الكرد والانسحاب الأميركي من سوريا

2018.12.25 | 00:12 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لم تخفت بعد حدة الانتقادات التي تعرض لها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد قراره سحب قواته من سوريا، فهذا القرار يكشف الكثير عن طبيعة القرارات التي يتخذها الرئيس ترامب وتتعلق بالأمن القومي الأميركي وبطريقة تعامله مع السياسة الخارجية وخاصة في قضايا حساسة مثل الملف السوري الذي تتداخل فيه الكثير من المصالح الدولية والإقليمية.

بالرغم من أن الرئيس ترامب كان قد أعلن قبل ستة أشهر سحب قواته من سوريا، فإن مجلس الأمن القومي اجتمع وقرر بقاء القوات الأميركية هناك لفترة غير محددة، وخرج وزير الدفاع الأميركي حينها ومستشار الأمن القومي ووزير الخارجية لتبرير عدم سحب القوات وربطها بثلاثة ملفات أخرى وهي القضاء كلياً على داعش حيث ما زال يحتفظ بالكثير من الجيوب في شرق سوريا وثانيا انسحاب الميليشيات الإيرانية من سوريا وثالثاً ضمان الاستقرار في سوريا، فقرار ترامب الأخير الذي أعلن عنه بشكل مفاجئ مرة أخرى ناقض كل ما قاله مستشاروه للأمن القومي وما ردده المبعوث الأميركي للقضاء على داعش بريت مغاورك خلال مشاركته في منتدى الدوحة في 15 من الشهر الحالي، والذي أعلن استقالته بكل الأحوال بعد قرار الرئيس ترامب.

في الحقيقة يهمنا هناك التعامل مع تداعيات هذا القرار على المستوى السوري وكيف يمكن أن يؤثر في صياغة مستقبل سوريا في الشهور

لماذا قرر الرئيس ترامب سحب القوات الأميركية من سوريا التي ما زال فيها جيوب لداعش كما أن الصراع مع روسيا فيها على أشده ولم يقم بالشيء نفسه في العراق؟

أو السنوات المقبلة، إذ يكشف القرار مجدداً أن الرئيس الأميركي ترامب هو أقرب الرؤساء الانعزاليين منه إلى رؤساء الولايات المتحدة التدخليين فهو بالرغم من أنه ضاعف من ميزانية وزارة الدفاع الأميركية إلى مستويات قياسية لم يسبق لها مثيل إلا أنه يرغم دوماً بسحب هذه القوات حتى من القواعد العسكرية التي تمثل أهمية حيوية للولايات المتحدة في مناطق مثل الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا.

والسؤال الذي يدعو نفسه لماذا قرر الرئيس ترامب سحب القوات الأميركية من سوريا التي ما زال فيها جيوب لداعش كما أن الصراع مع روسيا فيها على أشده ولم يقم بالشيء نفسه في العراق التي فيها حكومة مستقرة نسبياً وصديقة للولايات المتحدة كما أنه لا وجود لداعش أو بقاياه هناك كما أن الجيش العراقي يحتفظ بوجود قوي وشرعية نسبية في أعين العراقيين، حيث يوجد فيها ما يفوق عن 5200 جندي أميركي بعد خفض عديدها عما كانت عليه قبل عام 2016.

أعتقد أنه سؤال جوهري وبرأيي أنه يربط بشكل ما بعلاقة معقدة ما زالت لم تتضح معالمها بين الرئيس ترامب وروسيا، حيث توجد قواتها في سوريا وتحتفظ بقواعد عسكرية متعددة وكانت تنتقد باستمرار وجود القوات الأميركية في سوريا، في الحقيقة هذا السؤال لن نحصل على إجابة عليه أبداً بسبب تعقيد العلاقة بين ترامب وبوتين كما أنها مصدر تحقيق داخلي يجريه السيد مولر.

الآن مع انسحاب القوات الأميركية من سوريا سيصبح السؤال من سيملأ الفراغ الذي سوف تتركه هذه القوات، وهي مناطق غنية بالنفط والغاز وذات موقع استراتيجي في حدودها مع العراق.

سيكون الخاسر الأكبر بالتأكيد هي قوات سوريا الديمقراطية والتي هي عبارة عن قوات حزب العمال الكردستاني التي دربتها

ربما تصر السلطات التركية على الحصول على كل الأسلحة الثقيلة التي حصلت عليها هذه القوات الكردية مقابل استمرار تركيا في حربها للقضاء على آخر جيوب داعش.

ومولتها الولايات المتحدة في حربها ضد داعش وهي لا تحتفظ بأية شعبية أو شرعية داخلية سوى حماية القوات الأميركية لها، ومع انسحاب هذه القوات سيصبح من الصعب إن لم يكن من المستحيل بقاء هذه القوات في ظل الموقف التركي الذي يصر علناً على ضرورة إنهاء وجودها في سوريا كلية، وفي ظل التنسيق الأميركي التركي المستمر عبر الاتصال الهاتفي بين الرئيسين الأميركي والتركي والذي يكشف أن التنسيق الأميركي سيكون مع الطرف التركي فقط فإن مصير هذه القوات سيتبخر تماماً وربما تصر السلطات التركية على الحصول على كل الأسلحة الثقيلة التي حصلت عليها هذه القوات الكردية مقابل استمرار تركيا في حربها للقضاء على آخر جيوب داعش.

ولذلك سينتهي الوجود الكردي كلياً على المستوى العسكري في سوريا وستنتهي معها المغامرة الخاصة بحزب العمال الكردستاني في سوريا الذي كان لديه حلم بإنشاء كردستان سوريا بالرغم من معاندة الجغرافيا والتاريخ والديمغرافيا لكنه اعتقد أن بالسلاح يمكن تغيير وقبل كل المعادلات، ربما اكتشفوا الآن أن تحقيق ذلك أصبح من ضرب الخيال.