الفيديرالية أم المركزية...

2019.11.08 | 19:45 دمشق

636522150591081201.jpg
+A
حجم الخط
-A

تتعالى الأصوات في لبنان والعراق مؤخراً بعد اندلاع ثورات الكرامة في كلا البلدين بضرورة وجوب إنشاء أقاليم تخضع لحكم إداري وديمقراطي داخل كيان الدولة ذاتها، وذلك إيماناً من سياسيي تلك الأقاليم باستحالة تقديم الخدمات اللوجستية الأساسية من قبل الحكومة المركزية، مضافاً إلى فشل الدولة المركزية الاستبدادية ملفات هائلة من الفساد والرشوة وإهدار المال العام وفساد في القضاء ومحاصصة طائفية أفسدت جميع التعيينات الإدارية التي كان من الممكن أن تنظم العمل الوظيفي.

فعلى سبيل المثال يطالب سياسيو المناطق السنية في العراق بحصولهم على حق إعلان مناطقهم إقليماً إدارياً يخضع لحكم إداري خاص بهم مع بقائهم ضمن الحكم المركزي الخاضع لبغداد وفق ما ينص عليه الدستور العراقي الجديد المتفق عليه بعد عام 2003، أسوة بإقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي منفصل عن حكم بغداد المركزي مما أعطى إقليم كردستان أماناً وتنمية مختلفة ومتميزة ومنفصلة عن الفساد الإداري الواقع في حكومة بغداد المركزية التي تغرق في فساد ورشوة وبطالة واحتجاجات ومظاهرات في المحافظات الجنوبية التي من المفترض أن ولاءها لإيران ولحكومات حزب الدعوة وسائرون الإسلامية المتحالفة مع طهران، ولكن الفكرة التي يطرحها أولاء السياسيون تحظى حالياً برفض قاطع من سياسيي بغداد الذين يزعمون بأن تلك المطالبات هي خطوة ابتدائية للانفصال وإجراء يزعزع وحدة أراضي العراق.

ذات تلك المطالبات ظهرت في لبنان عقب استفراد سلطة أمراء الحرب وعلى رأسهم حزب الله بالسلطة وعجزهم الكامل عن تلبية احتياجات الأجيال الجديدة في التنمية وفرص العمل وإصرار البعض على فرض لون واحد، وخيار واحد، و مصير واحد على شعب متعدد الطموحات والمصائر، فهناك في لبنان من يرفض استفراد حزب الله بقرار الحرب والسلم، ويرفض خضوع كل لبنان لعقوبات اقتصادية دمرت البلاد بسبب تعنت حزب الله والتيار العوني بخيارات وتوجهات الدولة في معاداة الدول العربية والانحياز لمعسكر إيران والصين ومعاداة الغرب، لذلك يفكر البعض ببساطة بحقهم الدستوري في إعلان أقاليم ذات حكم ذاتي تحت سيادة العاصمة بيروت التي ستبقى تتحكم بالعلاقات الخارجية وسياسات الدفاع والدبلوماسية.

أما في سوريا التي تعاني من حرب طاحنة شنها النظام والجماعات الإرهابية كتفاً بكتف على الشعب السوري، فلا مخرج سوى إعلان فيدرالية ذات حكم ذاتي تنظم حكومات محلية وبرلمانات محلية مرتبطة بحكومة مركزية تتحكم أيضاً

ما معنى أن تكون الدولة الاستبدادية الفاشلة هي تلك التي تدافع عن وحدة أراضي البلاد بينما من يطالب بالديمقراطية والتنمية والمجالس الإقليمية والإدارية والبرلمانات المحلية هم دائماً الموسومون بالعمالة والخيانة

بسياسات الدفاع والخارجية ولكن تبقى قرارات الخدمات المحلية والتنمية الإدارية هي قرارات متعلقة بتلك الأقاليم التي عانت كثيراً من التهميش والإبعاد والاستبعاد من توزيع الثروة والطاقة.

ولكن ما معنى أن تكون الدولة الاستبدادية الفاشلة هي تلك التي تدافع عن وحدة أراضي البلاد بينما من يطالب بالديمقراطية والتنمية والمجالس الإقليمية والإدارية والبرلمانات المحلية هم دائماً الموسومون بالعمالة والخيانة والتبعية للغرب، إنها تلك المفارقة الغريبة بين من يفكر بالبقاء ممسكاً بتلابيب البلاد دون أن يقدم لها شيئاً ويرفع شعارات الوحدة والسيادة، بينما يمارس قمعاً وتمييزاً ويغطي على الفساد المستشري في البلاد، مثله مثل الزوج الذي يرفض إعطاء حقوق الزوجة مدعياً بأنها تريد حقوقها في العمل والتعليم وغيرها من أجل الانفلات الأخلاقي والخروج على طاعة الزوج والخالق.

بينما تكمن الحقيقة في أن من يطالب بالفيدرالية يفعل ذلك من أجل البقاء ضمن سيادة الدولة المصطنعة أصلاً وفق شروط اتفاقية سايكس بيكو، ولكن بشكل يضمن حقوق السكان الذين فقدوا الأمل من سياسات عادلة أو تطبيق مثالي للدستور والقوانين الوطنية وتوزيع متساو للثروة الوطنية وهم إذ يطالبون بتلك الفيديراليات فهم يتمسكون بحقوقهم المطالبة بالدخول إلى العصر رغم رفض شركائهم في الوطن لتلك الحقوق، ومتشبثين بمطالبتهم بالتنمية حتى لو رفضها من يقفون على ذات الأرض من حكام تلك البلاد، إن تجربة الفيديرالية حق سياسي كفلته الدساتير واختبرته الأمم الكبرى من روسيا وحتى الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها من الدول، ولكن المنطق القمعي في الحكم الشمولي هو ذاته من يرفض الفيديرالية ويقتل المواطنين في الشارع بحجة أنهم خونة ومتآمرون وعملاء للإمبريالية، إنه الصراع ذاته بين الزوجة والزوج الشرقي الذي يريد أن يبقي الزمان محبوساً في قمقم الزمان الغابر، حيث لا سلطة تعلو فوق سلطة الأب \الرئيس\ الوالي\الحاكم.