الكباش الأميركي الروسي بين فنزويلا وسوريا وملامح الآباد الأقلوية

2019.03.28 | 23:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب مؤخرا أن جميع الخيارات مفتوحة لإخراج روسيا من فنزويلا، لترد موسكو بأنه عليه إخراج قواته من سوريا قبل مطالبة روسيا بالانسحاب من فنزويلا.

تحاول أميركا ترسيم حدود النفوذ الروسي وضبطه في إطار لا يتعدى حدود المنطقة، بينما تعتقد روسيا أن وجودها الميداني في سوريا يضمن لها تمديد نفوذها خارج حدود المنطقة.

أميركا تنظر إلى حضورها في سوريا على أنه استكمال لمشروع هيمنتها على العالم، وهي تتعامل مع المسألة الفنزويلية انطلاقا من هذا البعد، فما يمكن أن يتيحه لها الإمساك بناصية القرار بما يخص مجال الطاقة الفنزويلي، ليس أقل من التحكم شبه التام بمفاصل القرار النفطي الدولي.

تتركب معالم الكباش انطلاقا من تمايز المشاريع فقد كانت الولايات المتحدة قد أبدت استياءها من عمليات تلزيم مصفاة طرابلس اللبنانية إلى الروس، وكذلك من الدخول الروسي على خط الطاقة في المنطقة، خصوصا بعد أن خرجت أخبار تفيد بأن الرئيس اللبناني ميشال عون قد طلب خلال زيارته إلى روسيا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن تكون روسيا هي الطرف المحكم في النزاع اللبناني الإسرائيلي على ترسيم الحدود البحرية النفطية المتنازع عليها.

يدل ذلك على أن عناوين النفوذ الروسي المقبولة بالنسبة لأميركا لا ترتبط بمجال الطاقة بل بمجرد الحضور الميداني على الأرض، التي تؤمن لروسيا نوعا من العمق الاستراتيجي في مجالها الحيوي الأقرب إلى حدودها من دون أن تمنح الحق في تقرير مصير ثروات المنطقة وقراراتها الكبرى، بل إن ماركة هذا النفوذ كما تنظر إليه أميركا أشبه بدور قوات حفظ السلام أو قوى الأمن الداخلي.

ليس أدل على ذلك من الحرص الأميركي على إعلان نهاية تنظيم داعش في سوريا من منطقة الباغوز التي تسيطر عليها القوات الكردية المدعومة منها، لأن ذلك يطلق رسالة واضحة في اتجاه روسيا تقول لها إن وجودها الميداني في سوريا لم يكن له الدور الحاسم في القضاء على الإرهاب، بل كان الفضل في ذلك للحضور الأميركي. يعني ذلك تضييق حدود الاعترف بدور روسيا بغية إجبارها على التحرك من أجل إنفاذ المشروع الأميركي في المنطقة في الوقت نفسه الذي تبني فيه أميركا معالم نفوذها الدولي وترسخها.

الدور الممنوح لروسيا يمكن تلخيصه في الكلام الذي قاله الرئيس اللبناني عون لبوتين خلال زيارته الروسية حيث شكره على الدور الذي تقوم به روسيا للدفاع عن الأقليات متمنيا عليه الاستمرار في ذلك. ملامح الحضور الروسي في المنطقة ملتصقة بهذا العنوان المرتبط بسلسلة من العناوين المتصلة بكل القضايا الساخنة في المنطقة.

رعاية الأقليات تعني أن يكون لروسيا دور في حماية إسرائيل، وفي صيانة الحضور المسيحي، والكردي والعلوي في المنطقة وكذلك الحضور الدرزي، وهو دور لا يمكن أن يكتمل قبل إنجاز مشروع تفكيك المنطقة وتقسيمها.

من هنا فإن ملامح الخلاف الأميركي الروسي التي تبدو حادة في العالم ليست كذلك فيما يتعلق بالمنطقة، فعلى الرغم من الموقف الروسي الرافض لإعلان الرئيس ترمب اعترافه بالسيادة الأميركية على الجولان، إلا أن روسيا لم تتجاوز حدود الاعتراض الشكلي، وفتحت بعد ذلك المجال للطائرات الإسرائيلية لاستهداف مراكز الحرس الثوري في حلب، بشكل يوضح معالم خريطة الطريق المتفق عليها بينها وبين الأميركيين.

ولعل أبرز معالم هذه الخريطة التي ترسم حدود الكباش الأميركي الروسي الجدي في العالم والمصطنع في المنطقة تقوم على زيادة الضغط على إيران من أجل إجبارها على توقيع اتفاق يرجح أن يمنح لروسيا السيطرة على قطاع النفط الإيراني وعلى الاستثمار في إيران والوصاية عليها، واستكمال مشروع تفكيك المنطقة وتقسيمها إلى دويلات.

 لجم إيران من شأنه تحويل الوجود الشيعي في لبنان وسوريا إلى نوع من محمية روسية  تؤمن من ناحية أولى تثبيت مشهدية الدول الأقلوية، ومن ناحية ثانية تشريع وتسريع مسارات التفاهمات والاتفاقات مع إسرائيل وشرعنة حضورها، وتمكين النظر إليه كحضور طبيعي ومألوف.

كذلك من المتوقع أن يصار إلى تحويل منطقة الجولان المحتلة إلى نوع من الجنة السياحية والاقتصادية، التي يمكن أن تمثل الصورة المطلوبة دويلة تعايش أقلوي مع تشكيلات تنتمي إلى الأكثرية المفتتة، بعد أن ينتقل إليها مستوطنون إسرائيليون،وتستقبل يداً عاملة سنية سورية ولبنانية.

انعكاس هذه المسارات على قضية اللاجئين السوريين يفيد بأنه سيجري العمل على تفتيت بنية اللجوء السوري، بحيث يبقى جزء من اللاجئين في بلدان اللجوء بينما يعود بعضهم الآخر ولكن ليس إلى المناطق نفسها التي هجروا منها، لكي لا يمكنهم تحقيق أي بنية أكثرية بل التحول، من خلال توزيعهم على مجموعة من المناطق المختلفة، إلى نوع من تشكيل أقلوي ويد عاملة رخيصة، ستناط بها تنفيذ مشروع إعادة اعمار سوريا حين تنضج شروطه.

من هنا فإن النظام السياسي الذي يمكن أن يسود في المنطقة، سيقوم على تكرار معادلة قبول الشعوب بالحد الأدنى من الاستقرار والأمن والاقتصاد مقابل استمرار حكم المنظومات الاستبدادية والأقلوية إلى الأبد.