icon
التغطية الحية

الكهرباء تجمعُ سكان الساحل السوري على وجع واحد

2021.04.13 | 06:58 دمشق

1579702851905332501.jpg
اللاذقية - عبير نصر
+A
حجم الخط
-A

كلّما تغرق مدنُ الساحل السوري في الظلام، تضيء العتمةُ منابعَ القهر في القلوب، فثّمة شبكة من العلاقات الحميمية تولد فجأة، عندما تتّحد همومُ الناس وتتعالى أصواتهم دون خوف أو وجل (الله لا ينوّر أيامكن)، في إشارة صريحةٍ إلى النظام، ربما الدم لم يوحّد السوريين، أو يجمعهم على همٍّ واحد، لكنّ "أمنَ الطاقة" والذي بات يقارب في أهميته "الأمن الغذائي"، بات صلةَ الرحم التي جعلتِ السوريين أخوةً في البردِ والقهرِ، وشركاء في البؤس والظلام، ولمجرد أن ينطفئ النورُ في بيوتِ السوريين تشتعلُ الرؤى الفلسفية الحسيّة، وقوامها مرارة الوجع وقسوة الذلّ، لتتّقدَ نارُ الأسئلة (المحرّمة) التي تذيقهم طعماً آخر لملوحة الجرح السوري، هم الذين بذلوا أغلى ما يملكون ليبقى النظامُ متربعاً على عرشه المقدس، وكان ذلك ذنبهم الكافي ليُعاملوا بالحدّ الأدنى من المواطنة والإنسانية.

ساعة بساعة

تقول أم مجد التي تبلغ من العمر خمسين عاماً والتي لجأت إلى استخدام ضوء الكاز المنسيّ "أشعر أن الزمن عاد بي أربعين سنة إلى الوراء، لكن لا خيار آخر، الأمل الوحيد في (ضوّ الكاز) هذا، لإنقاذ أطفالي من الفشل الدراسيّ، ربما بعدما يتخرجون بتفوّق، تتسنى لهم فرصة الهرب من هذا الجحيم، نعم المشوار طويل، وربما أموت قبل أن أرى هذا اليوم، لكنّ الغريق يتمسك بقشّة".

 وغياب الكهرباء يصل إلى ست ساعات مقابل ساعة إضاءة ، أو ساعة ونصف في أحسن الأحوال، بينما تزداد ساعات التقنين في الأماكن الريفية، والقرى النائية، فاللاذقية تبدو ليلاً كمدينةِ أشباح، معتمة ومهجورة، الصمت يعمّ الأجواء، لا أصوات تلفزيون أو موسيقا تصدح هنا أو هناك، وفعلياً المشكلة ليست الحياة التي تموتُ بعد غياب الشمس، فلا يهمّ الناس السهر أو المشاوير، بقدر الضرر الذي يلحق بالمؤونة نتيجة انقطاع الكهرباء الدائم، والتي تعتمد عليها العائلات في ظلّ الارتفاع الهستيري للأسعار، كما الأعطال التي لا حصر لها في الأدوات الكهربائية خاصة تلك التي لا تحوي على منظّم.

ويعلق سليم ساخراً وهو أحد القاطنين في مشروع الزراعة، "أقترح أن يستقيل وزير الكهرباء (المعتّر)، قلبنا عليه ولا نريده أن يتعذّب (ع الفاضي)، جلوسه على الكرسي (مو حرزان) والكهرباء لا تأتي إلاّ ساعتين في النهار كلّه".

وبعد الحريق الذي طال مساحاتٍ هائلة في الساحل السوري، يبدو لجوء المواطنين للتدفئة عبر الحطب والفحم الحجري مستحيلاً، كذلك استخدام البطاريات ليست بالحل الأمثل، في ظلّ ارتفاع أسعارها ورداءة نوعيتها، والاستعاضة عنها بالمولدات أيضاً، يبدو مكلفاً جداً، خاصة بعدما رفعتِ حكومة الأسد أسعار البنزين المدعوم والمازوت.

أعذار واهية

 يقول مهدي باستسلام وهو طالب جامعيّ يفكر بالسفر لحماية ما تبقى من روحه المُنهكة على حدّ تعبيره "لم يتركوا لنا خياراً، وكأنّ سياستهم موجّهة لقتلِ آخر ما تبقى للسوريين من وميض أملٍ وسط هذا النفق المظلم الذي لا يبدو له نهاية"..، من جهة ثانية، تبدو تبريرات المسؤولين لانقطاع الكهرباء المتكرر، أشبه بحبكة فيلم هوليودي فاشل، فمرّة تُقطع بسبب تعرّض منشآتٍ نفطيةٍ بحريةٍ تابعةٍ لمصفاة بانياس للتخريب بواسطة عبوات ناسفة زرعها "غطّاسون!"، ومرّة يتسبّب فأرٌ صغير بقطع الكهرباء عن عدّة مناطق في محافظة اللاذقية، كما حصل في (روضو والغرّاف والصنوبر)، ومرّة يتسبّب صعودُ قطّةٍ إلى انهيار عوازل محوّلة التأريض في محطة جبلة...الخ.

 يعلق أحمد بعبوس "كلّ تبريراتهم حجج واهية ومضحكة، إنهم يبيعون الكهرباء لرجال أعمال لبنانيين، وحليفتهم روسيا هي من قامت بفضحهم، نعيش في الظلام بينما نطفو على بحر من الغاز، ألا يدعو هذا للجنون يا ناس؟"، وفي ظلّ الضغط الهائل الذي يُمارس على المواطن السوري، تدعو الحكومة (الرشيدة) إلى دعم ثقافة (ترشيد) استهلاك الطاقة، والاستخدام العقلاني لها وفق الحاجة الضرورية..، وبانفعالٍ تعلّق أم رامي التي تسكن في حيّ الصليبة "كيف سنرشّد الكهرباء وهي لا تأتي إلا ساعة في اليوم، تضيف باللهجة السورية الدارجة بعدما خرجت عن طورها: قال مجنون يحكي وعاقل يسمع، فعلاً حكومة لا بتنحلب ولا بتنجلب!"، وتضيف رشا مؤكدة على قهر والدتها "ليقطعوا الكهرباء كما يريدون، فحججهم لم تعد تعني أحداً منّا، لكن المطلوب أن يحترموا عقولنا بينما يتبجحون بشتّى ألوان الكذب والنفاق، هم لا يدرون أننا نخاف على أنفسنا منهم أكثر مما نخاف من الدواعش، هم المسلّحون بقلّة الأخلاق وانعدام الشرف والضمير؟!".

على ما يبدو أنّ الكهرباء جعلت من سوريّي الداخل (موالاة ومعارضة) طرفاً واحداً لثنائية القهر والذلّ، في واحدةٍ من أشدّ أنواع التقارب الوطني قوّة، وهي في حدّ ذاتها فهم مضاد للوجع المتعارف عليه، فالرصاص يقتل، بالتأكيد، لكنّ عتمةَ القلوب أشدّ فتكاً وتأثيراً على البلاد من حربٍ عسكريةٍ جائرة، فسياسة النظام الظالمة المُظلمة، تنيرُ (تدريجياً) أسبابَ القيامة لبلدٍ، كلّ شيء فيه ضاق، ضاق حتى ضاع