوماً بعد يوم.

بتكثيف شديد: إن استعمال ملف اللاجئين السوريين في البازار السياسي اللبناني، هو عار على الطبقة السياسية اللبنانية، وإن تحميل اللاجئين السوريين وزر الفساد وهيمنة الولاءات السياسية ولعبة التحالفات السياسية المفضوحة في المنطقة، هو أوقح عهر سياسي يمكن أن تعيشه دولة بشكل علني. إن مشكلة هذا اللعب الرخيص، هي: أن اللاجئين السوريين هم من يدفع ثمنه -كل يوم- دماً وذلاً واضطهاداً.

إن وجود اللاجئين السوريين في لبنان، هو: وجود إنساني وحقوقي أولاً، ووجود سياسي ثانياً. أما تجريده من وجهه الإنساني والحقوقي وحصره في بازار سياسة الرخيصين؛ فهو أمر معيب، يوجب على المجتمع الدولي ومنظماته المعنية، وعلى المثقفين والحقوقيين والسياسيين، التصدي لهذا الاتجار الرخيص بحياة ومصائر مليون سوري يتعرضون لظروف قاسية في لبنان.