icon
التغطية الحية

الفلسفة اليونانية بين النشأة والتطور (2/ 2) أفلاطون- أرسطو- المدارس الهلنستية

2022.01.24 | 06:32 دمشق

flsft.jpg
محمد أوزملّي- أحمد طلب الناصر
+A
حجم الخط
-A

كان موت سقراط بداية لدخول الفلسفة اليونانية في مرحلتها الجديدة، مرحلة كان مؤسسها تلميذه "أفلاطون" الذي حرص في الدفاع عنهُ بين الناس بكل قواه، وإبعاد الشائعات عن اسمه.

 أفلاطون.. فيلسوف المعرفة

عندما مات سقراط ترك تلميذه أفلاطون أثينا، وذهب إلى (ميغازي) حيث أقام عند الفيلسوف "إقليدس" الذي أسس هناك المدرسة الفلسفية الأكاديمية، وبعدها اتجه أفلاطون إلى مصر ثمّ إلى إيطاليا، ومن خلال رحلاته وتعرُّفه على ثقافات الشعوب تعددت الجوانب الفكرية والموضوعات الفلسفية لديه، حيث تناول موضوع المعرفة وكيفية تحصيلها، والطبيعة وما وراء الطبيعة والتي تبحث في ظواهر الوجود والأخلاق وفي واجبات الفرد، والإنسان والقيم.

كانت محاورات أفلاطون تتناول مواضيع فلسفية مختلفة مثل نظرية المعرفة، المنطق، اللغة، الرياضيات. أبدع بها واعتمدها بكل فلسفته، كما أنَّهُ أوجد ما عُرف بطريقة الحوار، والتي كانت عبارة عن دراما فلسفية حقيقية، عبَّر من خلالها عن أفكاره من خلال شخصية سقراط الذي تمثَّله إلى حدٍّ بات من الصعب جدًا التمييز بين عقيدة التلميذ وعقيدة أستاذه، فقد كانت هذه الحوارات عبارة عن مناقشات فلسفية بين فردين أو أكثر، وركزت هذه المناقشات على مواضيع مثل العدل والصداقة والفضيلة.

كان دور الفلسفة بالنسبة لأفلاطون هو الارتفاع بالروح إلى المستوى الذي يمكّنها من الانسجام مع عالم المعقولات الخالدة. وهو العالم الذي سبق لها العيش فيه قبل سقوطها على الأرض، ونجد ذلك من خلال محاوراته الدرامية التي كانت الشخصيات تأخذ دوران أساسيان فيه، وهما: العالم المادي وعالم الأشكال، حيث اعتمدت فلسفتهُ في تمثيل هذين العالمين.

  • فعالم الأشكال/ المُثل هو العالم الحقيقي وهو عالمٌ سامٍ وشريف، عاشت فيه النفس قبل أن تهبط إلى الأرض وتلحق بالبدن.
  • أمَّا العالم المادي/ الحسي، فهو مجرد محاكاة لعالم المُثل الحقيقي. فأي شيء موجود في العالم المادي الحسي ما هو إلا صورة ناقصة وظلّ للأشكال الكاملة السرمدية في عالم المُثل. على سبيل المثال: "الجمال في عالم المثل هو جمال مطلق والعدل هو عدل مطلق". أمّا في عالم الأشكال فهاتان الصفتان هما انعكاس من عالم المثل، وبما أنهما انعكاس فهما غير كاملين.

أما النفس الإنسانية فقد جزّأها أفلاطون إلى ثلاثة أجزاء: الجزء العاقل، الجزء الغاضب، والجزء الشهواني. ورمز إلى النفس الإنسانية بالعربة التي يجرها حصانان أحدهما أسود والآخر أبيض، وقائد العربة يمثّل النفس العاقلة أي الحكمة والرشاد. وهذا الجزء من النفس يختص بالإنسان وحده. أمّا الحصان الأبيض على اليمين يمثل النفس الغاضبة وهي موجودة بجانب القلب وتختص بالشجاعة والحماس، والنصر، والتحدي، والقوة. ويشترك فيها الإنسان والحيوان، أمّا الحصان الأسود على اليسار فهو يمثل النفس الشهوانية فهي كالحيوان كل ما يهمها اللذة والمتعة أي الرغبة للجنس والأكل، ويعتقد أفلاطون أنّها موجودة في البطن.

ولا شكَّ أنّ أفلاطون بنى نظريته القائلة بتعدد النفوس في البدن الواحد على بعض آرائه الخاصة بالمدينة الفاضلة، فإنه كان يرى أنّ المدينة لا يصلح أمرها إلّا إذا انقسمت إلى ثلاث طبقات مستقلة تربطها علاقات محددة واضحة، كذلك حال النفس فإنّها لا تصلح إلَّا إذا انقسمت إلى ثلاثة أجزاء مستقلة.

 

الجدل الصاعد والجدل الهابط عند أفلاطون

 أكّد أفلاطون أنّ الإحساس ليس كل المعرفة كما توهّم أتباع السفسطائيين، وإنَّما هو أوّل مراحل المعرفة ثم يتبعهُ الظنُّ وبعدها الاستدلال ومن ثم التعقّل. حيث يتدرّج الفكر في سلّم المعرفة من الإدراك الحسي إلى الظن أو الرأي، ثم يصعد إلى العلم الاستدلالي، وينتهي أخيراً إلى التعقّل المحض بحثاً عن العلم الكامل الذي يكفي نفسه بنفسه ويصلح أن يكون أساساً لغيره. ويطلق على هذا التدرّج في الارتقاء الجدل الصاعد، وكان يقابلهُ الجدل الهابط حيث وصفه أفلاطون على أنّه النزول من أعلى المبادئ إلى أدناها.

وقد ألهمت فلسفتهُ العديد من النظريات الاجتماعية والفلسفية، بدءاً من يوتوبيا توماس مور وتوماس كامبانيلا، وصولاً إلى تلك النظريات الاشتراكية الحديثة الخاضعة لتأثيره، إلى هذا الحدِّ أو ذاك. وبشكل عام فإنّ فكر أفلاطون قد أثَّر في العمق على مجمل الفكر الغربي، سواء في مجال علوم الدين أو في مجال الفلسفة العلمانية التي يشكِّل هذا الفكر نموذجها الأول.

مات أفلاطون ميتةً هادئةً عام 347 ق.م في نفس يوم ميلاده وفي نفس اليوم الذي ظهر فيه أبولو في الأرض -بحسب معتقدات الإغريق- وهكذا ربط الأسطوريون بين أفلاطون وإله الشمس، وسادت أفكار بأنّه ابن أبولو. وقد أُقيم له ضريح بعد موته، وأصبح تلاميذه يحتفلون سنوياً بعيد ميلاده ووفاته، حيث كانوا يعتبرون ذلك اليوم مقدساً؛ لأنّ الآلهة أنجبت فيه أفلاطون هدية منها للبشرية بحسب معتقدهم.

 أرسطو ونظريتهُ حول تحولات الطبيعة

بعد وفاة أفلاطون ظهر أرسطو، أحد التلاميذ المعجبين بفلسفة أستاذه ليكون من عباقرة الفكر الإنساني ومن أشهر فلاسفة عصره، ولكن في الفلسفة يكون لكل أستاذ نصيب من انتقاد تلميذه، وأغلب الأحيان يكون لغرض التطوير وليس النفي، لهذا فقط انتقد أرسطو نظرية أستاذه الخاصّة بالصور المفارقة (المثل)، إلّا أنّه لم يتمكن من التغلّب على مثالية أفلاطون تماماً، وتأرجح بين المثالية والمادية.

اعتبر أرسطو الطبيعة كلها تحولات متتابعة من "المادة" إلى "الصورة" وبالعكس. كما أنّهُ لم يرَ في المادة إلا مبدأ الانفعال، ونسب كل فعل إلى الصورة التي أرجع إليها بداية الحركة وغايتها. والمصدر الأول لكل حركة هو الله. ومع هذا فإن نظرية أرسطو المثالية في "الصورة" هي في نواح عدة أكثر موضوعية من مثالية أفلاطون، وأبعد منها مدى وأكثر منها يقينًا، ومن ثم فهي في فلسفة الطبيعة أكثر مادية في الغالب، فعلى الرغم من انتقاد التلميذ لأستاذه إلّا أنَّ أرسطو كان ذو شخصية وعقل مجتهد غير مقلّد، فكان يَزِنُ أقوال أستاذه وينقدها ويحللها. ولكن من غير غمز وتجريح لتعاليم أفلاطون لهُ، فقد كان يقول إنّه صديقٌ لأفلاطون، ولكنّه أكثر صداقة للحق.

 

 

ونتيجة لهذه الكاريزما والشهرة التي لقاها أرسطو فقد تلقّى دعوة من الملك فيليبوس المقدوني ليكون معلم ابنه الذي أصبح فيما بعد الإسكندر الكبير (المقدوني) وقد لازمه أرسطو صديقاً، ومعلماً، ومستشاراً حتى قام الإسكندر سنة 334 ق.م بحملته الحربية الآسيوية، وترك أرسطو البلاط وتوجه إلى أثينا.

ومما يروى أن الإسكندر كان يرسل من البلدان التي يمرُّ بها نماذج من نباتاتها وحيواناتها إلى أستاذه مساهمة منه في زيادة اطّلاعه، وتسهيل أبحاثه ودراساته، ومن هنا استطاع أرسطو أن يؤسس ما يُعتبر أول حديقة حيوان في العالم.

المشّائية

بعد عودة أرسطو إلى أثينا بدأ الطلبة يتوافدون إليه ليتعلموا من هذا الفيلسوف العبقري، فقد كانوا يجتمعون في الأروقة وعلى مدرجات الألعاب الرياضية ليطرحوا استفساراتهم الفلسفية والعلمية، ومع هذه الاجتماعات تأسست المدرسة المشَّائيّة الفلسفية، وأخذت هذا الاسم لأنّهم كانوا يمشون بين الأروقة وفي الطبيعة وهم يتلقون التعاليم من معلمهم أرسطو.

أخذت المدرسة المشّائية أغلب تعاليمها من أحضان الطبيعة، وكانت خاصية التغير الملازمة للطبيعة أكثر ما استرعى انتباه أرسطو لدرجة أنّهُ عرَّف فلسفة الطبيعة في كتاب "الطبيعيات" بأنّها دراسة الأشياء التي تتغيَّر. وقد قال في ذلك: "لكي نفهم التغير يجب أن نفرِّق بين الصورة والمادة أو الشيء".

فبحسب اعتقاد أرسطو، فإنَّ التغير هو أن تكتسب المادة نفسها شكلاً جديدًا. وعدّد أسبابًا أربعة للتغير: السبب المادي/ السبب الصوري/ السبب الفعَّال/ السبب النهائي. فمثلاً السبب المادي لتمثال منحوت هو المادة المصنوع منها هذا التمثال، والسبب الفعَّال هو النشاط الذي بذله النحّات، والسبب الصوري هو الشكل الذي صيغت فيه مادة التمثال والسبب النهائي هو الخطّة أو التصميم الذي كان في ذهن صانع التمثال.

"الأرجانون" عند أرسطو

تجمع كل مؤلفات أرسطو في المنطق تحت اسم "الأورجانون". وتعني الأداة، لأنَّ تلك المؤلفات كانت تبحث عن موضوع الفكر، الذي هو الأداة أو الوسيلة للمعرفة. حيث كان أول فيلسوف قام بتحليل العملية التي بموجبها يمكن منطقيّا استنتاج أنَّ أي قضية من الممكن أن تكون صحيحة استنادًا إلى صحة قضايا أخرى، فقد كان اعتقاده أنَّ عملية الاستدلال المنطقي هذه تقوم على أساس شكل من أشكال البرهان سمّاه القياس. وفي حالة القياس، يمكن البرهنة أو الاستدلال منطقيا على صحة قضية معينة إذا كانت هناك قضيتان أخريان صحيحتان، ومثال على ذلك إذ يقال: "كل إنسان فان، وسقراط إنسان، إذا سقراط فان". هذا هو النمط الفكري الذي يتميز به منطق أرسطو، وهذا منطق شائع جداً في تفكيرنا ويغلب على أكثر أحاديثنا.

بعد موت أرسطو، استمر التقليد الفلسفي الأرسطي سائدا خلال الحقبة الهلنستية (الإغريقية) من خلال المدرسة المشَّائيَّة التي أسسها، وقد ساعد ظهور النزعات الانتقائية والكلاسيكية المحدثة خلال القرن الأوّل قبل الميلاد على تنصيب أرسطو كمرجعية فلسفية وحيدة لجميع الفلاسفة، وخصوصا في المنطق والعلوم الطبيعية.

 الفلسفة الهلنستية ومدارسها

  • المدرسة الكلبية:

 أو "الفلسفة التشاؤمية"، مذهب فلسفي أسسه الفيلسوف أنتيستنيس، وهو أحد أتباع الفيلسوف سقراط، وكانت نقطة البداية لهذا الفيلسوف هي مذهب معلمه، الذي يرى الفضيلة وليس المتعة هي الهدف الأساسي للحياة، وأنَّها تمثل السعادة الحقيقة. ويرى أنتيستنيس أنّ الشخص الحكيم هو الذي ينظر باحتقار لكل الرغبات المألوفة في الحياة، ويعيش غير عابئ بالثروة والجاه. وأكّد أنّ السعادة الدائمة أمر غير ممكن مادام للشخص حاجات ورغبات لا يستطيع إشباعها، وهو غير مقيد بأيّ التزامات نحو المجتمع أو الدولة أو الأسرة، لأنّ هذه الأشياء تولِّد رغبات لا يمكن إشباعها. لهذا رفض الكلبيون كافة التقاليد، سواء كانت باسم الدين، الأخلاق، أو كانت تتعلق باللباس، أو اللباقة أو غيرها من القيود الاجتماعية، وأيّدوا عوضا عن ذلك السعي وراء أسلوب حياة لامادي وبسيط يهدف إلى الفضيلة، وبتعبير آخر يمكننا القول إنّ الكلبية كانت تقوم على مجاراة الطبيعة وعدم المبالاة بالعرف.

  •  المدرسة الأبيقورية:

 أنشأها الفيلسوف أبيقوروس، حيث تميّزت فلسفتهُ بصبغة أخلاقية عملية، وارتبطت باللذة والسعادة الحسية، إذ يرى أنّ غايةَ الحياة هي اللذة، وأنّها الخير الوحيد، أمّا الألم فهو الشرُّ الوحيد، والمقصود باللذة في هذا المذهب هو التحرّر من الألم، ويعدُّ الأبيقوريون اللذاتِ الروحيّة والعقلية أكثرَ أهميّةً بكثير من لذّات الجسم، فالجسم لا يشعر باللذة والألم إلّا عندما يدومان.

كما أنّهُ اعتبر المكان طبيعة موجودة لا تُلْمَس، ولا يقاوِم تحرك الأجسام، ويمكن أن يشغله جسم ما، فحيث يوجد الجسم يستمر المكان. أمّا عن المعرفة عند الأبيقوريون لا تتحقق إلّا عن طريق الحواس، والحواس ترشد المرء إلى تحديد طبيعة الشيء، فيصدرُ حكمه بعد الإدراك الحسّي، وكان لهذا الإدراك أربعة أنواع: الانفعال والإحساس والمعنى الكلي والحدس الفكري. وقد شرحوا هذه الأنواع كالتالي: فالانفعالُ هو الشعور باللذة والألم، والإحساس هو الإدراك الظاهري، والمعنى الكلي يصدر من الإحساس، والحدس الفكري استدلال.

أمّا النفس في نظر الأبيقوريون، فهو جسم حار لطيف للغاية تكمن فيه جميع القوى، ولكن لا يكون إحساسا إلاّ إذا ارتبطت النفس بالبدن، فهو الذي يتيح لها أن تمارس قدرتها على الإِحساس، كما أنّها بالمقابل هي التي تجعله حسّاساً، فإِن تفرّق شملهما تبددت النفس إِذ إنها تتكون معه، وتنحلُّ بانحلاله، فهي إذن مادية وفاسدة.

 أنشأ الأبيقوريون نظامًا فلسفيًا وأسلوباً للحياة يستحقا احترامنا وولاءنا، ذلك النظام الحياتي الإبيقوري الذي أغرى الآلاف لاتباعه والالتزام به في المجتمعات "البحر متوسطية" القديمة التي ظلت متماسكة لمئات السنين.

  • المدرسة الإسكندرانية:

 انتقلت الفلسفة إلى مدينة الإسكندرية التي بناها الإسكندر المقدوني إبان العصر الهيليني، وكانت مشهورة بمكتبتها العامرة التي تعجُّ بالكتب النفيسة في مختلف العلوم والفنون والآداب. ومن أشهر علماء هذه المدرسة أقليديس وأرخميدس واللغوي الفيلولوجي إراتوستينس. وقد انتعشت هذه المدرسة في القرون الميلادية الأولى وامتزجت بالحضارة الشرقية مع امتداد الفكر الديني والوثني، وانتشار الأفكار الأسطورية والخرافية والنزعات الصوفية.

ومن مميزات هذه المدرسة التوفيق بين آراء أفلاطون المثالية وأرسطو المادية، والتشبّع بالمعتقدات الدينية المسيحية واليهودية والأفكار الوثنية من زرادشتية ومانوية وبوذية، والفصل بين العلم والفلسفة بعد ظهور فكرة التخصص المعرفي. والاهتمام بالتصوف والتجليات العرفانية والغنوصية والانشغال بالسحر والتنجيم والغيبيات والإيمان بالخوارق؛ فنتج عنها فلسفة غربية امتزجت بالطابع الروحاني الشرقي، وذلك من أجل التوفيق بين الدين والفلسفة.

كما أنّ الذين كانوا يمارسون عملية التوفيق كانوا يعتقدون أنّهم يوفقون بين أرسطو وأفلاطون، ولكنّهم كانوا في الحقيقة يوفقون بين أفلاطون وأفلوطين، مما أعطى هجيناً فكرياً يُعرف بالأفلوطينية الجديدة.

  • المعرفة عند أفلوطين:

يُعتبر أفلوطين من أشهر فلاسفة المدرسة الإسكندرانية، فقد تغلّبت عليه النزعة الدينية، والتصوّر المثالي في عملية التوفيق. فقد تميّزت فلسفتهُ بكونها عبارة عن مزيج رائع فيه قوة وأصالة بين آراء أفلاطون والرواقيين، وبين الأفكار الهندية والنُسك الشرقي والديانات الشعبية المنتشرة آنذاك. والطابع العام لفلسفته هو غلبة الناحية الذاتية فيها على الناحية الموضوعية، فهي فلسفة تمتاز بعمق الشعور الصوفي والمثالية الأفلاطونية، ووحدة الوجود الرواقية، وكلها عناصر يقوّي بعضها بعضاً، حتى تتخيل وأنت تقرأها كأنّك أمام شخص لا خبرة له بالعالم الموضوعي. فالمعرفة عند أفلوطين وأتباعه تبدأ من الذّات وتنتهي إلى الله دون أن تمرَّ بالعالم المحسوس حيث إنّ هذه المعرفة الذاتية الباطنية كانت تمثل كل شيء عندهم.

وبذلك نجدُ أنّ الإبداع الفلسفي لتطور الفلسفة اليونانية كان حاضراً في هذه الحقبة من خلال تجديد المذاهب الفلسفية القديمة مع عناية خاصّة بالأخلاق تبعاً لموقف سقراط والفكرة الأساسية عند أفلاطون، فقد جدّد أبيقور مذهب ديمُقريطس، وجدّد الرواقيون مذهب هرقليطس، ومن هذا التجديد نستنتج أنّهُ ضعفت الثقة بالعقل، ونبت مذهب الشك الذي كان طاغياً على الأكاديمية.

  • انتهاء أكاديمية أثينا الفلسفية:

 سنة 529 ميلادي أغلق الإمبراطور يوستنيانوس (جستينيان) مدارس الفلسفة في أثينا، وكانت قد أقفرت من التلاميذ، وتناقص عدد العلماء فيها، وكانت الإسكندرية قد فقدت مكانتها، فانتهت الفلسفة اليونانية بعد حياة استطالت أحد عشر قرناً، وحفلت بأسمى وأبهى نتاج العقل. لكنها بقيت هي الأصل بين الفلسفات، حيث تناولتها عقول جديدة في الشرق والغرب فاصطنعت منها ما اصطنعت وأنكرت ما أنكرت. فكان لأفلاطون بفضل نزعته الروحية حظ كبير عند المسيحيين في بلاد اليونان والرومان، ثم كان لأرسطو مثل هذا الحظ عند السريان الذين نقلوا كتبه إلى لغتهم ثم إلى العربيّة، ولكنهم نقلوها عن إسكندر الإفروديسي الذي كان قد أدخل عليها شيئًا من التأويل الشخصي، كما ونقل السريان أيضا مختارات من التاسوعات الثلاث الأخيرة وسمّوها "أوتولوجيا- إلهيات- أرسطوطاليس" ومختارات من "مبادئ الإلهيات" لأبروقلوس وسمّوها "كتاب العلل" وأضافوها إلى أرسطو كذلك، ولمّا ترجمت الكتب العربية إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر ذاعت دراسة أرسطو في الغرب وبعثت فيه نهضة فكرية تطورت إلى الفلسفة الحديثة، ولكن هذه السلسلة متصلة الحلقات، والفضل يعود إلى الفلسفة الأولى.


من المصادر:
  1. تاريخ الفلسفة اليونانية , يوسف كرم ,2012
  2. الفلسفة اليونانية , د . عبد الجليل كاظم الوالي 2009
  3. https://iep.utm.edu/aristotl/
  4. https://www.syr-res.com/article/16465.html
  5. https://www.newworldencyclopedia.org/entry/Sophists