الكتابة عالية الخطورة عن سوريا المنسية

2022.04.14 | 06:41 دمشق

aynwar_sham.jpg
+A
حجم الخط
-A

هل يحتاج القارئ الفرنسي الذي أرهقته تصريحات مرشحي الانتخابات الرئاسية التي تخيفه من "الانفصالية الإسلاموية" وغيرها من تعابير توسع تنميط الآخر، إلى كتاب جديد عن سوريا؟ بعد كل ما حدث فيها، وبعد أن ذهب إليها شباب فرنسيون بحجة نصرة الشعب السوري، ثم عادوا وقاموا بأعمال إرهابية مروعة في المدن الفرنسية.

يمكن التفكير في هذا المنحى حين نقرأ عن كتاب "عندما يتقدم الظل، مهمة عالية الخطورة في سوريا" الصادر بالفرنسية قبل أسبوعين لجاسوسة فرنسية، دونت فيه مذكراتها في هذا البلد، خلال السنوات العشر الماضية.

جريدة لوبوان الفرنسية التي نشرت مطالعة للكتاب، نقلها موقع الجزيرة إلى العربية، قالت إن إنورا شام هو اسم مستعار لضابطة مخابرات، أتت إلى سوريا ضمن مهمة رسمية، نُفذت في إطار بعثة الأمم المتحدة للمراقبة، وقد عادت لاحقاً في مهمات أخرى، وخرجت في النهاية بتفاصيل، ترصد فيها وقائع تحولات أدت إلى انتقال الثورة السورية من عتبة السلمية إلى الانفجار المسلح.

سيتخيل القارئ أن المؤلفة جعلت لنفسها اسماً مستعاراً كي لا يعرفها أحد، ولكن في الحقيقة أن إنورا لم تخف شخصيتها، بل إنها حلت ضيفة على قناة france24 باللغة الفرنسية، وعلى قنوات أخرى، وعلى قناة arte الفرنسية الألمانية، لتتحدث عن تجربتها وتدوينها لمذكراتها، والظروف التي عاشتها، والمعاناة التي قاستها، وهي تجول في البلاد، ضمن بعثة حفظ السلام الأممية (300 عسكري من دول عدة)، التي جاء بها كوفي عنان مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة في عام 2012، كما أنها في حضورها الصحفي الراهن بدأت تقدم إجابات حيال أسئلة راهنة من نوع؛ ما هو الشبه بين سوريا وأوكرانيا؟

هذا كتاب صار حاضراً طيلة الأسبوع الفائت في معظم المواقع والوسائل الإعلامية، وربما سيكون من اللافت أن هذا الأمر قد حدث في فترة تركز الاهتمام الشعبي حول قضية الانتخابات الرئاسية، لكن ذلك لم يمنع من أن يصل الموضوع إلى الجمهور، وخاصة مع التقديم التسويقي المختصر له، الذي يتحدث عن الحكاية السورية منذ كتابة أطفال درعا على جدران مدرستهم للعبارات الشهيرة التي أدت إلى اعتقالهم، من وجهة نظر تكاد تكون الأقرب إلى الواقع، دون مجاملة أي طرف.

هنا، قد يظن القارئ السوري أن عدم المجاملة، ومع ما يأتي بعد ذلك من حديث عن ممارسات سيئة ارتكبتها الفصائل المناهظة للنظام، سيشوه صورة الانتفاضة السورية، أمام القارئ الفرنسي، والغربي عموماً.

قد يظن القارئ السوري أن عدم المجاملة، ومع ما يأتي بعد ذلك من حديث عن ممارسات سيئة ارتكبتها الفصائل المناهظة للنظام، سيشوه صورة الانتفاضة السورية، أمام القارئ الفرنسي، والغربي عموماً

لكن الحقيقة التي قد لا يعرفها كثير من السوريين، تقول إن هذا الجمهور يعرفُ وبشكل عام، أن ثورة عارمة قد اجتاحت سوريا في البداية، وأن مطالب السوريين الثائرين ليست موضع شك لجهة عدالتها، لكن رصد التحولات اللاحقة والتدقيق في الأسباب التي أدت إلى هذه النهاية، يحتاج إلى شروحات تقدم للقارئ المعني بفهم ما جرى، كي يدرك استحالة التعاطي مع نظام الأسد، حتى وإن حاولت قوى إقليمية ودولية إعادة تسويقه، كحاكم لسوريا.

إنه لا يملك القدرة حالياً على حكم سوريا، تجيب إينورا على سؤال أحد محاوريها، وفي السياق تعمّق الفروقات بين الصورة الواقعية عن البلاد التي تعيش حربها الداخلية وعن شعبها، وبين تلك المتخلية، أو لنقل التي فرضها تجاهل العالم للمأساة، وتلاشي اهتمام الإعلام أيضاً بما يجري على الأرض، حتى باتت سوريا أشبه ببقعة مسكونة في أغوار كوكب بعيد!

كتابة التفاصيل بحيادية، لا تعني أن يصبح النص معقماً من المشاعر والأخلاق، ووفق ما تتحدث به المؤلفة، يلمس القارئ تعاطفها مع من تتحدث عنهم، دون الانجراف إلى تحولها ناطقة باسم قضيتهم، وضمن هذا التركيب الصعب للمذكرات الشخصية، وخاصة تلك التي تدون في حروب أهلية تتسع جغرافية قواها المتصارع، وتتعدد مشاربها، ونزعاتها، تكون إفادة التدوين كبيرة جداً، وخاصة للفئات الأشد ضعفاً في ساحات المعارك التي لم توفر أي مكان من البلاد، وهم هنا بالتأكيد وقبل أي أحد، المدنيون الفقراء الذين لم يتمكنوا من النجاة بعيداً، بل بقوا يجربون تغيير مصائرهم!

كتابة التفاصيل بحيادية، لا تعني أن يصبح النص معقماً من المشاعر والأخلاق

معايشة المؤلفة لموضوعها، وإعادة كتابتها لها، تضعنا أمام سؤال يختص بالسردية المنصفة للضحايا، والتي يرغب المتعاطفون معهم بإيصالها إلى القارئ الغربي المهتم، وحتى ذلك العادي، الذي لا يرى القضية سوى من زاوية تأثير اللاجئين على حياته. ففي مثل هذه الأجواء القلقة التي تعيشها أوروبا كلها، بفعل الحرب في أوكرانيا، وبتأثير الحجم الهائل لموجة لجوء الهاربين من هذه الحرب، يمكن لمثل هذه الشهادة أن ترسم الفارق بين اهتمام العالم كله بما يجري الآن، وبين تجاهله لأزمة مستمرة منذ 11 سنة، التي لم يتوقع  -بحسب المؤلفة- أنها ستفضي إلى الصراع الأكثر دموية في القرن الحادي والعشرين.