icon
التغطية الحية

الفوسفات السوري مادة للاستهلاك الزراعي والإعلامي في إيران

2021.07.28 | 06:26 دمشق

200718024_1581741412028673_6751781354516474421_n.jpg
معمل إنتاج الفوسفات في منطقة خنيفيس قرب تدمر
ضياء قدور
+A
حجم الخط
-A

بعد تعثر عمليات إرسال شحنات الفوسفات السوري عبر شاحنات تابعة للحرس الثوري الإيراني - الذي تحدثت مصادر خاصة لتلفزيون سوريا في فبراير/شباط الماضي من العام الجاري عن نقله عشرات الأطنان براً عبر الحدود العراقية إلى إيران، وذلك بسبب الكمائن المستمرة التي ينصبها تنظيم داعش في البادية السورية - واصلت إيران في الآونة الأخيرة شحنها الفوسفات السوري بكميات أكبر وصلت لعدة آلاف من الأطنان، متخذةً هذه المرة من الطريق البحري سبيلاً لنقل هذه المادة التي تعاني السوق الإيرانية الداخلية من نقص حاد فيها.

وبحسب المصادر التي تحدثت لتلفزيون سوريا بشكل خاص، فقد وصلت كميات كبيرة من تربة الفوسفات السورية تتراوح ما بين (4 إلى 5) آلاف طن في الرابع من يوليو/تموز الجاري إلى موانئ محافظة هرمزغان الإيرانية، ليتم نقلها فيما بعد إلى مستودعات شركة يزد للخدمات الزراعية المساندة في محافظة يزد الإيرانية الواقعة في وسط البلاد.

ليست المرة الأولى

مع انحسار العمليات العسكرية في معظم أرجاء سوريا، يتنافس الآن الداعمان الرئيسيان لنظام بشار الأسد، إيران وروسيا، على النفوذ وغنائم الحرب، مستهدفين قطاعات اقتصادية مماثلة (كعقود استخراج النفط والفوسفات)، من دون أن يفضي هذا التنافس لتحقيق "نتائج عادلة"، كما يتحدث الطرف الإيراني.

على سبيل المثال، في الوقت الذي نجحت فيه روسيا في الحصول على خمسة عقود لاستخراج النفط السوري بين عامي 2013 و 2020، لم تحصل إيران سوى على أول عقد نفطي لها مع نظام الأسد في العام الماضي.

وفي المقابل، تراجع نظام الأسد عن الوعود التي قطعها لإيران بتوقيع عقود الاستثمار في مجال التعدين واستخراج الفوسفات، ليسلم العقد في عام 2018 إلى شركة روسية.

رغم ذلك، يشير استمرار الوجود العسكري الإيراني في منطقة خنيفيس الغنية بالفوسفات، والتوسّع الواضح لسيطرتها العسكرية على كبرى مناجم الفوسفات في سوريا (المناجم الشرقية بالتحديد)، إلى الإصرار الإيراني للحصول على "حصة منصفة" من ثروات البلاد مقارنة بتعهداتهم العسكرية والاقتصادية التي قدموها بشكل سخي لنظام الأسد.

يشير الجدول التالي لتاريخ شحنات الفوسفات السوري إلى إيران خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

 

رقم الشحنة 

التاريخ

الكمية المستوردة 

التفاصيل

1

2019

218 ألف طن

تم استيرادها من سوريا والأردن وجنوب أفريقيا

2

19 يونيو/حزيران 2020

20 ألف طن

استوردت على الأغلب من سوريا بحسب وكالة أنباء التلفزيون الإيراني

3

26 يوليو/تموز 2020

40 ألف طن

استوردت من سوريا وفقاً لوكالة أنباء ايرنا الإيرانية

4

16 فبراير/شباط 2021

عشرات الأطنان

تم نقلها براً من سوريا وفقاً لموقع تلفزيون سوريا

5

4 يوليو/تموز 2021

4 – 5 آلاف طن

مصادر خاصة لتلفزيون سوريا

 

الفوسفات كمادة للاستهلاك الزراعي الإيراني

تُعدّ واردات الفوسفات السورية مهمة جداً للقطاع الزراعي الإيراني، حيث تعاني التربة من نقص مادة الفوسفور، مما يضطر إيران لاستيراد هذه المواد الأولية لبعض المصانع الإنتاجية بهدف زيادة الإنتاج ورفع الصادرات أيضاً.

لكن إلقاء نظرة على كمية التربة الفوسفاتية اللازمة لإنتاج الأسمدة الكيماوية بما يتوافق مع طاقة وحدات الإنتاج الإيرانية القائمة (قرابة 530 ألف طن)، والتي لا تتناسب طرداً مع الكميات المستوردة من الفوسفات السوري، تظهر مدى النهم الإيراني على هذه المادة التي يقول علي رضا نظري، عضو اللجنة الزراعية والموارد الطبيعية في البرلمان الإيراني، في تصريح لموقع "تحليل البازار" الإيراني في 14 كانون الأول/ديسمبر 2020، أنه تم الحصول على ترخيص شراء 200 مليون طن منها، من أجل حل مشكلة النقص الحاد في السوق الإيرانية للسنوات المقبلة.

الفوسفات السوري كمادة للاستهلاك الإعلامي الإيراني

في خضم ذلك، لا يبدو أن حاجة السوق الداخلية الإيرانية للتربة الفوسفاتية السورية هي الدافع الوحيد وراء استمرار استيرادها من أحد البلدان التي كانت ضمن قائمة أكبر 10 منتجين للفوسفات في العالم، ولديها أيضاً أحد أكبر احتياطيات الفوسفات في العالم.

 

وفي ظل قدرة إيران على استيراد التربة الفوسفاتية من مختلف دول العالم (كالأردن وجنوب أفريقيا) كبديل عن سوريا، يبدو أن قضية استيراد الفوسفات السوري إلى إيران تحولت إلى مادة إعلامية تستهلك في الداخل الإيراني كترجمة لشعور المسؤولين الإيرانيين بِالغُبْنْ من جراء عدم حصولهم على حصة منصفة من الكعكة السورية مقابل ما قدموه من دعم عسكري ولوجستي ومادي منقطع النظير.

وما يؤكد ذلك، هو البروباغاندا الإعلامية التي ما تزال تظهر في تصريحات أرفع المسؤولين الإيرانيين المطالبين باسترداد المبالغ الضخمة التي أنفقتها إيران في سوريا خلال السنوات الماضية.

ففي وقت سابق، أعرب يحيى رحيم صفوي، المستشار العسكري للمرشد الإيراني علي خامنئي، عن رغبة إيران في استرداد الأموال التي أنفقتها على الحرب السورية، مشيراً إلى أن "إيران تقوم حاليًا بتصدير الفوسفات من سوريا"، دون أن يذكر مزيداً من التفاصيل عن كمية وكيفية تصدير هذه المادة.

من ناحية أخرى، في الوقت الذي تمتلك سوريا احتياطيا يصل لـ 2 مليار طن من الفوسفات في أفضل الأحوال، وعد رستم قاسمي، وزير النفط الإيراني السابق، في العاشر من شهر أبريل/نيسان الماضي في تصريح عجيب وغير منطقي الإيرانيين بأن إيران ستحصل على (ألف مليار طن) من تربة الفوسفات السورية، مؤكداً على أنه أشرف بنفسه على إمضاء هذه الاتفاقية بين الحكومتين.

هذه التصريحات أثارت موجة سخرية كبيرة على المواقع الإيرانية التي تحدث أحدها بلهجة لا تخلو من الدعابة والسخرية في آن معاً عن أن بشار الأسد سيجلب لنا الفوسفات من على ظهر القمر، وذلك قبل أن يعتذر وزير النفط الإيراني في إحدى تغريداته مبيناً أنه أخطأ في ذكر الأرقام بين ألف مليون طن و ألف مليار طن من الفوسفات السوري.

 

رغم ذلك، يبقى استثمار إيران لمليار طن من الفوسفات السوري رقماً مبالغاً فيه في الوقت الذي تحدثت تقارير عن تقديم نظام الأسد جزءًا كبيرا من الثورة الفوسفاتية للشركات الروسية والصربية بعقود لعشرات السنين.
لكن حتى لو فرضنا جدلاً أن هذا الرقم صحيح، لا يمكن لإيران في أي حال من الأحوال الاستفادة منه دفعة واحدة، بل يتطلب الأمر سنوات عديدة لاستخراج هذه المادة ومعالجتها من معدلات الرطوبة المصحوبة، ناهيك عن طريقة الشحن المحفوفة بالمخاطر براً أو المرتفعة جداً بحراً.

وإذا ما أردنا التحدث بلغة الأرقام، تستطيع إيران فرضياً استخراج 2 مليون طن من الفوسفات السورية كحد أقصى سنوياً، وهو ما تعادل قيمته 160 مليون دولار من دون احتساب تكاليف التنقيب والشحن والمعالجة الكيميائية للمادة، مع احتساب قيمة الطن عالمياً والتي تعادل 80 دولاراً تقريباً.

لذلك، بالمقارنة مع ما أنفقته إيران حتى الآن لدعم نظام الأسد، وهو ما يعادل عشرات مليارات الدولارات بحسب التقديرات المختلفة، لا تعتبر شحنات الفوسفات السوري المصدرة إلى إيران سوى نقطة صغيرة في بحر الدعم الإيراني المقدم لنظام الأسد خلال السنوات السابقة.

وعليه، فأبعد من كونها تلبيةً لمتطلبات السوق الداخلية الإيرانية، أصبحت شحنات الفوسفات السوري بمثابة مادة للاستهلاك الإعلامي الداخلي، كلما تحرك شعور الغُبْن لدى المسؤولين الإيرانيين الذين يتبجحون بأنها تعويض لجزء مما أنفقوه في سوريا، في حين أن الوقائع على الأرض تشير لعكس ذلك.