القمة العربيّة التي تعقب كارثة الزلزال

2023.02.25 | 06:24 دمشق

القمة العربيّة التي تعقب كارثة الزلزال
+A
حجم الخط
-A

توقف عقد اجتماعات القمة العربية خلال السنتين 2020/ 2021 من جراء تفشي كورونا وكان الأمين العام للجامعة العربيّة "أحمد أبو الغيط" قد صرّح قبيل انعقاد  القمة في الجزائر عام  2022 عن نيّة الجامعة إصدار قرار "ما" بشأن سوريا غير أنّ وزير خارجية الجزائر أصدر، قبيل انعقاد قمة الجزائر، رسالة شكر لسوريا التي  فضّلتْ "عدم طرح موضوع استئناف شغل مقعدها بجامعة الدول العربية خلال القمة؛ حرصا على وحدة الصف والكلمة" بحسب تصريح سابق لوزير خارجيّة حكومة النظام "فيصل المقداد"؛ فيما تحدثت وسائل الإعلام وقتها عن معارضة دول عربيّة –من بينها السعوديّة- رفع تعليق عضويّة سوريا في جامعة الدولة العربيّة؛ هذا وكانت الجامعة قد علّقت عضويّة سوريا منذ شهر نوفمبر 2011 بعد إصرار النظام السوري على استخدام الحل الأمني بمواجهة الثّوار السوريين السلميين وقتذاك!

إذن يبدو الحراك السياسي النّشط الذي تشهده الساحة العربيّة مؤخّرا سابقاً لكارثة الزلزال الذي ضرب شمال غربي سوريا وجنوبي تركيا الشهر الجاري؛ حيث أرسلت العديد من الدول العربيّة -من بينها السعوديّة- المساعدات الإنسانيّة للمناطق السوريّة التي يسيطر عليها نظام الأسد والمنكوبة من جرّاء الزلازل وجاءت تصريحات وزير الخارجية السعودي "فيصل بن فرحان" خلال مؤتمر ميونخ يوم 18 الشهر الجاري لتؤكّد حدوث تطور ما في الموقف السعودي.

ردّا على سؤال عن الوضع السوري قال الوزير السعودي: (.. لدينا مشكلة تتعلق باللاجئين في الأردن ولبنان؛ ومعاناة كبيرة بين المدنيين السوريين نتيجة الزلزال؛ لا يوجد طريق لتحقيق الأهداف القصوى؛.. يجب أن يتم ذلك من خلال حوار مع الحكومة في دمشق في وقت ما بطريقة تحقق الأهداف الأكثر أهميّة فيما يتعلّق بالزاوية الإنسانيّة وعودة اللاجئين.. هناك إجماع داخل العالم العربي على أنّ الوضع الراهن غير عملي وأنّنا بحاجة إلى إيجاد نهج آخر وما يزال هذا النهج قيد الصياغة).

قراءة تصريحات الوزير السعودي في سياقها إضافة إلى التوقيت والمكان الذي صدرت منه "مؤتمر ميونخ للأمن" ربّما يمنح تلك التصريحات معانيَ أخرى أيضاً!

وأشار الوزير إلى أن إجماعا يتزايد ليس فقط بين دول مجلس التعاون الخليجي بل في العالم العربي على أن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار.

تلقفت العديد من التحليلات تصريحات الوزير السعودي حتّى ذهب بعضها إلى إمكانيّة أن يشهد الموقف السعودي من النظام السوري تغيّراً جذريّاً يصل إلى حدّ الانفتاح على النظام السوري كما هو؛ غير أنّ قراءة تصريحات الوزير السعودي في سياقها إضافة إلى التوقيت والمكان الذي صدرت منه "مؤتمر ميونخ للأمن" ربّما يمنح تلك التصريحات معانيَ أخرى أيضاً!

رغم أنّ تصريحات الوزير جاءت بالفعل خلال كارثة الزلزال وأتت على ذكر مضاعفاته على الشّعب السوري بل وتزامنت مع وصول معونات إنسانيّة مقدّمة من العديد من الدول -من بينها السّعوديّة- إلى المناطق المنكوبة من جرّاء الزلزال والواقعة تحت سيطرة النّظام، في وقت تتعالى فيه أصوات النظام وداعميه بادعاء أنّ العقوبات الأميركيّة تحول من وصول المساعدات الإنسانية للسوريين؛ إلّا أنّه ربّما يجدر بنا ملاحظة أنّ تلك التصريحات تسبق انعقاد القمة العربيّة المقبلة خلال الفترة الوجيزة المقبلة في الرّياض وما يمكن أن يسبق تلك القمة بطبيعة الحال من مشاورات تحضيريّة بين الوفود العربيّة المشاركة!

إذا قد لا نكون بعيدين عن الصواب إذا قرأنا تلك التصريحات باعتبارها مناورة سياسيّة يقوم بها الوزير السعودي بوضع الكرة في ملعب النظام بانتظار ما سوف يبديه النظام من مواقف اتجاه ما يمكن أن يكون "إجماعا" ليس بين دول مجلس التعاون الخليجي وحده بل بين غالبيّة الدول العربيّة!

من جانبه نفى وزير الخارجيّة السعوديّة ما قال إنّها "شائعات" حول إمكانيّة زيارته لدمشق خلال الأيام المقبلة فيما نفت "دمشق" عبر وكالة "سبوتنيك" الروسيّة الأمر بنفس الطريقة إلّا أنّ يوم (20) الشهر الجاري شهد وصول رئيس النظام السوري بشّار الأسد إلى عُمان في زيارة هي الأولى إلى عُمان منذ ثورة 2011 والثانية بالنسبة إلى رئيس النّظام السّوري بعد زيارة الإمارات العام الفائت؛ ولا تفاصيل منشورة عن جدول زيارة بشّار الأسد إلى عُمان غير أنّها "زيارة عمل وتبادل الطرفان  وجهات النظر بشأن مُجمل التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية والجهود الرامية لتوطيد دعائم الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم" بحسب وكالة الأنباء العُمانيّة. فيما قال السلطان العماني: إنّ سوريا دولة عربية شقيقة، مضيفًا: "نحن نتطلع لأن تعود علاقاتها مع كل الدول العربية إلى سياقها الطبيعي". بحسب وكالة سانا!

وفي سياق الحراك الزلزالي -إذا جاز التعبير- كان قد زار وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي دمشق منتصف الشهر الجاري بصحبة طائرتين من المساعدات الإنسانيّة للإعراب عن تعازيه بضحايا الزلزال وأتبع زيارته للأسد بزيارة لتركيا أيضا.

ثمّة ملامح إجماع عربي على قرار ما في الشّأن السوري هذا ما يمكن تأكيده حتى اللحظة إلّا أنّ توجّه ذلك القرار واستراتيجيّة تطبيقه كل ذلك سيبقى غامضاً حتى ينجلي خلال القمة العربيّة المقبلة في الرياض

تبقى تصريحات الوزير السعودي هي الأبرز لحجم دور المملكة العربي والإقليمي إلّا أنّ خلفيّة الموقف السعودي من نظام الأسد لا تقتصر على خلاف المملكة مع نظام الأسد من جرّاء إجرامه في حقّ الشعب السوري فحسب، بل تتخطّى ذلك إلى الموقف من علاقة نظام الأسد بإيران وأذرعها في لبنان واليمن على وجه الخصوص؛ لذا ربّما نميل إلى أنّه من المستبعد أنّ ينقلب الموقف السعودي على ذاته مرّة واحدة فيقبل مجرما كبشّار الأسد كما هو بمجرّد أن يوافق بشّار على إدخال مساعدات إنسانيّة إلى الشمال السوري غير الخاضع لسيطرته على سبيل المثال؛ أو أن يوافق نظام الأسد على التعاون في مسألة عودة اللاجئين السوريين الهاربين من إجرامه أصلا؛ لكن بالمقابل أيضاً قد يصعب الوثوق بقدرة بشّار الأسد -حتى لو أراد- على فك ارتباط نظامه بإيران إرضاءً للموقف العربي أو أن يكون بمقدور بشّار –حتّى لو أراد من جديد- احترام حقوق اللاجئين السوريين بالعودة إلى منازلهم ومزارعهم التي تسيطر عليها الميليشيات التابعة لإيران أصلا!

ثمّة ملامح إجماع عربي على قرار ما في الشّأن السوري هذا ما يمكن تأكيده حتى اللحظة إلّا أنّ توجّه ذلك القرار واستراتيجيّة تطبيقه كل ذلك سيبقى غامضاً حتى ينجلي خلال القمة العربيّة المقبلة في الرياض؛ إلّا أنّ بوادر هذا اللقاء سبقت الزلزال بعام كامل استنادا إلى تصريح أبو الغيط عن مثل ذلك القرار قبيل قمّة الجزائر العام الماضي؛ غير أنّ كارثة الزلزال والوضع الإنساني المتردّي الذي يعاني منه السوريّون قد يسرّع من الاستراتيجية التي أتى على ذكرها الوزير السعودي في تصريحاته.