القاعدة البحرية الروسية وحقيقة انقلاب السودان؟

2021.11.04 | 06:02 دمشق

gettyimages-1177748517.jpg
+A
حجم الخط
-A

في حالة استثنائية هاربة من سجلّ التاريخ المعقّد والصدامي بين العاصمتين واشنطن وموسكو، يشترك قطبا الغرب والشرق الأعظمين مؤخراً في شأن واحد، ألا وهو تجنبهما إطلاق مصطلح "انقلاب" على الأحداث الأخيرة في السودان، وكل منهما من خلال منظوره المصلحي.

مبعوث الولايات المتحدة الخاص للقرن الإفريقي، السفير جيفري فيلتمان، كان في زيارة إلى الخرطوم قبل 24 ساعة فقط من استيلاء القوات المسلحة السودانية على السلطة بأوامر من الفريق الركن، عبد الفتاح البرهان، وكذا احتجاز رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، إلى جانب عدد من أعضاء الحكومة المدنية، وإعلان حالة الطوارئ في أرجاء البلاد. ويبدو أن مساعي فيلتمان لمنع حدوث هذا التحرك العسكري قد اصطدمت بحاجز صلب، ولم تفلح في منع استيلاء الجناح العسكري في المجلس السيادي الانتقالي على زمام الأمور منفرداً.

سارعت وزارة الخارجية الأميركية لتصرّح على لسان الناطق الرسمي باسمها، نيد برايس، ما مفاده أن الإدارة الأميركية تعتبر ما يحصل "استيلاءً عسكرياً على السلطة". وأوضح برايس الأمر إلى أن  مصطلح (الانقلاب) هو توصيف قانوني استخدمته وزارة الخارجية الأميركية لتصنيف انقلاب البشير في العام 1989، وأن محدّدات هذا التصنيف ستبقى نفسها حتى يقر وزير الخارجية الأميركي أن حكومة منتخبة ديمقراطياً تولت السلطة"، وهذا لم يحدث حتى تاريخ كتابة هذه السطور.

وخلال إيجاز المكتب الإعلامي للبيت الأبيض في 28 شرين الثاني/ نوفمبر الفائت، وجّه الرئيس بايدن رسالة واضحة للعسكريين في السودان، بقوله "رسالتنا إلى السلطات العسكرية السودانية حاسمة وواضحة: يجب السماح للشعب السوداني بالاحتجاج السلمي وإعادة الحكومة الانتقالية التي يقودها المدنيون" وأضاف: "أحث القادة العسكريين في السودان على الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين وإعادة المؤسسات المرتبطة بالحكومة الانتقالية بما يتماشى مع الإعلان الدستوري للعام 2019 واتفاقية جوبا للسلام لعام 2020". وشدد بايدن أن "أحداث الأيام الأخيرة هي نكسة خطيرة".

موسكو التي لم تستسغ حكومة حمدوك المدعومة من الولايات المتحدة والغرب بعامة، تميل إلى الإبقاء على نظام عسكري خالص يسهّل من طموحاتها الاستراتيجية

موسكو ذهبت في تفنيد أسباب امتناعها عن استخدام مصطلح الانقلاب في السودان في منحى مغاير تماماً عن تبريرات واشنطن. وقد أدلى النائب الأول للمندوب الدائم الروسي لدى الأمم المتحدة، ديمتري بوليانسكي، بتصريح فجّ للصحافيين قبل انعقاد الجلسة الخاصة بأحداث السودان، ومبرراً استخدام القوة من طرف الجناح العسكري في البلاد بالقول: "وردني أن الاحتجاجات كانت عنفية ولم تكن سلمية"!

ويبدو جلياً أن موسكو التي لم تستسغ حكومة حمدوك المدعومة من الولايات المتحدة والغرب بعامة، تميل إلى الإبقاء على نظام عسكري خالص يسهّل من طموحاتها الاستراتيجية التي يؤمّنها العسكر بيسر، بينما ستعقّدها الحكومة المدنية، وستخضعها لمعايير الشفافية والمسؤولية الوطنية، وذلك بهدف تقييم علاقاتها الدولية ومشاريعها التشاركية مع دول العالم بما يلتقي ويتناسب مع مصالح وسيادة السودان.

كما أن روسيا قد سارعت بالتحرّك إثر شهر واحد فقط من سقوط حكم عمر البشير، بل وتصيّدت الفرص المتاحة التي تؤمنها اليد الطولى للجيش، فوقّعت في شهر مايو اتفاقاً للتعاون العسكري يتضمن إنشاء قاعدة بحرية عسكرية روسية على شواطئ السودان.

واشنطن متوجسة من الوضع بكالمه، وهي لن تسمح لروسيا بالتمدد بقواعدها العسكرية في إفريقيا بعد أن ثبّتت أقدامها على شواطئ المتوسط الدافئة، وأقامت قاعدة حميميم الكبرى في سوريا.

كما أن الأمر لن يمرّ بسهولة في دوائر القرار في واشنطن، فوزارة الخارجية الأميركية أسرعت بإيقاف مبلغ مخصص للمساعدات قدره 750 مليون دولار، وهي حزمة أولية من العقوبات التي يمكن أن تعيد إخضاع السودان لها، هذا ناهيك عن الطامة الكبرى إذا ما قامت واشنطن بإعادة إدراج اسم السودان على قائمة رعاية الإرهاب.

ختم بايدن رسالته إلى الكونغرس بالقول: "قطع السودان خطوات واسعة في انتقاله نحو الديمقراطية منذ العام 2019، إلا أن استيلاء الجيش على الحكم واعتقال القادة المدنيين يهدد تلك المكاسب".

الرئيس جو بايدن، وقبيل ساعات فقط من مغادرته البيت الأبيض نحو العاصمة الإيطالية روما لحضور قمة مجموعة العشرين، وجّه رسالة إلى الكونغرس الأميركي طالب فيها أعضاء مجلس النواب بتمديد قانون الطوارئ الفدرالي الذي أُقرّ العام 1997 للتعاطي مع دولة السودان، بحيث تبقى هذه الحال سارية المفعول ما بعد انتهاء صلاحيتها في 3 نوفمبر 2021، ولمدة عام كامل. وختم بايدن رسالته إلى الكونغرس بالقول: "قطع السودان خطوات واسعة في انتقاله نحو الديمقراطية منذ العام 2019، إلا أن استيلاء الجيش على الحكم واعتقال القادة المدنيين يهدد تلك المكاسب".

أما موسكو التي ترنو إلى تنفيذ مشاريع ضخمة للطاقة النووية المخصصة للاستخدامات السلمية، وكانت اتفقت عليها مع المجلس السيادي الذي يرأسه الفريق البرهان منذ العام 2020، وكذا خططها الجاهزة للتنقيب عن معدن الذهب، وطموحها في بيع السلاح الروسي الصنع للخرطوم، فترى في انفراد العسكر في الحكم مساراً يسيراً لرسم استراتيجية جديدة لها في القرن الإفريقي، وهي لا بد أن تصطدم مع الولايات المتحدة التي تقف بقوة في وجه هذا التمدد الروسي في أرض السودان الواقعة في حيّز جيوسياسي غاية في الحساسية، "ولا يوجد على أرضها أي جندي أو حتى خبير عسكري أميركي واحد يدرّب الجيش السوداني" كما صرح أمس الناطق الرسمي باسم البنتاغون، جون كيربي.