"سرقنا زيتوننا من أرضنا سرقة، ودفعنا أكتر من ثمن الزيت وليتنا قمنا بشرائه من المحال التجارية" بهذه العبارة افتتح زاهز العزو أحد أصحاب مواسم الزيتون في بلدة البارة بجبل الزاوية حديثه لموقع تلفزيون سوريا.
تقدم قوات النظام بدعم روسي مطلع العام الحالي وسيطرتها على مساحات واسعة من ريف إدلب جعلتها على تخوم جبل الزاوية، وهو المنطقة الأكثر ضبابية في المشهد الحالي في إدلب، لوقوعه جنوب الطريق الدولي M4 واستمرار روسيا بالمطالبة ببسط سيطرتها على المنطقة ودفع تركيا بتعزيزات ضخمة إليه.
منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين الرئيسين بوتين وأردوغان في موسكو في الخامس من آذار/مارس الماضي والمنطقة تشهد خروقاً مستمرة تتماشى مع استمرار طرفي النزاع بحشد قواتهما على تخوم المنطقة، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت تكثيفاً في القصف وعودة لسلاح الجو الروسي فضلاً عن حدوث محاولات تسلل لقوات النظام والقوات الخاصة الروسية على محاور الجبل بين الفينة والأخرى.
التخوف من حدوث معركة أو اجتياح بري المنطقة من قبل قوات النظام وحليفتها روسيا دفع بالمزارعين لجني محصولهم مبكراً فبوادر الحرب باتت تلوح في الأفق أكثر من أي وقت سابق.
بالعودة إلى زاهر العزو الذي دفع أضعاف ما أراد جنيه من محصول الزيتون بعد رصد قوات النظام لورشة قطاف الزيتون عبر طائرات الاستطلاع واستهدافها الورشة بالقذائف المدفعية، يقول زاهر "أنهينا قطاف الزيتون وتوجهت والدتي إلى إحدى السيارات قبل العمال بدقائق قليلة وعلى الفور تم استهدافنا بقذيفة مدفعية سقطت خلف السيارة مباشرة مما أدى لإصابة والدتي بعدة شظايا وتضرر السيارة بشكل كبير، على الفور حملت والدتي إلى السيارة الثانية وتحركت لتسقط القذيفة الثانية مكان السيارة وليصاب والدي وثلاثة عمال بشظايا أيضاً فضلاً عن تحطم زجاج السيارة الثانية".
يضيف العزو قائلاً "قلتا لأنفسنا عصفور باليد أحسن من عشرة على الشجرة ونص تنكة زيت بالبيت أحسن من دونمات من الزيتون عند النظام، وقررنا قطاف المحصول خشية تقدم النظام إلى المنطقة أو اشتداد القصف عليها وحرماننا من جني المحصول لكننا خسرنا خسارة كبرى بسبب إصابة والداي والعمال وتضرر السيارتين".
القطاف المبكر أبرز أسباب خسائر المزارعين
الخسائر لم تلحق بزاهر العزو فقط بل بجميع اصحاب مواسم الزيتون في المنطقة بسبب جني المحاصيل مبكراً حيث اعتبر المهندس الزراعي أنس الرحمون أن التبكير في عملية القطاف يؤثر سلباً على الإنتاج الكمّي لزيت الزيتون من ناحية انخفاض نسبة الزّيت المستخلص من الثمار، لأن الزيتون لا يكون قد بلغ مرحلة النضج الكامل.
وعند سؤاله عن الموعد الأمثل لقطاف محصول الزيتون في إدلب إجاب "الرحمون" أن اختيار تاريخ محدد للقطاف هو أمر خاطئ علمياً، وأن عملية القطاف تكون بعد تحول لون أكثر من 60% من الثمار إلى اللون البنفسجي.
وأضاف "الرحمون" بأن موعد عملية القطاف المثلى المتعارف عليه في المنطقة هو بعد منتصف شهر تشرين الثاني وذلك بعد استفادة أشجار الزيتون من أولى هطولات الخريف المطرية في تشرين الأول مما يساعد على زيادة إنتاج الثمرة ويساهم في زيادة نسبة الزيت المُتشكل داخل الثمرة.
القصف يوقع ضحايا في صفوف المزارعين ويرفع أجور العمال
أيضاً تحدث أحمد الخطيب من بلدة مرعيان بجبل الزاوية لموقع تلفزيون سوريا قائلا: بدأت الخسائر عبر ارتفاع درجات الحرارة في فترة تشكل الزهر خلال فصل الصيف مما أدى لاحتراق وتساقط الكثير من الأزهار وانخفاض كمية الثمار في أشجارنا فضلاً عن قيامنا بجني المحصول قبل نضجه خوفاً من تقدم النظام إلى المنطقة وسيطرته عليها.
ويضيف الخطيب هناك أراضٍ تركت دون جني محاصيلها لقربها من خطوط التماس، كما أنه لا يوجد في جبل الزاوية إلا معصرة واحدة ويتخوف الكثير من المزارعين من استهدافها لذلك يتكبدون أعباء إضافية وينقلون محاصيلهم إلى إدلب لعصرها، فضلاً عن غلاء أجور العمال وأجور السيارات التي تنقل المحصول من الأراضي زادا من معاناة المزارعين وعزى الخطيب سبب ارتفاع الأسعار هذا إلى خطورة المنطقة وتعرضها للقصف والاستهداف المستمر.
وهو ما أكده حسن الأحمد إعلامي قطاع أريحا في مؤسسة الدفاع المدني السوري الذي أفاد بمقتل ثلاثة رجال وإصابة ثلاثة آخرين وامرأتين واحتراق سيارتين في حوادث استهداف متفرقة من قبل قوات النظام لورشات قطاف الزيتون في جبل الزاوية في الفترة الممتدة ما بين 21 أكتوبر و2 نوفمبر الحالي بالإضافة لمقتل مدني بلغم أرضي خلال قطاف الزيتون، وتركزت حالات القصف بحسب الأحمد في بلدات البارة وكنصفرة والفطيرة ودير سنبل واحسم.
"زكاة الزيت" تؤخذ غصباً عن المزارعين وترهق كاهلهم
يعتبر عبد الله المزارع الذي تحفظ وطلب عدم ذكر كنيته، أن "حكومة الإنقاذ" تتسلط على المواطنين بإجبارهم على دفع زكاة الزيت قسراً وغصباً في المعاصر، ويقول: "نحن في مجتمع يحب الناس بعضهم البعض وندفع الزكاة منذ الأزل لكن هيئة الزكاة تغتصب مالنا وتأخذه منا ونحن مكرهين، فأنا كنت أوزع الزكاة على المحتاجين من دائرة أقاربي، والآن أوزعها لهم وأدفع الزكاة مرغماً للهيئة مرة ثانية، وهذا الأمر مكلف ولا يمكنني الاكتفاء بما أدفعه للهيئة لأنه لم يخرج عن طيب نفسي ولا يمكنني ترك المقربين مني أيضاً".
أيضاً زاهر العزو قال بأنه روى ما حدث مع عائلته من إصابات وخسائر كبيرة تقدر بآلاف الدولارات لكن ذلك لم يردع موظفي "الهيئة العامة للزكاة" عن أخذ الزكاة عن محصوله.
النصاب
تواصل موقع تلفزيون سوريا مع عدد من طلبة العلم وأكدوا إباحة الشرع للسلطة باستخراج الزكاة من الأغنياء وتوزيعها على الفقراء، لكن ما استهجنه طلبة العلم هو قيام الهيئة بأخذ الزكاة حتى على المواسم التي لم تبلغ النصاب الموجب لإخراج الزكاة عليها، وثم طلبها من أصحاب المواسم استخراج ثبوتيات تؤكد عدم بلوغ مواسمهم النصاب الموجب باستخراج الزكاة عليها.
وتتعهد الهيئة بإرجاع ما اقتطعه من زكاة الزيت للمزارع الذي لم يبلغ محصوله النصاب بعد تقديمها الثبوتيات اللازمة وذلك في فترة لا تتجاوز الخمسة أيام بحسب ما نوهت إليه "الهيئة" على إيصالات اقتطاع الزكاة. وهو ما سخر من حدوثه عدة مزارعين معتبرين أن تكاليف استخراج الثبوتيات والتنقل لإثبات عدم بلوغ المحصول للنصاب تعادل ما سيسترده للمزارع من محصوله المحتجز لدى "هيئة الزكاة".
وأوجبت الشريعة الاسلامية استخراج زكاة الزيت إذا بلغ النصاب وهو 128 كغ، وتكون قيمة الزكاة نصف العشر أي 5%، وأثار "وصل" نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي الجدل بعد أن اقتطعت فيه "الهيئة" زكاة الزيت من شخص بلغ وزن زيته خمس كيلوغرامات فقط.
وقد استحدثت حكومة الإنقاذ الهيئة العامة للزكاة في العام 2019وحصرت تأدية الزكاة عن طريقها وسخرت قواها في سبيل إجبار المدنيين على تأدية هذه الفريضة عن طريقها، وتفرض حكومة الإنقاذ على التجار عدم شراء حب الزيتون أو زيت الزيتون إلا بعد التأكد من إخراج الزكاة وفق الإيصالات الرسمية المعتمدة لدى الهيئة العامة للزكاة مهددة بالمسائلة القضائية، وسبق أن حركت هيئة تحرير الشام أرتالها باتجاه مدينة كفرتخاريم شمالي إدلب بعد رفض أهالي المدينة دفع الزكاة وطرد لجنة الزكاة من المدينة، وتذرع هيئة تحرير الشام بوجود مطلوبين لها في المدينة.
وأدت العمليات العسكرية لنظام الأسد وروسيا نهاية العام الماضي ومطلع العام الجاري إلى خسارة المعارضة مساحة تقدر ب 2300 كم2 من الأراضي الزراعية، وانخفاض أعداد أشجار الزيتون من 15.5 مليون شجرة إلى 7.5 مليون شجرة وتوقع بانخفاض إنتاج الزيت من 44000 طن في العام الماضي إلى 115 ألف طن مع نهاية الموسم الحالي بحسب وحدة الحصاء في "حكومة الإنقاذ".